- حسام فازولا
- بي بي سي نيوز
قبل 19 دقيقة
“كنت أتحدث مع صديقي وجها لوجه عن تجربتي الأخيرة في حلاقة ذقتي وكيف تعطلت ماكينة الحلاقة فجأة، بعدها بدقائق، فوجئت بأن إعلانات فيسبوك الموجهة إلي تحولت كلها إلى إعلانات لماكينات حلاقة مختلفة”.
هكذا يروي أحمد حسن من مصر، ما يعتبره دليلا مرجحا على أن فيسبوك وعبر تطبيقه على الهاتف، كان يتجسس على محادثته بشأن الحلاقة مع صديقه. “لقد تأكدت أنني لم أبحث عن ماكينة حلاقة على الإنترنت، ولم أكتب أي شيء مماثل لذلك”.
سارع أحمد بمنع نفاذ تطبيق فيسبوك إلى ميكروفون الهاتف، إلا عندما يسمح له. وهي الخاصية التي تتيحها العديد من الهواتف الذكية الحديثة. وينصح بهذه الخطوة العديد من خبراء الحقوق الرقمية، كما ينصحون بإدارة نفاذ التطبيقات إلى الكاميرا والموقع وقائمة الأسماء. ولكن لا زال السؤال يطرح نفسه، هل تجسس تطبيق فيبسوك حقا على محادثة أحمد مع صديقه؟
تحدث فريق بي بي سي إلى عدد من مستخدمي فيسبوك في القاهرة عن تجاربهم المماثلة لتجربة أحمد. تقول إحدى المشاركات إنه “بشكل يومي” تظهر لها إعلانات لأشياء كانت تتحدث عنها، وهي “أشياء لم تبحث عنها” أيضا. بينما ترى مشاركة أخرى أن هذه “طريقة أخرى من طرق الإعلانات” وإن الأمر طبيعي.
وجاءت أغلبية الردود مؤكدة على وجود “برامج كثيرة تتجسس على الهاتف”. وقال أحد المشاركين أن الأمر لا يتوقف فقط عند المحادثات التي تمت، ففي الكثير من الأوقات تظهر له إعلانات كان يفكر فيها فقط ولم يتحدث عنها قط.
هل تستمع مواقع التواصل الاجتماعي إلى محادثاتنا؟
تعرض فيسبوك لعدة حوادث نالت من سمعته فيما يتعلق بخصوصية المستخدمين، وقد سبق انتقاد سياسات الشركة عدة مرات مما آدى لتحقيق الكونغرس الأمريكي مع مارك زوكربرغ صاحب ومؤسس شركة “ميتا”، فيسبوك سابقا.
فاحتمالية أن التطبيق يتجسس على المستمعين ليست بعيدة، ولكن ربما سيسهل اكتشافها بطريقة الهندسة العكسية reverse engineering، والتي يمكن من خلالها تحليل أنشطة التطبيق. وقد أتاحت شركة أبل خاصية مشابهة في هواتفها الحديثة في عام 2020، على الرغم من إخفاء هذه التطبيقات المماثلة لأكواد تشغيلها.
في حوار مع مصطفى السيد الباحث ببرنامج الأمان الرقمي بالمركز العربي لدراسات القانون والمجتمع بباريس نفى إمكانية قيام التطبيقات وبينها فيسبوك بالتجسس على المستخدمين من خلال ميكروفون الهاتف.
فكيف إذن تعكس الإعلانات محادثاتنا أو مانبحث عنه بالفعل؟
يشرح السيد بأن ما يحدث هو أن تطبيق فيسبوك وتيكتوك وأمثالهم من تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة لديها “خوارزميات ذكاء اصطناعي تستطيع توقع المستقبل بشكل دقيق”، وربما “بشكل غير دقيق في بعض الأحيان”، لكن المستخدمين سيميلون لتذكر المرات التي نجحت فيها الخوارزميات في توقع تصرفاتهم.
هذا التوقع يتم من خلال “جمع الخوارزميات لمعلومات عن المؤثرات المحيطة بنا طوال الوقت”. وماذا كنا نفعل قبل الضغط على إعلان ما او البحث عن منتج أو شرائه.
هذه المعلومات قد تكون من نوع “أي شارع كنت تسير فيه؟”، أو “ما هو المحتوى الذي كنت تتصفح على الإنترنت”.
وتستمر الخوارزمية في جمع هذه البيانات من ملايين المستخدمين، وتبدأ في البحث عن أنماط سلوكية متكررة لهؤلاء المستخدمين وعلاقتها بسلوكهم الشرائي.
أغلبية الأفكار التي تخطر على بالنا هي في الأصل مستوحاة من البيئة المحيطة، وفي الوقت الذي يقضي العديد منا ساعات طويلة في تصفح الهواتف الجوالة، أصبحت الأفكار متأثرة بشدة بالمحتوى الذي نتابعه على الإنترنت.
وفقا لدراسة أصدرتها جامعة أوريغون الأمريكية عن استخدام الشباب العربي لوسائل التواصل الاجتماعي فإن نحو 90 في المئة من الشباب العرب يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي. وهي نسبة تتخطى النسبة العالمية بكثير، والتي لا تتعدى 60 في المئة. ويعتمد نصف الشباب العربي على موقع فيسبوك في تلقي الأخبار وآخر التطورات.
