كيف باتت شركات التكنولوجيا التركية الناشة ناجحة محلياً ومستعدة لدخول المنافسة عالمياً؟ وكيف أصبحت إسطنبول بيئة لشركات تكنولوجيا تنافس لندن وباريس وبرلين؟ هذا المقال المترجم باختصار من صحيفة فايننشال تايمز يحاول الإجابة عن بعض هذه الأسئلة.

لم تخرج أكثر الأفكار جاذبية في عالم التجارة الإلكترونية، هذا العام، من وادي السيليكون في الولايات المتحدة، بل كانت من إسطنبول.


إذ ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في شركات ناشئة تعمل في مجال توصيل منتجات البقالة خلال 10 دقائق، وأحد الرائدين في هذا المجال كان شركة “غيتير” Getir التركية، التي باتت قيمتها السوقية اليوم عند حاجز 7.5 مليارات دولار.

لكن بالعودة إلى عام 2018، لم يكن أي من الممولين ذوي رأس المال المخاطر/المغامر، يردّ حتى على أي مكالمة قادمة من شركة تركية ناشئة، حسب تصريح الشريك المؤسس لـGetir، ناظم سالور.

ويضيف سالور: “التمويل المناسب لم يكن متاحاً”، وهو ما قاده إلى تأجيل طموحه بإطلاق Getir خارج تركيا طيلة 3 سنوات. يقول: “أردت أن أدخل بقوة وأفوز [في الأسواق]. أمرٌ كان يحتاج إلى موارد بشرية ومالية”.

ويعدّ التحول الجذري في ثروة Getir خلال السنة الماضية جزءاً من التقدم الكبير في صناعة التكنولوجيا في تركيا. فخلال الصيف الماضي كانت شركات تكنولوجيا تركية كـ”ترنديول” Trendyol و”هيبسيبورادا” Hepsiburada، ومطورو الألعاب “بيك غيمز” Peak Games و”دريم غيمز” Dream Games، يشهدون ارتفاعاً لقيمتهم السوقية التي تخطت مليار دولار، وهو الحاجز العالمي الذي عنده تعتبر الشركات الناشئة ناجحة.

“التجارة الإلكترونية التركية باتت اليوم أمام نقطة تحول وانعطاف”، يقول خان زاده دوغان، مؤسس Hepsiburada، التي باتت قيمتها السوقية اليوم عند 4.4 مليارات دولار، بعدما دخلت بورصة نازداك الشهر الماضي.

وارتفعت تقديرات نسبة ولوجية التجارة الرقمية في تركيا من 3.5% قبل 3 سنوات إلى 10% اليوم، ويعود السبب في ذلك بالأساس إلى تأثير وباء كورونا الذي أعطى انتعاشة للتجارة الإلكترونية حول العالم.

تقول ميليس كاهيا أقار، مديرة شركة “جنرال أتلانتيك” التي قادت تمويل شركة Trendyol: إن “كوفيد أتاح خطوة نحو التغيير. كل المعطيات الآن دفعت الشركات التركية إلى البدء في التفكير في السوق العالمية أكثر”.

غير أن نجاح إسطنبول في الوصول إلى المرحلة التي باتت فيها نقطة مهمة على خريطة الاستثمار في أوروبا، بجانب لندن وباريس وبرلين، لم يكن وليد اليوم، بل جاء نتيجة سنوات عديدة من العمل.

يقول هندريك برانديس، وهو مستثمر تكنولوجي في إسطنبول: إن “النشاط بدأ قبل 10 سنوات، حينها كان واضحاً أن شيئاً ما كان ينمو ويعلو نحو السطح”.

على سبيل المثال، بدأت Trendyol، التي تقيّم اليوم بـ16.5 مليار دولار، كمنصة رقمية لبيع ملابس ماركات الأزياء العالمية عام 2010، قبل أن تتوسع إلى مجال توصيل الوجبات وتطلق محفظتها الرقمية.

في حين أن شركة Hepsiburada، التي تُرى أحياناً بأنها المقابل التركي لشركة أمازون، أُسست عام 2000 وظلت حتى وقت قريب ممولة ذاتياً.

في المقابل، كان نجاح شركة الألعاب Peak Games، بالخصوص، “غيّر كل شيء” في بيئة الشركات التركية الناشئة، حسب آكين بابايغيت، الذي عمل في الشركة وبات الآن شريكاً مؤسساً في شركة ألعاب لندنية تدعى Tripledot Studios.

فالألعاب التي أنتجتها الشركة في تركيا باتت تلعب من قبل الملايين حول العالم. قبل ذلك كانت الشركات التركية “محصورة في السوق المحلي الذي كان بالنسبة إليهم كبيراً بما يكفي” ويلهيهم عن الحاجة إلى التوسع دولياً، يقول بابايغيت، مضيفاً: “Peak Games أظهرت للجميع أنه من الممكن التفكير عالمياً، والنجاح عالمياً”.

في هذا الصدد، يقول سونر آيديمير، المؤسس الشريك لشركة Dream Games عام 2019، التي تخطت قيمتها مليار دولار في يونيو/حزيران الماضي: إنه “كان من السهل الحصول على تمويل. الكل كان يريد الاستثمار فينا”، وإن ذلك عائد بالأساس إلى جزء من فريقه الذي كان يعمل سابقاً في Peak وحقق نجاحاً في عدد من الألعاب التي باتت شهيرة كـToy Blast وToon Blast.

ويقول ستيفان كورغان، الذي عمل مدير عمليات في الشركة التي أطلقت لعبة Candy Crush الناجحة: إنه “بات لدى تركيا اليوم مجتمع مطوري ألعاب من الطراز العالمي”.

وعن مستقبل شركات التكنولوجيا التركي، يقول مؤسس Getir إنه “فوجئ” من كون إسطنبول لم تنجح نجاحات تكنولوجية بالقدر الكبير، خصوصاً أنها “مدينة عالمية حقيقية”، مرجعاً ذلك إلى حماس الكثير من المؤسسين الذين “يبيعون شركاتهم مبكراً لشركات التكنولوجيا العملاقة”.

ويضيف: “الشركات العظيمة تُبنى بعد 10 سنوات من انطلاقها. السنوات العشر الأولى تعدّ بمنزلة تعليم المدرسة الابتدائية. على المؤسسين أن يضعوا خططاً تمتد لـ20 عاماً”.



تركيا اليوم