في 24 فبراير الماضي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا دفاعا عن جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك المعلنتين من طرف واحد بشرق أوكرانيا، واللتين أعترف بهما عشية بدء الحرب.

وتركزت المرحلة الأولى من الحرب على استهداف مختلف المناطق الأوكرانية وخاصة محيط العاصمة كييف التي عمل الروس على محاصرتها وتطويقها تمهيدا لاقتحامها، وتغيير نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

أخفقت موسكو وفق مراقبين وخبراء في تحقيق ذلك الهدف مع المقاومة التي أبدتها القوات الأوكرانية وتصاعد وتيرة الدعم العسكري الغربي لها بأسلحة نوعية، رغم التحذيرات الروسية المتكررة من مغبة ذلك.

دفع ذلك موسكو بعد نحو شهر من بدء الحرب لإعلان دخول المرحلة الثانية من عمليتها العسكرية والتركيز على تحرير دونباس الشرقية، التي مثلت شرارة اندلاع الحرب، وهو ما نجحت فيه لحد بعيد عبر تقدمها الميداني هناك مسيطرة على معظم المناطق في حوض دونباس الاستراتيجي ولا سيما مدينة ماريوبول بعد معركة دامية وحصار طويل على مدى شهرين لمصنع آزوفيستال الذي كان آخر معقل للقوات الأوكرانية فيها.

ومن ثم أعلنت روسيا سيطرتها بالكامل على كافة مناطق لوغانسك بشرق أوكرانيا في 2 يوليو الماضي، بعد سيطرتها على مدينة ليسيتشانسك الاستراتيجية.

ونجح الروس أيضا في التقدم جنوبا والسيطرة على غالبية المناطق على الشريط البحري الجنوبي على بحري آزوف والأسود، ومن أهمها مقاطعة خيرسون التي اكتملت السيطرة عليها في 16 مارس الماضي، بما أتاح لهم السيطرة على رئة أوكرانيا البحرية والتحكم بحركة الصادرات والواردات منها وإليها، فضلا عن أن السيطرة على خيرسون فتحت الباب أمام الربط البري بين الأراضي الروسية مرورا بإقليم دونباس وإلى شبه جزيرة القرم.

العقوبات الغربية

مع بداية الحرب شرعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، في فرض حزم متصاعدة ومتتالية من العقوبات على روسيا، بما جعلها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات عالميا، لكن تأثيرات هذه العقوبات بدت سيفا ذي حدين وفق خبراء اقتصاديين ما ساهم في حدوث أزمة اقتصادية عالمية طالت أمن الطاقة والغذاء، وفي ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار وشح المواد وتعطل سلاسل التوريد بشكل غير مسبوق، ما أدخل ليس فقط الاقتصاد الروسي بل والاقتصادات الغربية كاقتصاد منطقة اليورو في أزمات حادة، خاصة مع رد الروس على تلك العقوبات بعقوبات وإجراءات مضادة، لاسيما في قطاع الطاقة حيث تعتمد الدول الأوروبية بشكل كبير على إمدادات الغاز والنفط الروسيين.

المفاوضات بين موسكو وكييف

رغم أنها بدأت بعد 5 أيام فقط من بدء المعارك في بيلاروسيا ومن ثم انتقلت لتركيا، لكن جولاتها المتتابعة لم تفلح في إحراز اختراقات حقيقية، بما فيها اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا، باسطنبول في 10 مارس الماضي، حيث كان صوت السلاح في الميدان هو الطاغي، ما قاد في المحصلة لتوقف المفاوضات وجمودها وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين بتعطيلها وبوضع شروط تعجيزية.

واستمر الوضع على ماهو عليه دبلوماسيا إلى أن تم التوصل مؤخرا لاتفاق الحبوب بين موسكو وكييف الذي وقع برعاية الأمم المتحدة في مدينة إسطنبول التركية في 22 يوليو الماضي، لاستئناف حركة التصدير من الموانىء الأوكرانية، والذي جاء وفق محللين بفعل تراكم الضغوط الدولية على الجانبين على وقع تفاقم أزمة الغذاء العالمية بفعل الحرب بينهما وتقلص صادراتهما من الحبوب والغلال وعلى رأسها القمح كونهما من أكبر منتجيه ومصدريه.

