وفقًا لاستطلاع الرأي الجديد الذي أجراه معهد “إلاب” ونشر في الثامن من مارس الجاري، ما يزال الرئيس إيمانويل ماكرون متقدما في نوايا التصويت، خلال الجولة الأولى.

الرئيس الذي تشغل الحرب في أوكرانيا جدول أعماله إلى حد كبير، زاد 8.5 نقطة من الشعبية، مقارنة بالأسبوع الماضي، وحصل حتى الآن على 33.5 في المئة، من نوايا التصويت مقابل 25 في المئة، الأسبوع الماضي.

في المقابل، احتفظت مارين لوبن، مرشحة الجبهة الوطنية، بالمركز الثاني بنسبة 15 في المئة،إلا أنها فقدت نقطتين بالمقارنة مع الأسبوع الماضي.

أما إريك زمور، فقد خسر مكانه بنسبة 11 في المئة من نوايا التصويت، ليحتل مرشح اليسار، جان لوك ميلينشون، المركز الثالث، بنسبة 13 في المئة من الأصوات ، بزيادة قدرها 0.5 نقطة.

كما واصلت مرشحة الجمهوريين، فاليري بيكريس، تراجعها بنسبة 10.5 في المئة من الأصوات، بانخفاض 1.5 نقطة مئوية.

حملة انتخابية “وهمية”

يرى المحلل السياسي ومدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي في باريس، أوليفييه كوستا، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الصراع في أوكرانيا “قلب موازين الحملة بشكل كامل”.

ويوضح أن “الحملة تمر متخفية، فالإعلام الفرنسي لا يتحدث بالمطلق عن الحملة الانتخابية وهذا يصعب الأمر على بعض المرشحين الذين لم يبدؤوا حملتهم ولم يعرفوا ببرامجهم، كإيمانويل ماكرون الذي لا يمكنه أن يقوم بلقاء انتخابي أو أن يصعد فوق المنصة لإلقاء خطابه الانتخابي لمدة ثلاث ساعات، لقد قلل من كل التجمعات الانتخابية”.

وأجبرت الأخبار المتتالية عن أوكرانيا المتابعين والسياسيين على وضع الحملة في الخلف وجعلت من الصعب التركيز على النقاش الوطني. كما أن الاجتماعات العامة تغيرت. فالمرشحة آن هيدالغو، مثلا، حولت الاجتماع الكلاسيكي المخطط له في بوردو، يوم السبت 26 فبراير، إلى حدث لدعم الشعب الأوكراني.

وفي المنحى نفسه، ألغى ماكرون، في وقت متأخر من يوم الخميس 3 مارس، اجتماعه المقرر عقده في مرسيليا. أما مارين لوبان فقد اتفقت على تأجيل برنامج “إليزيه 2022” المخصص لمرشح حزب الجبهة الوطنية لمدة أسبوع واحد.

ووفقا لمسح جديد أجرته شركة “إبسوس-سوبرا ستيريا” لصالح جريدة “لوموند”، فإن واحد من كل اثنين من الفرنسيين قلق بشأن الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا، فيما أكد ثلث المستجوبين أن الصراع سيؤثر على اختيار مرشحهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كما أن مسألة القدرة الشرائية التي كانت توضع في مقدمة الاهتمامات الفرنسية، أصبحت مرتبطة أيضًا بالحرب بين أوكرانيا وروسيا، لأنه ستكون لها تداعيات من حيث أسعار الطاقة والمواد الخام في البلاد.

ومن جهة أخرى، يوضح المحلل السياسي أن غياب الحملة يضع بعض مرشحي اليمين المتطرف في وجه بعض الصعوبات، خاصة أولئك الذين كانوا مؤيدين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتن “فهم في ورطة، وقبل 15 يوما كانوا يقولون إن بوتن مسالم والحلف الأطلسي هو مصدر المشاكل. لكن مع انطلاق العملية العسكرية الروسية، أصبحت مصداقيتهم تعاني من تصريحات سابقة وسوء تقدير”.

وعلى الرغم من أن المرشحين حاولوا تدارك الأمر، وتحدثوا عن المساعدة التي سيتم منحها للأوكرانيين، أو بشأن العقوبات التي سيتم فرضها ضد روسيا أو استقبال اللاجئين، فإن ذلك لم يكن كافيا في حملة لم تبدأ بعد.

