من حين لآخر، تطفو على سطح النقاش العمومي في المغرب تعبيراتٌ تمييزية بناء على لون البشرة، من بينها، مؤخرا، تَعيير مستشارٍ النائبةَ عزوها الحراك بلون بشرتها، فكان ردها عليه: “جلدنا أكحل ومامالكْنا حَدّ”.
ومن بين هذه التعبيرات العنصرية التي شهدتها البلاد مؤخرا، تعيير المدرب موسى نداو بلون بشرته، في جدل بينه وبين لاعب سابق مسؤول بملعب، عرف تضامنا كرويا واسعا، منه توقيف المعيِّر عن العمل من طرف نادي الراسينغ الرياضي. ونقل جدل كروي مع اللاعب الدولي السابق والمدرب عبد السلام وادو إلى مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صورة تهينه بناء على لون بشرته.
وتُذَكِّر هذه التعبيرات العنصرية بأحداث سابقة مثل وصف السياسي ولد الرشيد رئيس شبيبة حزبه، سابقا، عمر عباسي بوصف تمييزي بناء على لون بشرته، والتعبيرات التمييزية بناء على اللون التي يوصف بها مهاجرون من دول جنوب الصحراء، أو التي تتمظهر في منعهم من اكتراء مساكن بمجمعات سكنية. وهو ما وجد تنديدا على مواقع التواصل الاجتماعي في تعبيرات من قبيل حملة “ماسميتيش عزي”.
في هذا السياق، يقول يونس فوديل، منسق أرضية “وثائق (هوية) للجميع”، الذي أطلق حملة “ماسميتيش عزي”، إن “مثل هذه الأحداث العنصرية ليست معزولة، ولا يجب أن تمر مرور الكرام”، وهو ما يظهر ضرورة سن “نص قانوني يجرم التعبيرات العنصرية، ويعاقب عليها”، حتى “يقل التعبير عن هذا التمييز”.
وقال فوديل في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “هناك حل قانوني ندافع عنه، وهو سن قانون خاص ضد العنصرية”؛ علما أن “هناك مقتضيات في القانون الجنائي لا تتحدث عن الإثبات”، وهي “غير كافية، ويجب أن يتطور القانون مع تطور هذه التعبيرات العنصرية”، وهو ما سارت في اتجاهه دول، من بينها الجارتان تونس والجزائر.
وأضاف المتحدث أن سن قانون يجرم العنصرية بالمغرب “غير مكلف، لا ماديا ولا سياسيا، بل سيطور ترسانة الدفاع عن حقوق الإنسان، والديمقراطية”، وسيساعد على التقليل من التعبيرات العنصرية، “لأنه عندما سيصير قانونا، ويدخل حيز التنفيذ، سيصير معروفا، ويكون مرجعا عند المحامي والقاضي، ويتحدث عنه الإعلام، فيعرفه الناس، وبعد تطبيقه، سيصير أمرا جديا، لأنه مرتبط بجزاء وعقاب”.
وعاد منسق حملة “ماسميتيش عزي” إلى ما شهدته الساحة المغربية في الأسابيع الماضية، قائلا: “كانت ردود الفعل على العنصرية ضد عبد السلام وادو وموسى نداو، سريعة وفعالة من الفرق وجامعة كرة القدم، لكن لا يجب أن ننسى أن ما حدث ليس حادثا معزولا، وهناك تعبيرات عنصرية متنقلة، وليس هناك ميدان محصن منها، وكل مرة نكتشفها في ميدان”.
من بين هذه الميادين، ميدان السياسة، بعد وصف نائبة عن حزب العدالة والتنمية بالداخلة بتعبير عنصري بناء على لون بشرتها، وهو ما نددت به مؤسسة منتخبي الحزب.
ويرى فوديل أن رد فعل حزب العدالة والتنمية مهم، قبل أن يستدرك قائلا: “لكن، ما أعيبه عليه، هو أنه كان ردا لأن الضحية عضو في الحزب، ولا يكون هناك رد فعل عندما تكون تعبيرات عنصرية أخرى، علما أنه حزب يمثل كثيرا من المغاربة”، وهو ما يعني أيضا “الأحزاب الأخرى”.
وأبرز المصرح أنه لاحظ ردي فعل كبيرين عندما أُطلقت حملة “ما سميتيش عزي”؛ فهناك “مِن الناس مَن أقر بوجود عنصرية بالمغرب، وهناك من نفى وجودها وقال إن (عَزِّي) و(اللْوِيَّن) لفظان يستعملهما بشكل ودي مع أصدقائه، وإن من يتحدث عن حمولة عنصرية في مثل هذه التعبيرات يتحامل، أو يبحث عن التمويلات، أو يريد المس باستقرار البلاد”.
واسترسل فوديل شارحا “رد الفعل التلقائي الذي يقول إن المغرب ليس عنصريا، ولا وجود للعنصرية فيه”، بالقول إن “سبب هذا الإنكار هو أننا لم نربَّ على احترام الآخر المختلف والمغاير في ثقافته أو دينه أو جنسه أو لونه أو إعاقته، ومع كل اختلاف يكون لنا رد فعل إما بالاحتياط والابتعاد، أو المهاجمة والمواجهة عندما يكون في وضعية هشة، مثل المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، عكس القادمين من الدول الغنية والقوية، الذين ننظر إليهم بإعجاب وانبهار”.
ومن بين أسباب التعبيرات التمييزية بناء على اللون، بالنسبة لمنسق “ما سميتيش عزي”، “تمثلات للرق والعبودية لم نتخلص منها ونقرأ عنها في التاريخ في المدارس، كجلب المنصور الذهبي الرق والعبيد، وكأن هذا محل فخر يربط بأن المغرب كان إمبراطورية لها تأثير وتجلب العبيد، ثم مع عبيد البخاري (في عهد السلطان مولاي إسماعيل)، وحتى مع بيت من أبيات لأبي الطيب المتنبي هو: (لا تشتري العبد إلا والعصا معه)”.
وزاد المتحدث: “لا يجب أن نسى أيضا أن الإسلام طبع مع العبودية ولم يمنعها، بل فتح باب عتق الرقبة، لكن هذه الممارسة لم تتوقف إلا مع الاستعمار، وكان من الممكن، لولا ذلك، أن تستمر إلى حدود السبعينات كما في موريتانيا”.
وفي ظل هذا السياق، خلص فوديل إلى الحاجة إلى “حل عام”، يتمثل في أمرين، أولهما: “قانون خاص بتجريم العنصرية، يبدأ العمل عليه لا عندما تقع كارثة أخرى بل ونحن في متسع من الوقت، لزجر هذه الأعمال”.
وثاني الأمرين، وفق المصدر نفسه، الاعتماد على “المقاربة التربوية” في التعليم، والراديو، والأفلام، وغير ذلك من الوسائل؛ “من أجل نشر ثقافة المواطنة، واحترام الغير، المختلف في النوع، واللون، والدين، والإعاقة…”؛ لأن “تحصين المجتمع يتطلب عملا من الآن، حتى يكون محصنا بعد عشرين أو ثلاثين سنة، مع العلم أنه ستبقى بالفعل بعض التمظهرات العنصرية المعزولة، سيتم التنديد بها آنذاك مباشرة”.