استراتيجية الاستفتاءات

بعد سيطرتها خلال الأشهر الماضية على مناطق واسعة في شرق وجنوب أوكرانيا، بدأت موسكو بتكريس سياسة الأمر الواقع الروسي فيها تمهيدا وفق مراقبين لضمها لروسيا، من قبيل منح مواطني تلك المناطق الجنسية وجوازات السفر الروسية واعتماد اللغة والعملة (الروبل) الروسيتين فيها، وصولا لإجراء عمليات استفتاء فيها لتقرير مصيرها ما بين روسيا وأوكرانيا، حيث تعتزم السلطات الموالية لموسكو في منطقة زابوروجيا الأوكرانية تنظيم أول استفتاء للانضمام لروسيا في منتصف شهر سبتمبر القادم، ويتوقع أن تتبعها مقاطعة خيرسون الجنوبية وغيرها من مناطق خاضعة للنفوذ الروسي.

اللعب بالنار النووية

في 5 أغسطس الجاري دخلت استهدافات المواقع النووية على خط الأزمة، حيث تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بقصف محطة زابوروجيا النووية جنوبي أوكرانيا، والتي سيطرت عليها القوات الروسية بعيد بداية الحرب، ما بات يهدد بوقوع كارثة نووية قد لا تقف سمومها عند تخوم القارة الأوروبية فقط.

صراع عالمي أبعد من أوكرانيا

وتعليقا على مرور نصف سنة على الحرب التي فجرت أخطر أزمة دولية منذ الحرب العالمية الثانية، يقول حسن المومني أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “بعد كل هذه المدة الطويلة وفي ظل التعقيدات الضخمة المحيطة بهذه الحرب، وتطور الموقف الغربي الداعم بشدة لأوكرانيا وعدم قدرة الروس تاليا على الحسم العسكري الاستراتيجي كما كانت تأمل موسكو بالبداية، بات واضحا أن الحسابات الروسية كانت تنطوي على أخطاء خاصة مع دخول الغرب بقوة على الخط، وصمود الجيش الأوكراني ونجاحه بمنع الروس من السيطرة على كامل أوكرانيا ولهذا كله فالحرب ستطول كثيرا”.

وأضاف المومني: “لا تتوفر الظروف الموضوعية الآن التي قد تقود لتهدئة وحل سلمي، وما يتم الآن هو حرب استنزاف حيث غيرت روسيا استراتيجيتها وبدأت بما يمكن وصفه بإنجازات جزئية وإنهاك أوكرانيا وقضمها شيئا فشيئا وفرض واقع جديد في المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية، وسط إصرار أوكرانيا على انسحاب روسيا من كافة أراضيها، وفي المقابل يسعى الغرب لاستنزاف موسكو وإضعافها من البوابة الأوكرانية، وذلك عبر ضخ المزيد من الدعم السياسي والعسكري لكييف”.

هذه الحرب لم تعد روسية أوكرانية، كما يوضح أستاذ فض النزاعات، مضيفا: “غدت صراعا عالميا معقدا ومتشابكا من حيث التداعيات والتأثيرات ولا سيما على بؤر التوتر الدولية، كما نشاهد الآن في تايوان وتصاعد الخلاف الأميركي الصيني حولها، علاوة على تبعاتها الكارثية على طاقة العالم وخبزه”.

بدوره يقول مسعود معلوف الدبلوماسي السابق والخبير بالشؤون الدولية، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “الرئيس الروسي بوتن، ببدايتها أعلنها عملية عسكرية خاصة لكنها بعد مضي 6 أشهر على انطلاقها لا زالت مستعرة، ولهذا فهذه الحرب لن تنتهي قريبا لأسباب عدة أبرزها أن الجيش الروسي تعثر عسكريا في أوكرانيا ولم يتمكن حتى الآن من حسم الموضوع بصورة واضحة، علاوة على تغييره لخططه العسكرية أكثر من مرة ففي البداية ركز على العاصمة كييف ومن ثم انتقل للجنوب ومن ثم الشرق وهكذا”.

وبالمقابل يضيف معلوف: “الجيش الأوكراني الآن يصعّد وتيرة عملياته ضد القوات الروسية في الجنوب وخاصة في شبه جزيرة القرم، الأمر المترافق مع زيادة وتيرة المساعدات العسكرية الغربية المستمرة لأوكرانيا حيث بلغ مثلا حجم المساعدات العسكرية الأميركية لكييف منذ بدء الحرب أكثر من 10 مليارات دولار، وعليه فالغرب يسعى لوضع حد للتوسع الروسي نحو شرق أوروبا، وإضعاف موسكو وإنهاكها ولهذا فهي حرب استنزاف طويلة قد تستغرق سنوات”.

واختتم بالقول: “الأحادية القطبية دامت نحو عقدين فقط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وانتهت قبل الحرب الأوكرانية بسنوات عديدة لصالح بروز عدة أقطاب، لكن حرب أوكرانيا كشفت بالطبع وبوضوح حقيقة أن نظام الأحادية القطبية قد سقط تماما”.

skynewsarabia.com