أقمار ستارلينك الإصطناعية في المدار استعدادا للإنتشار. حقوق الصورة: (SpaceX)


أعلن إيلون مسك Elon Musk في عام 2015 أن شركته سبيس إكس SpaceX ستنشر أقمارًا اصطناعية في المدار من شأنها أن توفر إمكانية وصول خدمات الإنترنت ذات النطاق العريض عالي السرعة للعالم بأسره. بدأت سبيس إكس، بنشر كوكبة الأقمار الإصطناعية تلك، والمعروفة باسم ستارلينك Starlink في آيار/مايو من عام 2019 حيث قامت بإطلاق أول 60 قمرًا اصطناعيًا.

تمت إضافة 422 قمرًا اصطناعيًا إلى كوكبة ستارلينك منذ 22 نيسان/أبريل، إلا أن ردود الأفعال لم تكن إيجابية بشكلٍ تام.

فبالإضافة إلى التخوف من مفاقمة مشكلة “مخلفات الفضاء”، هناك أيضًا أولئك الذين عبروا عن قلقهم من أن ستارلينك وغيرها من الكوكبات قد يكون لها تأثير سلبي على علم الفلك.

ورداً على ذلك، أعلنت شركة سبيس إكس مؤخرًا بأنها ستجري تغييرات في كيفية إطلاق الأقمار الإصطناعية وكيفية دورانها حول الأرض، وحتى مدى انعكاسها، من أجل تقليل تأثيرها على علم الفلك.

كانت هذه التغييرات موضوع العرض التقديمي الذي تم إجراؤه خلال المسح العقدي لعلم الفلك والفيزياء الفلكية لعام 2020 Astro2020، والذي تستضيفه الأكاديمية الوطنية للعلوم والهندسة والطب كجزء من اجتماع التداخل البصري الناجم عن كوكبات الأقمار الإصطناعية الذي عقد يوم الإثنين 27 نيسان/أبريل، حيث أعربت لجنة ستارلينك (التي شملت إيلون مسك) عن آمال الشركة في تقليل تلوث الضوء الناجم عن كوكبتها.

رسم توضيحي لمدارات ستارلينك وصفاتها الإنعكاسية. (حقوق الصورة: SpaceX)

رسم توضيحي لمدارات ستارلينك وصفاتها الإنعكاسية. (حقوق الصورة: SpaceX)

وقد أدى ظهور هذه الأقمار الإصطناعية الجديدة في السماء إلى إثارة الجدل بين أوساط هواة علم الفلك والمجتمع الفلكي على حد سواء.

في الواقع، لقد أصدرت كل من الجمعية الملكية الفلكية (RAS) والجمعية الفلكية الأمريكية (AAS) والإتحاد الفلكي الدولي (IAU) والمرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي (NRAO) بيانات رسمية بشأن ستارلينك وغيرها من كوكبات الأقمار الإصطناعية المقترحة. وقد أعربوا على وجه الخصوص، عن قلقهم إزاء الكيفية التي يمكن أن تعطل بها هذه الأقمار الإصطناعية عمليات المسح الضوئي والإذاعي، مثل تلك المستخدمة في “مرصد فيرا سي روبين” Vera C. Rubin Observatory (المعروف سابقًا بتلسكوب المسح الإجمالي الكبير، أو LSST)، و”مصفوف الكيلومتر المربع” (SKA)، و”تلسكوب أفق الحدث” (EHT)، الذي تمكن مؤخرًا من التقاط أول صورة على الإطلاق لثقبٍ أسود! حيث ذكر الإتحاد الفلكي الدولي:

على الرغم من أن معظم هذه الإنعكاسات قد تكون باهتة جدًا بحيث تصعب رؤيتها بالعين المجردة، إلا أنها يمكن أن تضر بالقدرات الحساسة للتلسكوبات الأرضية الكبيرة، بما في ذلك “تلسكوبات المسح ذات الزاوية فائقة الإتساع” extreme wide-angle survey telescopes التي يجري تشييدها حاليًا.

ثانيًا، على الرغم من الجهود الملحوظة التي بُذلت لمنع التداخل مع الترددات الراديوية الفلكية radio astronomy frequencies، إلا أن إجمالي الإشارات الراديوية المنبعثة من كوكبات الأقمار الإصطناعية يمكن أن يهدد عملية الرصد الفلكي الراديوي.”