إذا فمن السهل بالفعل التحكم في المؤثرات التي يتعرض لها المستخدم، يقول مصطفى السيد هكذا “يحدث نوع من أنواع التلاعب السلوكي”، حيث تكرر الخوارزمية نمطا معينا لمستخدم ما، وتريه نفس المواد التي تعرض لها مستخدمون آخرون قبل شرائهم منتجا ما. ثم تظهر لهم إعلان المنتج.
كيف تتلاعب مواقع التواصل الاجتماعي بسلوكياتنا؟
“الأمر أشبه بفكرة فيلم إنسيبشن Inception للمخرج الأمريكي كريستوفر نولان”، يقول مصطفى السيد، حيث يظن الشخص أن الفكرة هي فكرته الأصلية، “ولكن في الحقيقة هي فكرة تم زرعها في لاوعيه”.
أنماط المؤثرات التي يتم تعريض المستخدم لها ربما لا ترتبط بالضرورة بالفعل المرجو، بل قد تكون بعيدة تماما عن الفعل. مثل سماع أغنية معينة والرغبة في طلب الأكل مثلا.
يقول السيد، إن العديد من هذه العلاقات بين المؤثرات والسلوك الشرائي “ربما لا يستطيع العلماء تفسيرها”، ولكنها أثبتت فعاليتها ونجاحها من خلال تكرارها على العديد من المستخدمين “ووصولها إلى نفس النتائج، أو نتائج مشابهة”.
في عام 2014، نشرت دراسة سرية قامت بها شركة فيسبوك بالاشتراك مع جامعتي كورنيل وكاليفورنيا الأمريكيتين. تلاعبت هذه الدراسة بسلوك نحو 700 ألف مستخدم بدون علمهم، لاختبار إلى أي مدى تستطيع المنصة التحكم في سلوك المستخدمين.
قسمت شركة فيسبوك الخاضعين للتجربة إلى نوعين، “الفريق السعيد” و”الفريق الحزين”. بحيث يعرض للفريق الأول كل المنشورات التي تتضمن كلمات مفتاحية سعيدة وأخبار سارة، بينما تخفي المنشورات التي تحتوي على كلمات مفتاحية حزينة وأخبار سيئة. أما بالنسبة للمجموعة الثانية، فامتلأت صفحاتهم الرئيسية بالمنشورات الحزينة.
جاءت نتائج الدراسة لتبين أن من تعرض للمنشورات السعيدة، كان يعيد نشر هذه المنشورات مع كتابة منشورات أصلية من نفس النوع، بينما بدأ أفراد المجموعة الثانية في نشر وكتابة منشورات حزينة. أثبتت هذه النتيجة ذطرة فيسبوك في التلاعب السلوكي للمشاركين، وأثارت العديد من الانتقادات ولكن سرعان ما تم نسيان الأمر واستمر عدد مستحدمي فيسبوك في الزيادة.
وفي عام 2018، جاءت موجة انتقاد أكبر لفيسبوك، كشف عن أنّ الشركة البريطانية كامبريدج أناليتيكا جمعت بيانات شخصية لملايين الأمريكيين من موقع فيسبوك واستخدمتها للتأثير عليهم في محاولة للتحكم في نتائج الانتخابات. وهو ما أدى إلى موجة انتقاد للمنصة أكبر من سابقاتها.
ماذا نفعل؟
تقول د.دنيا محلولي – أستاذة الإعلام العالمي بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، في مقابلة مع بي بي سي أن أغلبية البيانات التي تغذي التقنيات مثل البيغ داتا، أو قاعدة البيانات الضخمة والأنظمة المستخدمة في “مراقبة الشركات، أو الأشخاص أو لأغراض الإعلانات، أو في الحملات الانتخابية،هي بيانات قد شاركها المستخدمون برضاهم”. سواء من خلال الموافقة على شروط الاستخدام، أو من خلال “تغذية هذه الشبكات بتفضيلاتهم واختياراتهم.”
ولكن تؤكد د. محلولي أنه على الرغم من قدرة هذه التطبيقات على التلاعب في سلوك المستخدمين “والذي تم اثباته أكثر من مرة وأهمهم ‘فضيحة كامبريدج أنالتيكا'”، إلا أن هذه الأنظمة لازالت محدودة، “وعلى المستخدمين لازالوا “هم أصحاب القرار والقوة”.
تقود د. دنيا محلولي “كمستخدمين يمكننا فعل الكثير فعلينا أن نتعلم أكثر عن وسائل الإعلام الرقمية على الصعيد الشخصي، وأن نفكر بعناية قبل أن نقوم بنشر بياناتنا الشخصية”.
ربما لم يستمع فيسبوك إلى محادثة أحمد مع صديقه بخصوص رغبته في الحلاقة وتوقف ماكينته عن العمل. ولكن قد يكون الأمر أكثر من ذلك. فربما يعرف فيسبوك أي ماكينة حلاقة كان يستخدمها أحمد، ومتى قام بشرائها، وما هو عمرها الافتراضي. وقد يعرف أيضا الوقت الذي يرغب فيه أحمد في الحلاقة.