يزداد الاقتناع في الأوساط العلمية بأنه إذا كانت السنة الحالية هي سنة اللقاحات في الحرب العالمية ضد كوفيد-19، فإن السنة المقبلة قد يرتفع الستار عن بداياتها تحت شعار علاج جديد ضد الوباء تحمله المضادات الفيروسية التي يجري تطويرها، والتي يتوقع الخبراء أن تتحول قريباً إلى خندق آخر في هذه المواجهة المفتوحة مع الفيروس التي لا تكاد تلوح مؤشرات على قرب نهايتها حتى تظهر تطورات جديدة تعيدها إلى المربع الأول.
وتسبّب فيروس كورونا بوفاة ما لا يقل عن 5,156,563 شخصا في العالم منذ أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض نهاية ديسمبر 2019.
وتأكدت إصابة 257,514,640 شخصا على الأقل بالفيروس منذ ظهوره. وتعافت الغالبية العظمى من المصابين رغم أن البعض استمر في الشعور بالأعراض بعد أسابيع أو حتى أشهر.
وفي صيف العام الماضي، وخلال المراحل الأولى من الجائحة، علق كثيرون آمالاً كباراً على بعض العقارات التي ساد الاعتقاد بأنها تشفي من الإصابة بالفيروس. أحد هذه العقارات كان “هيدروكسيلوروكين” الذي بينت التجارب لاحقاً أن لا تأثير له على كوفيد-19، ثم اتجهت الأنظار إلى “ريمديسيفير”، لكن سرعان ما تبين أن تأثيره محدود جداً ضد الوباء، ولا يتجاوز خفض أيام العلاج في المستشفى من 15 إلى 11 يوماً.
لقاح كورونا “تعبيرية”
أما اليوم، وعلى أبواب نهاية العام الثاني من الجائحة، فقد عاد الاهتمام يتركز مجدداً على العقارات العلاجية التي، بخلاف العقارات السابقة، تتمتع بفاعلية عالية تحول دون تطور المرض في مراحله الأولى قبل العلاج في المستشفى، فضلاً عن كونها سهلة التناول عبر الفم. وثمة علاجان حالياً يخضعان للدراسة وإجراءات الموافقة من طرف الوكالتين الأوروبية والأميركية للأدوية، هما: “باكسلوفيد” الذي تنتجه شركة “فايزر”، و”مولنوبيرافير” الذي تطوره “ميرك”، اللذان من المتوقع أن يبدأ توزيعهما مطالع العام المقبل.
ووحدها المملكة المتحدة وافقت حتى الآن على توزيع “مولنوبيرافير” منذ الرابع من هذا الشهر، مستبقة الدول الأخرى، على غرار ما فعلت عندما كانت أول من أعطى الضوء الأخضر لتوزيع اللقاحات.
يُذكر أن شركتي “فايزر” و”ميرك” اللتين تملكان قدرة إنتاجية تتراوح بين 10و15 مليار جرعة علاج سنوياً قررتا التخلي عن حقوق التوزيع في 95 دولة متدنية الدخل، ما يسمح بخفض تكلفة العلاج وإنتاجه بكميات أكبر في بعض البلدان النامية التي تتوفر لديها القدرات العلمية والتكنولوجية لتصنيعه.
وإذ تتسع دائرة التساؤلات والشكوك حول الرهان على اللقاحات بعد التطورات الأخيرة للمشهد الوبائي في أوروبا، وما إذا كان السيناريو نفسه سيتكرر العام المقبل مع العلاجات، يقول العالم الوبائي الإيطالي كارلو فيديريكو بيرنو: “صحيح أن الوباء يواصل انتشاره، لكن من الخطأ الفادح الاعتقاد بعدم فاعلية اللقاحات. المتحور الجديد (دلتا) يتمتع بقدرة هائلة على السريان، وإذا كانت الوفيات اليومية بلغت الألف في مثل هذه الأيام من العام الفائت، فإنها كانت لتصل اليوم إلى ألفين أو أكثر من غير اللقاحات”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط”.
ويقول الخبراء إنه إذا كانت اللقاحات هي الوسيلة للوقاية من الإصابة بالوباء، والحد من كمية الفيروس الساري في العالم، فإن المضادات الفيروسية يمكن أن تشكل خشبة الخلاص من الموت أو الإصابة الخطرة بالنسبة إلى الذين يتعرضون له.