إن المسألة الأساسية هي أنه عندما تدور الأقمار الإصطناعية حول الأرض، فإنها تلتقط من حين لآخر الضوء من الشمس وتعكسه، خاصةً عندما تخرج من منطقة ظل الأرض وتدخل منطقة ضوء الشمس المباشر (الأمر الذي يحدث خلال مرحلة “رفع مستوى المدار“-orbit raise phase. تستخدم الأقمار الإصطناعية في هذه المرحلة محركات الدفع الخاصة بها لرفع مستوى مدارها على مدى بضعة أسابيع لضمان عدم تعرضها للتدهور المداري.

وضعيات أقمار ستارلينك الإصطناعية. (حقوق الصورة: SpaceX)

وضعيات أقمار ستارلينك الإصطناعية. (حقوق الصورة: SpaceX)

تعد المقاومة مشكلة أكبر بالنسبة لستارلينك، حيث تنتشر أقمارها الإصطناعية على ارتفاعات منخفضة، أي بمقدار 550 كيلومترًا (340 ميلًا)، وذلك للحد من مخاطر المخلفات الفضائية، بدلاً من 1100 إلى 1300 كيلومتر (680 و 800 ميل) كما كان مخططًا له في الأصل.

ذكرت شركة سبيس إكس ما يلي في مقال صحفي يلخص النقاط الرئيسية للعرض التقديمي:

كان تصميم أقمار ستارلينك الإصطناعية مبنيا على فكرة أنها تحلق على ارتفاع منخفض جدًا مقارنة بغيرها من الأقمار الإصطناعية للإتصالات. نقوم بذلك لإعطاء الأولوية لسلامة حركة المرور في الفضاء ولتقليل تأخر انتقال الإشارة بين القمر الإصطناعي والمستخدمين الذين يحصلون على خدمة الإنترنت منه. وبسبب الإرتفاع المنخفض، تعتبر مشكلة المقاومة عاملاً رئيسيًا في التصميم.”

تتخذ أقمار ستارلينك الإصطناعية عند هذه النقطة وضعية “الكتاب المفتوح” عند دخولها مرحلة “رفع مستوى المدار”، حيث يتم نشر ألواحها الشمسية بشكل مسطح أمام المركبة لتقليل مقاومة الغلاف الجوي. وبسبب هذا، يمكن أن ينعكس ضوء الشمس على كل من مصفوفة الألواح الشمسية والقمر الإصطناعي.

بمجرد أن تصل الأقمار الصناعية إلى مدارها التشغيلي الذي يكون على ارتفاع 550 كيلومترًا (340 ميلًا)-المعروف أيضًا بمرحلة “في المحطة” on-station” phase”- يمكن فقط لأجزاء معينة من الهيكل أن تعكس الضوء، وذلك لأن نظام التحكم في وضعية القمر الإصطناعي يتغلب على المقاومة بجعله يتخذ وضعية “زعانف القرش” shark fin، حيث يتم رفع الألواح الشمسية بشكلٍ عمودي.

تسعى سبيس إكس إلى تقليل الإنعكاسية من خلال تعتيم أقمارها الاصطناعية. (حقوق الصورة: SpaceX)

تسعى سبيس إكس إلى تقليل الإنعكاسية من خلال تعتيم أقمارها الاصطناعية. (حقوق الصورة: SpaceX)

لمعالجة تلك المشاكل، أشارت شركة سبيس إكس إلى أنها تعمل في شراكة مع منظمات مختلفة لتنفيذ عدد من التغييرات. أولاً، إنهم يختبرون حاليًا قمرًا اصطناعياً تجريبيًا أقل انعكاسًا من النماذج السابقة-والذي يحمل الإسم الذي يليق به، وهو: “دارك سات” DarkSat.

تستفيد هذه الفئة من الأقمار الإصطناعية من مصفوفة طورية معتّمة phased array وهوائيات مكافئة parabolic antennas لتقليل السطوع بنسبة تقدر بـ 55 بالمائة.

إنهم يتطلعون أيضًا إلى تطبيق “حل حاجب الشمس” لمعالجة مشكلة الحرارة، نظرًا لإمكانية الأقمار الإصطناعية الداكنة أن تلمع بشكل ساطع في الأشعة تحت الحمراء بسبب الطريقة التي يمتص بها الطلاء الأسود الأشعة. ستحتوي الهوائيات المكافئة وهي بيضاء وموزعة على أغطية واقية لتقليل كمية الضوء التي تعكسها.