“مصائب قوم عند قوم فوائد”

في المقابل، يؤكد أوليفييه كوستا، أن الصراع في أوكرانيا حاليًا “يفيد رئيس الدولة”، الذي تعرض لانتقادات واسعة من المعارضة، عندما ذهب لزيارة بوتن في محاولة حل الأزمة الروسية الأوكرانية دون جدوى.

وأوضح أن جزءا من السكان يظهرون تضامنهم مع الحكومة أثناء الأزمات، وبالتالي، أصبح ماكرون يتمتع بشكل من أشكال الوحدة الوطنية، وهو أمر نادر في سياق حملة رئاسية.

ويضيف “نلاحظ هذا الأمر أيضا بين أفراد الطبقة السياسية، البعيدة عن ماكرون التي اعتبرت أن المرحلة حساسة، لذا يجب الابتعاد عن خلق الجدل ودعت إلى التضامن”.

ويبدو من أرقام استطلاعات الرأي أن ماكرون يعزز أسبوعا بعد أسبوع الفجوة بينه وبين باقي المرشحين، رغم أنه أعلن متأخرا وبعد تأجيل متكرر عن ترشحه الرسمي للانتخابات الرئاسية، في ظل حرب على أبواب أوروبا وجائحة لم تنته بعد.

على صعيد آخر، يذكر المحلل السياسي بأن وسط كل هؤلاء المرشحين، “ماكرون هو الوحيد الذي يملك خبرة على مستوى الملفات الدولية والأوروبية. إذ من بين مهام الرئيس الفرنسي، تولي السياسة الخارجية للبلاد والسياسة الأوروبية”.

ويقول “اليوم ونحن على حافة حرب عالمية ثالثة، الفرنسيون يتساءلون عمن له القدرة على القيادة. الوضع الحالي قاس جدا، لأنه من جهة، ماكرون يترأس المجلس الأوروبي حيث سيتم عقد قمة كبيرة في فيرساي لمناقشة مستقبل أوروبا ومستقبل العالم، كما أنه دائم الاتصال ببوتن. ومن جهة أخرى، لدينا مرشحون لا يعرفهم أحد على المستوى الدولي وليست لديهم مصداقية في المواضيع الدولية”.

ويقدم كوستا مثالا عن الحملة الانتخابية التي خصص لها حزب الجبهة الوطنية مليون أورو، لكن في الصفحة الرسمية المخصصة للحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت صورة كبيرة تصافح فيها متزعمة الحزب مارين لوبن الرئيس بوتن، قبل أن يتم حذفها لاحقا بعد انطلاق العملية العسكرية “.

الشخصية عوض “البرنامج”

ويعتبر مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي أن لهذه الحملة التي وصفها ب”الغربية” ثلاث ميزات.

وأوضح “أولا، لم يكن التركيز على المواضيع الدولية في صلب الحملات الانتخابية في فرنسا ولا تقليدا لدى المرشحين، بل انصبت كل البرامج على الملفات الوطنية. لكن في المرحلة الحالية، نلاحظ تناقضا واضحا. الكل يركز على كفاءات ماكرون في إدارة الأزمة الدولية، لكن لا نتحدث عن الحصيلة سواء في الاقتصاد، أو التربية والتعليم، والبطالة، وغيرها. لقد اختفت البرامج”.

ويتابع، “ثانيا، وفي غياب حملة انتخابية، نركز على الشخصيات والكاريزما والشكل وليس على البرامج والمضمون. مثلا، مؤخرا تم انتقاد مرشحة الجمهوريين فاليري بيكريس لأنها ليست جيدة في إلقاء الخطابات ولم يذكر مضمون الخطاب”.

أما فيما يخص الميزة الثالثة، فهي تخص المتتبعين للحملة بالتدقيق والتمحيص في الوعود الانتخابية. كما حصل مع بيكريس التي قالت إنها سترفع الرواتب بـ10 في المائة، لكن وأمام كل التغيرات الجيوسياسية التي أثرت على الأسعار، يطالبونها بتفسير الكيفية التي سيتم بها ذلك. حالها حال ماكرون الذي وعد برفع راتب الأساتذة والتخلي عن ضريبة التلفزيون، فتوالت الاستفسارات حول تكلفة هذه الخطوة على الميزانية وكيفية تعويضها”.

ويختم حديثه بالقول “المرشحون مطالبون اليوم بعدم الخوض كثيرا في التفاصيل وتقديم وعود انتخابية صعبة التحقيق، في ظل كل هذه الأزمات التي يمر منها العالم”.

skynewsarabia.com