أثار شريط منشور على مواقع التواصل الاجتماعي وفي تطبيقات التراسل الفوري، يظهر فيه المعتقل السابق في قضايا الإرهاب والتطرف محمد حاجب وهو يشيد بـ”الانتحار الإرهابي”، ويشرعن “الموت مع قوات حفظ النظام خلال التجمهرات العرضية ضد الدولة”، (أثار) نقاشا محتدما في وسائط الاتصال الجماهيري، بلغ حد نزوع بعض المدونين إلى المطالبة بـ”وضع حد قانوني لمثل هذه المحتويات العنيفة” التي قالوا إنها “تتذرع بحرية التعبير للتحريض على الإرهاب وترويع الآمنين”؛ بينما ذهب البعض إلى ازدراء مثل هذه المحتويات واعتبارها “موجة أو ضربا جديدا من ضروب التفاهة التي تحاكي الروتين اليومي في المنصات التواصلية”.
باكستان.. بداية مسار التطرف
تضّمن الشريط المنشور لمحمد حاجب مقتطفات عديدة من خرجاته الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تختزل تناقضا صارخا في مرجعيته العقدية وانتماءاته التنظيمية حسب نشطاء العالم الأزرق. فهذا المعتقل السابق في قضايا الإرهاب والتطرف يدعي أنه كان ينتمي إلى جماعة الدعوة والتبليغ التي قال إنها “غير محظورة في العالم بأسره”، قبل أن يناقض تصريحه ويؤكد أن سفره مع هذه الجماعة “القانونية” إلى مضافات ومزارات باكستان تسبب في اعتقاله لمدة تربو عن خمسة أشهر تقريبا إلا نيّف يسير. وهنا تساءل العديد من رواد الإعلام البديل: هل يمكن أن يكون العمل الدعوي المشروع موجبا للاعتقال كل هذه المدة في مرحلة ما قبل المحاكمة؟ وهل هي الصدفة وحدها التي قادت محمد حاجب إلى مضافات باكستان في وقت جذوة القتال الـمُسجّى بالدين بين القاعدة وطالبان وقوات التحالف الدولي؟ وهل الباكستانيون كانوا في حاجة ماسة إلى أتباع الدعوة والتبليغ، من قبيل محمد حاجب، ليعلموهم شؤون دينهم في زمن الأقصاف المتبادلة بين فلول القاعدة وأتباع طالبان وجيوش التحالف الدولي؟.
وأثارت هذه الأسئلة ذهول واستغراب العديد من المدونين الذين انخرطوا في جملة من التعليقات تتحدث عما اعتبروها “سطحية محمد حاجب” و”ضعف حجته”، إذ أجمعت تعليقاتهم على أن الرعيل الأول لمشايخ تنظيم القاعدة كانوا يراهنون على الاستقطاب والتجنيد من الجماعات الدينية المعتدلة أو الهامشية، التي كانوا يتعاطون معها على أساس أنها “مشتل لتفريخ وإعداد المقاتلين المنذورين للموت”.
وفي هذا الصدد، كتب محمد الموساوي أن “تنظيم القاعدة يختلف عن تنظيم داعش في عملية الاستقطاب والتجنيد، بسبب تباين السياق الزمني بينهما؛ فالقاعدة كانت تراهن على الاستقطاب الكلاسيكي، أي الاستقطاب المباشر من الجماعات الدينية، مثل الدعوة والتبليغ، أو من محيط المساجد غير المهيكلة سابقا، أما تنظيم داعش فاستفاد من الطفرة المعلوماتية لأغراض التجنيد والدعاية السيبرانية”.
واستطرد المصدر ذاته: “لقد راهن تنظيم داعش دائما على الاستقطاب المعلوماتي السريع، مثلما وقع في أحداث برلين ونيس في السنوات القليلة الماضية، كما أدخل تحيينات جديدة على العمل الإرهابي تمثلت في تفضيل أساليب الإرهاب الفردي المشفوع بزخم إعلامي كبير؛ بينما على النقيض من ذلك كانت خطط تنظيم القاعدة تتسم بالنفس الطويل، وكان الاستقطاب يمر عبر مراحل أربع، وهي (التصفية)، أي انتقاء التابع الذي تظهر عليه علامات التطرف والاستعداد لتقبل الأفكار المتطرفة، كأن يكون من وسط غير متدين أو أن تكون والدته متحررة أكثر من السقف المباح أو تتعاطى للفساد المالي والأخلاقي، ثم تأتي مرحلة (التربية) التي تتم فيها دعوة التابع لحضور الدروس والخطب التي يلقيها الدعاة والمشايخ، والاطلاع على الاحتياطات والأَمنيات (بفتح الألف)، ثم هناك مرحلة الإعداد بشقيه المادي والنفسي، وأخيرا مرحلة الجهاد، أي الجاهزية للقيام بالاقتحام أو الغزوة”.
وخلص المعني بالأمر إلى أن “التذرع بالانتماء إلى جماعة الدعوة والتبليغ لا يسقط شبهة التطرف عن محمد حاجب، خصوصا إذا كان هذا الانتماء مقرونا بظروف مشددة مثل السفر نحو مضافات باكستان، في سياق زمني كان فيه تنظيم القاعدة هو الماسك بناصية الإرهاب العالمي؛ علاوة على أن محمد حاجب، حسب ما أفشاه عدد من مجايليه في السجن مثل حسن الخطاب وبوشتى الشارف، كانت له نوازع كثيرة للتطرف، حتى إنه كان يقتدي بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في كل شيء، بما في ذلك رباط العمامة التي كان يضعها على رأسه”.
