حذّر مكتب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” بالمغرب من استمرار إبقاء موضوع التربية الجنسية ضمن خانة المواضيع المسكوت عنها في المجتمع، منبّها إلى أن هذا الأمر يدفع بالشباب إلى البحث عن المعلومات المتعلقة بالحياة الجنسية في مصادر غير آمنة عبر شبكة الأنترنيت، ما يشكّل خطرا عليهم وعلى المجتمع.

ويسعى مكتب منظمة “اليونسكو” بالرباط إلى فكّ طوق “الطابو” عن التربية الجنسية الشاملة في المنطقة المغاربية، على أن يمتدّ هذا العمل إلى باقي بلدان الشرق الأوسط، عبر شراكة مع وسائل الإعلام ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، بهدف تمكين شباب المنطقة من الحصول على معلومات دقيقة حول العلاقات الحميمية بين الجنسين.

ويرى مكتب “اليونسكو” بالرباط، حسب ما صرّح به متدخلون في ندوة رقمية اليوم الأربعاء، حول موضوع “دور وسائل الإعلام في التوعية بأهمية البرامج البيداغوجية المتعلقة بالتربية الجنسية الشاملة”، أن أي قرار يتخذه الشباب بخصوص علاقتهم الحميمية يجب أن يتم بناء على معلومات صحيحة ودقيقة مستقاة من مصادر علمية وطبية موثوقة، ومُؤمنة بحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.

ويشهد المجتمع المغربي تحولا وانفتاحا مهمين خلال السنوات الأخيرة، لكن موضوع التربية الجنسية مازال مُصنّفا ضمن “الطابوهات” لدى فئات في المجتمع. وأشارت غولدا الخوري، مديرة وممثلة اليونسكو لدى الدول المغاربية، في هذا الإطار إلى دراسة كانت قد أجرتها صحيفة ليكونوميست، كشفت نتائجُها أن ثلث المغاربة لا يعترفون بالتربية الجنسية، و14 في المائة منهم رفضوا التعبير عن رأيهم بخصوص هذا الموضوع.

وقالت المسؤولة ذاتها: “ربما هناك سوء فهم حول ما تعنيه التربية الجنسية لدى هذه الفئة، وهذا يتطلب التقرب منها أكثر”، معتبرة أن التعاطي مع التربية الجنسية على أنها موضوع لا ينبغي الخوض فيه “عنصر معيق ليس فقط للفرد، بل أيضا لمجتمعاتنا ودولنا”، وزادت: “علينا أن نعمل على فك هذا الطابو”.

ورغم وجود تحفّظ إزاء التربية الجنسية لدى فئات من المجتمع المغربي، وفْق ما بيّنه المسْح المذكور، فإن أمال شباش، الاختصاصية في الجنس ومعالجة الأقران والعائلة، ترى أن هناك تطوّرا كبيرا في علاقة المغاربة مع التربية الجنسية خلال السنوات الأخيرة، وأنهم أصبحوا يقصدون عيادات الأطباء المتخصصين بحثا عن حلول علمية لمشاكلهم الجنسية.

وقالت شباش: “عندما بدأت عملي كطبيبة اختصاصية في هذا المجال سنة 2000 كان قلة قليلة من الناس فقط يأتون إلى عيادتي، واليوم هناك إقبال من طرف المغاربة الباحثين عن حلول للمشاكل الجنسية التي تواجههم في علاقاتهم الزوجية”، لافتة إلى أن “المشاكل الجنسية هي من الأسباب الرئيسية للطلاق، بسبب ضعف التربية الجنسية”.

وشددت شباش على أهمية وضرورة التربية الجنسية قائلة: “إذا لم يكن هناك توازن في العلاقة الحميمية فهذا يؤثر سلبا على عمل الفرد وعلى علاقاته المجتمعية، وبالتالي يضعف إنتاجه وتقلّ فاعليّته كعنصر في المجتمع، وهذا يؤثر حتى على الاقتصاد”.

ونبّهت المتحدثة إلى ضرورة الاستعانة باختصاصيين مؤهّلين لتقديم المعلومات المتعلقة بالثقافة الجنسية للمتلقّين عبر وسائل الإعلام، وأن تكون الرسائل التي يبثونها دقيقة، “لأن أي كلمة خاطئة يمكن أن تدمّر نفسية الإنسان وتؤدي إلى مشاكل”، وزادت: “هذا يتطلب استعمال الكلمات والمعلومات الصحيحة والمناسبة، لأن هدفنا ليس هو صدْم الإنسان، بل تمرير المعلومة بطريقة تحترم أفكاره وتوازنه”.

وأضافت شباش: “عندما نستعمل العربية مثلا لإيصال بعض المعلومات المتعلقة بالحياة الجنسية، يكون رد الفعل عكسيا، إذ يمكن ألا يتقبل الإنسان ما يسمعه، لذلك من المهم استعمال قاموس جديد، عبر تعلّم كلمات متأقلمة مع الواقع المجتمعي، وتكون في محلها لتُعطي أفكارا بنّاءة في العلاقات الحميمية وتعطي التوازن للإنسان”.

وتندرج الندوة التي نظمها مكتب اليونسكو بالرباط ضمن برنامج يتم بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للإسكان وبرنامج مكافحة الإيدز التابع لأمم المتحدة بالمغرب، بهدف تقوية دور الصحافيين ووسائل الإعلام في التوعية بأهمية البرامج البيداغوجية المتعلقة النهوض بالتربية الجنسية الشاملة، لتكون فعالة وملائمة لكل فئة من فئات الجمهور المستهدف.

وقالت اليونسكو إن سوء فهم البرامج البيداغوجية المتعلقة بالتربية الجنسية الشاملة، التي تعرف أصلا حضورا ضعيفا في المنظومة التربوية ووسائل الإعلام، إضافة إلى تفادي المدرسين وأولياء الأمور الخوض في قضاياها التي قد تبدو حساسة، “يجعلان الشباب متروكا لنفسه، ومتجها بشكل متزايد إلى الأنترنيت ووسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية للحصول على معلومات وصور متعلقة بالنشاط الجنسي، غالبا ما تكون مغلوطة وغير ملائمة”.

وحسب المعطيات التي قدمتها جوانا هيرات، اختصاصية برامج ومديرة فريق في مكتب اليونسكو بباريس، فإن التربية الجنسية الشاملة، بخلاف ما يعتقده البعض، لا تؤدي إلى نشاط جنسي مبكر أو ترفع من وتيرة هذا النشاط، “بل بالعكس تؤخره، وتشجع بدرجة أكبر على تبني السلوكيات الجنسية المسؤولة”، على حد تعبيرها.

hespress.com