تتوالى مطالب بحفظ ذكرى العمل الميداني لأحد رموز اليسار الجديد، الفاعل المدني والمعتقل السياسي السابق الراحل عبد الله زعزاع، بتسمية “حديقة ليرميطاج”، إحدى أقدم المساحات الخضراء بالدار البيضاء، بـ”حديقة عبد الله زعزاع”، بعدما كان له فضل كبير في إحيائها، وحفظِها مِن المتربصين بأرضها.

وحول المطلب نفسه، جمعت عريضة موجّهة إلى عبد العزيز العمري، رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء وعمدة العاصمة الاقتصادية، مواطنات ومواطنين لـ”إعادة تعميد حديقة ليرميطاج باسم حديقة عبد الله زعزاع”، حتى “تكتب ذكرى عبد الله زعزاع ومعاركه من أجل تحرير الشعب المغربي في التراث الوطني والعالَمي”، تكريما لـ”شخصيّته، وإخلاصه لأحياء الطبقة العاملة”.

وكان الراحل زعزاع من الوجوه البارزة لليسار الجديد، واعتقل بسبب مهامه القيادية في منظّمة “إلى الأمام”، سبعينيات القرن الماضي، وحكم عليه بالسجن المؤبَّد، أو حياة وراء القضبان، مع مجموعة السياسي البارز أبراهام السرفاتي، قضى منها 14 سنة، مع ما رافقها من تعذيب حكى جزءا من مآسيه في كتابه “معركة رجل من اليسار”، الذي خطّه باللغة الفرنسية.

وبعد مرحلة الاعتقال السياسي في “سنوات الرّصاص”، استمر حضور زعزاع في عدد من المحطّات الوطنيّة، والمحلية، خاصة بالعاصمة الاقتصادية، من بينها تأسيس شبكة جمعيات أحياء الدار البيضاء، ومساندة انتفاض “20 فبراير” سنة 2011، مع تشبّثه بقناعاته حول التنظيم السياسي الذي يفضّل أن يكون عليه المغرب، مع استمراره في العمل من منطلق قناعة بأن الرّؤى مهما اختلفت يجب تدبيرها في إطار ديمقراطي، ليجد نفسه، وهو سليل اليسار الجذري، إلى جانب تجارب يسارية “أكثر توسّطا”، مثل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وفدرالية اليسار الديمقراطي.

ومن بين الداعين إلى هذا الاحتفاء الرمزي بجزء من ذاكرة المغرب، يمثّلُهُ الفاعل السياسي البارز الراحل عبد الله زعزاع، الناشطُ الحقوقي والخبير الاقتصادي البارز فؤاد عبد المومني.

ويقول فؤاد عبد المومني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الدعوتين، عبر العريضة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدخلان في النسق نفسه: “وهو أن المغرب يحتاج أن يعتَرِف برموزه”.

ويزيد عبد المومني: “أظن أن أناسا كثيرين يختلفون مع العديد من آراء عبد الله زعزاع وتحليلاته ومواقفه، ولكن لا أحد يجادل في نزاهته وإخلاصه، ورؤيته الثاقبة، وهو من الناس الأولين الذين أعطوا نسقا لكيف يمكن الذهاب إلى إصلاح حقيقي ومصالحة حقيقية دون التنازل عن الآراء والقناعات والمواقف المختلفة، وهو أول من صرح بشكل قوي، في قطيعة مع أصدقائه، حول التشبث بهدف الجمهورية، قائلا أقبل بالملكية وأنا جمهوري، معتبرا أنه لا يمكن أن تصبح عندنا ديمقراطية في المغرب دون اعتراف بالحق في الموقف والرأي”.

ويضيف الناشط الحقوقي في حديثه عن المناضل الراحل: “هو ربما من الناس الأولين الذين مارسوا السياسة بشكل مغاير؛ فلم يبق في التنظير فقط للإستراتيجيات الشاملة والشمولية، بل ترجمها إلى ممارسة على المستوى الميداني والمحلي مع شباب وكهول. وهو إنسان ضحى كثيرا، وما عاناه من تعذيب وظروف السجن الطويل جدا لا يمكن أن يُنسى، أو أن يعتبر تعويض مالي، كيفما كان، قائما مقام الاعتراف الرمزي والمعنوي به”.