“السلمية”.. تقيّة محمد حاجب
من الأمور التي استرعت انتباه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في شريط محمد حاجب، وأثارت موجة من الاستهجان الرقمي، هي تصريحاته التي اعتبروها تسوغ وتحرض على “العمليات الانتحارية”، إذ لم يتورع هذا المعتقل السابق في قضايا الإرهاب والتطرف، بحسبهم، في دعوة فاقدي الأمل في الحياة والمقبلين على الانتحار لنوازع نفسية أو مالية بأن يركنوا إلى العمليات الانتحارية خلال التوترات الاجتماعية التي تعرفها الشوارع العامة! وكأن لسان حاله يقول لطالبي الانتحار “إن قتل النفس حرام عند الله، ولكنه يكون حلالا جالبا للمكرمات عندما يكون انتحارا مفضيا لقتل قوات حفظ النظام وممثلي السلطة العمومية”.
لكن محمد حاجب سرعان ما خرج ينفض عنه شبهة التحريض على العمل الانتحاري والدعوة للعمليات الإرهابية التي تستهدف النظام العام، إذ زعم في شريط جديد أنه دأب على “التشبث بشعار السلمية”، كما أستل قاموس الاستعارة والمجاز لتبرير كلامه، مدعيا أنه كان يقصد فقط بكلامه عند دعوة الراغبين في الانتحار إلى الموت بالشارع العام “المشاركة في التجمهرات العمومية والاحتجاج وليس الموت بمفهومه الغيّبي وفي مدلوله اللغوي!!”.
وقد استهجن معظم المدونين والمغردين هذه التصريحات الغريبة، التي اعتبروها “تلاعبا بعقول الناس وافتراضا للجهل فيهم”، إذ تساءل أحدهم: “هل الموت، اصطلاحا أو مجازا، يعني المشاركة في الاحتجاج؟ أم إن الأمر لا يعدو أن يكون ضربا جديدا من ضروب التقيّة الدينية التي يتدثر بها محمد حاجب؟”. أما مدونة أخرى فكتبت: “الموت في سياق حديث محمد حاجب المنشور في الشريط لا يقبل سوى معنى واحد هو التحريض على الإرهاب وترويع الآمنين”.
وبعيدا عن لغة التدوين الافتراضي، نجد أن لغة القانون تسدل على ما قاله محمد حاجب وصفا واحدا وتكييفا وحيدا هو “التحريض على الإرهاب”. فالفصل 218-5 من مجموعة القانون الجنائي يعاقب بالسجن والغرامة كل من قام بأي وسيلة من الوسائل بإقناع الغير بارتكاب جريمة إرهابية أو دفعه إلى القيام بها أو حرضه على ذلك. بل إن المشرع المغربي عاقب على التحريض حتى وإن لم يكن له مفعول في ما بعد (الفصل 299-1 من القانون الجنائي).
وبخصوص هذه النقطة، تساءل أحد المدونين: “ما هو التبرير الذي كان محمد حاجب سيقدمه إذا قام أحد الأشخاص بقتل واحد أو أكثر من عناصر القوة العمومية في التجمهرات العمومية بالاستناد إلى فتواه التحريضية التي قال فيها (موت معاهم في الشارع)؟، فهل كان سيتحمل الوزر القانوني والديني والأخلاقي للتحريض والدعوة للإرهاب؟ أم إنه كان سيتذرع بالتفسير المجازي لفتواه التي يستحل فيها الانتحار “الجهادي”؟ وكيف يمكنه أيضا تفسير التطابق الكلي بين كلامه التحريضي وخطاب زعماء تنظيم القاعدة وتحديدا أيمن الظواهري؟”.. “فهل هذا التطابق راجع أيضا إلى المجاز والاستعارة اللغوية؟” يتساءل المدون نفسه.
الصحافة.. في مرمى محمد حاجب
من بين المبادئ التي تقوم عليها التنظيمات الإرهابية نجد “العهد والطاعة وعدم المجادلة وهجر قيم المجتمع”. ويبدو أن محمد حاجب أشهر معول “عدم المجادلة” في حق الجسم الصحافي، خصوصا عندما انبرى يتهم الصحافيين بتهم هلامية ويصفهم بنعوت حاطة من الكرامة، لا لشيء سوى أنهم مارسوا عملهم الصحافي ونشروا الشريط الذي يتضمن دعواته التحريضية وفتاواه المشرعنة للعمليات الانتحارية. فقد أرغد وأزبد كثيرا في حق الصحافيين، الذين اتهمهم بإعلان حرب شعواء ضده، بل إنه تجاسر وعطفهم في حديثه على وصف “الكلاب والمجرمين” الذي تلفظ به في الكثير من مقاطعه المصورة المنشورة.
وقد دعا الكثير من المدونين والمغردين الهيئات المهنية والمؤسساتية الممثلة للصحافيين، سواء النقابة الوطنية للصحافة المغربية أو المجلس الوطني للصحافة، إلى ضرورة ترتيب “الرد القانوني والمهني الرادع لمثل هذه الاستهدافات والهجمات الممنهجة التي تطال الصحفيين من معتقل سابق في قضايا الإرهاب والتطرف”. فقد كتب أحدهم: “لماذا يزدري محمد حاجب الصحافة والصحافيين بالمغرب؟ هل كان يعتقد أو يتوهم أن صحافيا عاقلا يمكنه أن ينشر فتاواه التحريضية والمسوغة للعمليات الانتحارية؟ وهل هناك صحافي واحد في العالم، دون ألمانيا طبعا، لأسباب يعلمها جيدا محمد حاجب، يمكنه أن يقنع الرأي العام بأن الموت هو مرادف للمشاركة في الاحتجاج وأن السلمية قد تصدح من أفواه الإرهابيين؟”.