خَفَت دورُ المجلس الوطني لحقوق الإنسان في البحثِ عن مصوّغات حلّ ملف “حراك الرّيف” الذي دخلَ مرحلة جديدة من التّعاطي الرّسمي، بعد العفو الملكي الأخير عن عشرات المعتقلين، وهو ما اعتبره البعض يكرّس “توجّهاً جديداً داخلَ الدّولة، يُعطي الانطباع بأنّ مُخرجات الملفّ تُطبخُ على نارٍ هادئة”.

ولم يعدْ المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعقد أيّ لقاءات مع عائلات المعتقلين، كما لم يعد يُوفد لجانا طبّية إلى السّجن للاستفسار حول الأحوال الصّحية للمعتقلين، لاسيّما بعد دخول البعض منهم في إضرابات عن الطّعام، وهو ما يفسّر حسب متتبّعين “انسحاب مجلس بوعياش” من الوساطة في ملفّ احتجاجات الحسيمة.

وتنصُّ المادة العاشرة من القانون المنظّم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على أنّه يمكنه أن “يتدخّل بكيفية عاجلة كلما تعلّق الأمر بحالة من حالات التوتر قد تفضي إلى وقوع انتهاك حق من حقوق الإنسان، بصفة فردية أو جماعية؛ وذلك ببذل مساعي الوساطة والصّلح بتنسيق مع السّلطات العمومية المعنية”.

وأفرج الملك محمد السادس، بمقتضى عفو ملكي، عن عشرات المعتقلين على خلفية “حراك الريف”، يتقدمهم المرتضى إعمراشن ومحمد المجاوي وربيع الأبلق ومحمد الأصريحي وعبد العالي حود وكريم أمغار وشاكر المخروط وصالح لشخم.

ورسميًا، بات عدد المعتقلين على خلفية احتجاجات “حراك الريف” لا يتجاوز الثلاثين حسب مصادر، بعد أن انقضت محكومية بعضهم، واستفاد آخرون من العفو؛ وهو ما أنعش آمال العائلات وفعاليات حقوقية في إمكانية الدفع نحو التسوية، بالنّظر إلى محدودية العدد.

ومقابل خفوت أنشطة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تبحث الدّولة عن مخرجات نهائية لهذا الملفّ الذي وصلَ إلى باب المسدود، مع فشل مبادرات الوساطة في تحقيق مطالب “الزفزافي ورفاقه”. وأكّدت بوعياش أن “مهمة المجلس تقتصر على كونه آلية لفهم الأشياء ودعم المعتقلين واقتراح حلول على السلطات”.

ويعتقد الحقوقي المغربي عبد الإله الخضري أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان أصبح متجاوزا بحكم الواقع لعدة أسباب، من أهمها موقفه المتحيز لرواية الدّولة من خلال تقريره الأخير، الذي اعتبر متظاهري حراك الريف من بدؤوا بالعنف، ووَسمَ خطاب قادة الحراك بالتحريض على العنف والكراهية”.

وأشارَ الفاعل الحقوقي ذاته إلى أنّ “المجلس أنكر التعذيب الذي صرح بعض النشطاء المعتقلين بتعرضهم له أثناء الاعتقال وخلال مراحل معينة من مراحل التحقيق معهم، رغم تسرب تقرير أولي لأطباء كان المجلس أوفدهم لمعاينة بعض المعتقلين، يؤكد حالة تعذيب في حق بعضهم”.

ومن بين أسباب خفوت دور “المجلس” على مستوى تدبير ملف الرّيف “بعض التصريحات الصادرة عن رئيسته، التي قد يستشف منها تبخيس تضحيات نشطاء الحراك وتجريدهم من صفة المعتقلين السياسيين، ما أدى إلى فقدان الهيئة ثقة ذوي معتقلي حراك الريف”.

ومن هذا المنطلق، يرى الخضري أن “ملف حراك الريف ربما تم سحبه بطريقة أو بأخرى من يد المجلس، وهو أمر مثير ومؤسف وغير مشرف، سواء بالنسبة للمجلس أو للمغرب بصفة عامة، لكون الحراك إنما صرخة جيل بل أجيال وجدت نفسها في براثن التهميش والقمع”.

hespress.com