ويجمل فؤاد عبد المومني مبرزا ما ستمثّله تسمية فضاء عمومي باسم عبد الله زعزاع من “اعتراف بمكوّن من المكونات المشروعة والذكية والمساهِمة بقوة في تطور هذا البلد”.

بدوره يسلط الفاعل الجمعوي حسن ضفير الضوءَ على “نضال عبد الله زعزاع في سبيل حديقة ليرميطاج”، خلال محطتين، أوّلاهما عندما كان منتخَبا في المجلس البلدي لمرس السلطان، وقاد معركة شرسة بمرافقة الساكنة من أجل الحفاظ عليها، في نضال طويل خاضه من داخل المجالس المنتخبَة. وثاني المحطّتين كانت عند تأسيس “جمعية الميتر بوشنتوف” أواخر التسعينيات، حيث قاد مجموعة من المرافعات بمرافقة شباب وأطفال ونساء حي الميتر بوشنتوف، من أجل إعادة هيكلة الحديقة والحفاظ عليها، مساحة خضراء لصالح الساكنة.

ويضيف ضفير: “لقد حاول أن يوسّع معركة ليرميطاج لمختلف الفضاءات، سواء على مستوى الدار البيضاء أو على المستويين الوطني والدولي، إذ كان هذا موضوع مجموعة من المقالات الصحافية، والتصريحات، والمداخلات في الندوات الدولية والمحلية”؛ وهو ما يفسّر مطلب التسمية بمبادرة من عدد من فعاليات الدار البيضاء، “بالنظر إلى هذا التاريخ، وبالنظر إلى مجموعة من المبادرات التي قام بها للحفاظ على هذه المعلمة، حتى لا يغزوها الإسمنت، بعدما كانت نصب أعين عدد من المنعشين العقاريين”.

ويسترسل الفاعل الجمعوي في شهادته: “أهمية هذه المبادرة تكمن في علاقتها بعبد الله زعزاع، إذ تسلّط الضوء على كونه من الرواد الذين أسسوا الحقل المدني بالدار البيضاء؛ فالمسألة تتعدّى الدفاع عن ليرميطاج، لأنه انطلاقا من هذه المعركة والدينامية التي خاضها في الحفاظ على هذه الحديقة استطاع هيكلة مجموع الجمعيات والشبكات على مستوى المدينة، من أجل إعادة صياغة برنامج عملها، بما يتوافق والدّفاعَ عن أجندة تنمية الأحياء”.

مجهودات عبد الله زعزاع هذه حقّقت منجزات من ضمنها، وفق التصريح ذاته: “تنظيم المنتدى الأول للجمعيات والمقاولات سنةَ 2004 وتتويجه بتمويل خمسين مشروعا، ثم المنتدى الثاني الذي مُوِّلَ فيه 150 مشروعا، وأجابت فيه الجمعيات عن مجموعة من الإشكالات والحاجات التي كانت مطروحة بالدار البيضاء عقب الأحداث الإرهابية سنة 2003”.

هذه المبادرة انتقلت، أيضا، إلى عدد من الأحياء والمدن الأخرى، فـ”استُؤنس بها في علاج تبعات زلزال الحسيمة في 2004، وبعد ذلك في مدن من بينها المحمدية والجديدة والسطات وأزيلال وخنيفرة… انطلاقا من تجربة شبكات جمعيات أحياء الدار البيضاء، حيث هُيكلت شبكات من أجل إعادة صياغة الفعل المدني، بما يتوافق مع المساهمة في تنمية مناطقها”، حَسَبَ ضفير.

ويقول الفاعل المدني في ختام حديثه مع هسبريس: “إرثُ عبد الله زعزاع هذا، كفكر وتراكم نظري وميداني مدنيّ يجعل تسمية هذه الحديقة، التي تشبّث بها ودافع عنها سنينَ عديدة وحاول أن يجعلها فضاء ومتنفسا للمنطقة، أقل ما يمكن لإكرام هذه الشخصية؛ تخليدا لرموزِ هذا الوطن الذين أعطوا، حقيقة، الكثير لهذا البلد، والذين نتمنى تخليد أسمائهم كمنارات وقدوة، نقول للأجيال القادمة عبرها إن هناك أناسا دافعوا، وكرّسوا حياتهم في سبيل مصلحة هذا الوطن”.

hespress.com