والمعروف أن “باكسلوفيد” و”مولنوبيرافير” هما العلاجان الوحيدان ضد كوفيد اللذان يوزعان خارج المستشفى، وأن فاعلية الأول تبلغ 98%، فيما لا تتجاوز فاعلية الثاني 50%. ويقول الخبراء إنه يجب تناول المضادات الفيروسية قبل مرور 3 أيام على الإصابة بالفيروس كي لا تفقد فاعليتها، لأنه بعد ذلك يكون الفيروس قد تكاثر في الجسم، ولا يعود لها أي فائدة.
ويؤكد بيرنو، وهو مستشار وبائي لدى الوكالة الأوروبية للأدوية، أن “الشحنة الفيروسية لا تحتاج لأكثر من ساعات قليلة لكي تتكون في الجسم بعد الإصابة، ولذا فإن الوسيلة الأكثر فاعلية لاحتواء الوباء على المستوى العام هي اللقاحات، وهي التي تقف في وجه سريان الفيروس على الصعيد العالمي. أما العلاجات، فهي التي تخفف من حدة المسار نحو التعايش مع الوباء، الذي قد يستغرق عقوداً أو قروناً في بعض الحالات”.
ويلاحظ الخبراء أن متحور دلتا الذي يحمل قدرة عالية على السريان، لم يتبين أنه يولد أعراضاً أكثر خطورة من المتحورات السابقة. وبما أنه لم يظهر أي متحور جديد خلال الأشهر الستة المنصرمة، فمن المرجح أن يكون الفيروس قد دخل مرحلة التكيف والتساكن مع الإنسان، وهي إحدى النظريات التي تروج لها الجماعات المناهضة للتلقيح التي تقول إن ذلك ينفي الحاجة لتناول اللقاح.
لكن ينبه الخبراء إلى أن كلفة اللقاح تناهز في المتوسط 25 دولاراً، فيما تزيد كلفة العلاج بالمضادات الفيروسية عن 800 دولار في البلدان الغنية. ويذكر أن الحكومة الأميركية سارعت إلى توقيع عقود لشراء 1.7 مليون جرعة علاج من “ميرك”، وينتظر أن تعلن عن شراء 10 ملايين جرعة من “فايزر”. كما أن المفوضية الأوروبية أعلنت عن رغبتها في شراء كميات من هذين العلاجين، لكنها تنتظر موافقة الوكالة الأوروبية للأدوية المرتقبة قبل حلول نهاية السنة الحالية.
وعن مفاعيل علاج “مولنوبيرافير” ضد كوفيد-19 الذي تنتجه شركة “ميرك”، ينصح الخبراء بتناوله خلال الأيام الأولى من الإصابة، عندما يكون الفيروس ما زال في مرحلة استنساخ المادة الوراثية (الجينوم)، فيحول دون تكاثره عن طريق التأثير المباشر على هذه المادة. ويستمر العلاج لفترة لا تتجاوز خمسة أيام.
أما بالنسبة لعلاج “باكسلوفيد” الذي تنتجه شركة “فايزر”، فهو يمنع إفراز الإنزيمات التي يستخدمها الفيروس من أجل استنساخ مادته الوراثية والتكاثر، ويستمر أيضاً لفترة 5 أيام.
ويرى الرئيس السابق للوكالة الأوروبية للأدوية الخبير الفيروسي غويدو رازي أن العلاجات ضد كوفيد لن تكون كافية وحدها للسيطرة على الوباء، لكنها ستتحول إلى أداة مساعدة للقاحات في الوصول إلى مرحلة من الاستقرار الوبائي قبل حلول فصل الصيف المقبل. وينبه رازي إلى أن الوقت ما يزال مبكراً لمعرفة الآثار الجانبية لهذه العلاجات على جميع الفئات السكانية، لكنه يرجح أن تتجاوز منافعها الأضرار المحتملة التي يمكن أن تنشأ عنها.
ويضيف رازي: “هذه العقارات الجديدة تملأ فراغاً مهماً لا تغطيه اللقاحات في الوقت الراهن، وهي الحالات التي لا تستدعي أعراضها الدخول إلى المستشفى، لكن يخشى تطورها إلى حالات خطرة قد تؤدي إلى الوفاة، وهي حالات تسبب لنا حالياً قدراً كبيراً من الإحباط”.