سيتم نشر النموذج الأولي الأول من فيزورسات VisorSat هذا الشهر. وستحصل جميع الأقمار الإصطناعية المستقبلية على حاجب بحلول شهر حزيران/يونيو.
ثانيًا، تعتزم سبيس إكس تنفيذ تغييرات في الطريقة التي تتحرك بها أقمارها الإصطناعية، بدءاً بمرحلة إدراج القمر الإصطناعي في المدار، ومروراً بمرحلة “مدار الوقوف”، وانتهاءاً بمرحلة “في المحطة“.

تقوم الشركة حاليًا باختبار مناورة حيث يتم إزاحة القمر الإصطناعي بحيث يكون على مستوى مشترك مع الشمس (أي أن الأقمار الإصطناعية ستكون مثل “حافة السكين” بالنسبة للشمس). سيعمل هذا على تقليل مساحة السطح الذي يستقبل الضوء، وبالتالي، تقليل كمية الضوء المنعكسة.

كان إيلون مسك في الماضي مستهترًا إلى حد ما (وجاهلًا) في رده على هذه المخاوف. عندما تم إطلاق الدفعة الأولى من أقمار ستارلينك الإصطناعية في أيار/مايو من عام 2019، حيث ذكر على موقع تويتر ما يلي:

يتواجد الآن 4900 قمر اصطناعي في المدار، ويلاحظها الناس ~ 0 ٪ من الوقت. لن يرى أي شخص ستارلينك ما لم ينظر بإمعان، وسيكون لها تأثير بنسبة ~ 0٪ تقريبًا على التطورات في علم الفلك. نحن بحاجة إلى نقل التلسكوبات إلى المدار على أي حال. إن التوهين الناجم عن الغلاف الجوي فظيع.”

من الواضح أن إيلون مسك والشركة التي أسسها قد أخذا هذه المخاوف على محمل الجد منذ ذلك الوقت، ووضعا خطة شاملة لمعالجتها. تم ابتكار التدابير المقترحة بفضل الجهود التعاونية بين الشركة والجمعية الفلكية الأمريكية والمرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي ومرصد فيرا سي روبين.

حيث أشاروا بالقول:

قمنا بتنمية فهمنا للمجتمع ككل بالتعاون مع الجمعية الفلكية الأمريكية من خلال مكالمات منتظمة مع فريق عمل يتألف من علماء فلك، حيث قمنا خلالها بمناقشة التفاصيل التقنية، وتقديم آخر المستجدات، وتحديد سبل لحماية عمليات الرصد الفلكية لمساعدتها في المضي قدمًا

في حين أن فهم المجتمع لهذه المشكلة أمر بالغ الأهمية، إلا أنه من الصعب حل المشكلات الهندسية بدون تفاصيل. تم الإشارة مرارًا إلى أن مرصد فيرا سي روبين يشكل أصعب قضية نواجهها، لذلك قضينا الأشهر القليلة الماضية في العمل عن كثب مع فريق تقني هناك لمعالجة تلك المشكلة. ومن بين الأفكار المفيدة والمناقشات الأخرى، قدم فريق فيرا روبين تقنية “تقليل السطوع المستهدف”، حيث نستخدمه لتوجيه جهودنا الهندسية بينما نعيد النظر في الحلول المقترحة لمشكلة السطوع.”

كما أشارت شركة سبيس إكس إلى أن المعلومات حول مدارات أقمارها الإصطناعية ومساراتها متاحة على موقع space-track.org وcelestrak.com، حتى يتمكن الفلكيون من جدولة عمليات الرصد لتجنب الخطوط الناجمة عن الأقمار الإصطناعية. وبناءً على طلب علماء الفلك، بدأت الشركة أيضًا في نشر البيانات التنبؤية قبل الإطلاق للسماح للمراصد بجدولة عمليات المسح في الساعات القليلة الأولى من النشر عندما تكون الأقمار الإصطناعية واضحة بشكلٍ أكبر.

تم إجراء الإجتماع وتسجيله عبر تطبيق Zoom، حيث كانت الفعالية مناقشة إلكترونية (بسبب جائحة فيروس كورونا).

nasainarabic.net