قال فوزي بوخريص، أستاذ علم الاجتماعي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن نمط التعليم الذاتي الذي أضيف إلى التعليم عن بعد ليس خيارا موفقا، “لأن التعليم قضية مهنيين خبراء في مجالهم المهني، وينخرط فيه الشخص بكامل ذاتيته، وهذا لن يتحقق بالتعليم الذاتي”.

وذهب بوخريص إلى القول، في ندوة رقمية نظمتها المجلة التربوية “مدرسة الوطن”، ليلة الخميس، إلى وصف التعليم الذاتي بـ”الوهم”، مضيفا: “هذا النمط الغريب الذي يتم التسويق له يعني ترْك التلاميذ لحالهم، بينما جميع الخبراء التربويين في العالم يؤكدون أن ثمّة حاجة إلى التعلم الجماعي”.

وأدخلت وزارة التربية الوطنية التعلم الذاتي ضمن سلة الخيارات التي وضعتها لتدبير الموسم الدراسي الجاري، لكن بوخريص يرى أن هذا النمط التعلمي سيؤدي إلى “علاقة بيداغوجية عشوائية وفوضوية”، متوقعا أن يكون له، شأنه شأن التعليم عن بعد، انعكاس سلبي على مستوى الأداء المدرسي للتلاميذ.

وأوضح المتحدث أن التلاميذ يحتاجون إلى التعليم بشكل جماعي في خضم التعاون المتبادل بينهم، وفي تفاعل مباشر مع أساتذتهم، لتنمية قدراتهم المعرفية ومهاراتهم، مبرزا أن التعليم الذاتي “سيطرح تفاوتات جديدة تنضاف إلى التفاوتات التي طرحها التعليم عن بعد إثر تعليق الدراسية الحضورية في منتصف الموسم الدراسي الماضي”.

وأضاف الأستاذ ذاته أن التفاوتات التي نجمت عن التعليم عن بعد لم تقتصر فقط على الجانب المادي، أي ما يتعلق بامتلاك الوسائل التقنية، بل امتدت إلى الجانب البيداغوجي؛ ذلك أن أبناء الطبقات الاجتماعية الغنية والمتوسطة استفادوا من “مساعدة فعّالة” من طرف أسَرهم في تنظيم تمدرسهم وتتبّع عملهم، وهو ما لم يتأتّ لأبناء الأسر المنتمية إلى الطبقة الاجتماعية الهشة أو ذات الدخل المحدود.

من جهة ثانية قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل إن المقابلة بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي على أساس أن الأول مجاني والثاني مؤدّى عنه ينبغي أن يعاد فيها النظر، لأن التعليم العمومي أيضا، يردف، “ليس مجانيا كما يتم التسويق له”.

وأوضح بوخريص أن تلاميذ التعليم العمومي وإن كانوا لا يؤدّون واجبات التمدرس، كما هو الحال في مؤسسات التعليم الخصوصي، فإنهم يلجؤون إلى تقوية معارفهم في مراكز الدعم والتقوية، “وبالتالي فحتى لو لم يكن التعليم العمومي بضاعة على الشكل الذي هو عليه في القطاع الخاص فإنّ له تكلفة تؤدّيها الأسر بشكل غير مباشر”، وفق تعبيره.

ولفت المتحدث إلى أن المقاولات التي تستثمر في مجال تقديم دروس الدعم والتقوية لتلاميذ المدرسة العمومية تجني أموالا طائلة، وأغلبها تعتمد نظاما اقتصاديا لا يستجيب للمعايير القانونية المطلوبة.

ويطرح لجوء تلاميذ التعليم العمومية إلى مراكز الدعم والتقوية إشكال انعدام تكافؤ الفرص بين المتعلمين في هذا القطاع الذي تشرف عليه الدولة، والذي يفترض أن يضمن المساواة بين الجميع، ذلك أن التلاميذ أبناء الأسر الفقيرة لا يستطيعون الولوج إلى هذه المراكز.

وأوضح بوخريص أن هامش المجانية في التعليم العمومي يتقلص سنة بعد أخرى، وتراجع بمستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة، ما جعل الدولة تفكر في برامج الدعم، من قبيل برنامج مليون محفظة، وبرنامج تيسير… لتمكين أبناء الطبقة الهشة وذات الدخل المحدود من الولوج إلى المدرسة، مؤكدا أن “التعليم العمومي ليس مجانيا بشكل كلي كما يتم التسويق له”.

hespress.com