يُعتبــَــر ليزلي ليمكي Leslie Lemke أحدُ المبدعينَ في عالم الموسيقى، لكنه ليس كغيره من الموسيقيين؛ فهو لم يتلقَّ أي درسٍ في الموسيقى طيلة حياته، إذ ظهرت عبقريَّــتُــه الموسيقية في طفولته بشكلٍ عفويٍّ في سنٍّ باكرةٍ لا يمكن فيها تعلّم الموسيقى حتى.

كذلك ألونزو كليمونس Alonzo Clemons الذي لم يتلقَّ أي درس في الفنون في حياته، لكنه بدأ بالنحت بعد تعرضه لإصابة في رأسه خلال طفولته؛ وأصبح نحّاتاً مشهوراً قادراً على نحت تمثالٍ لأي حيوانٍ في غضون ساعةٍ أو أقل.

فما تفسير هاتين الحالتين؟ ومن المسؤول عن هذه المعارف والقدرات في غياب التدريب الرسمي؟

لتفسير قدرة هذا العَالِم/النَابِغة على امتلاك المعرفة الفطرية في الموسيقى، الرياضيات، قواعد اللغة، وحتى بناء الكلمة، فإننا بحاجة لما يسمى الذاكرة الوراثية Genetic Memory، إضافةً إلى عناصر الذاكرة الأخرى الأكثر شيوعاً؛ كالذاكرة المعرفية الدلالية والعادات الشخصية.

فما هي الذاكرة الوراثية؟
هي مجموعةٌ من القدراتِ والمعارفَ المُعقدَة و المَورُوثَة إلى جانب العديد من السِمَات الجَسدية والسُــلوكية الأخرى، كما تُعرف على أنها ذاكرةٌ موجودةٌ عند الولادة مع غياب الخبرة الحسيَّة بها، فهي مندمجة ضمن المادة الوراثية على مدى فترة طويلة من الزمن.

ماهي الفرضيات المطروحة حول الذاكرة الوراثية؟
هناك العديد من الفرضيات؛ معظمها على صلةٍ بالفلسفة والجانب الروحاني، على سبيل المثال: يرى عالم النفس كارل جانغ Carl Jung أنَّ المعتقدات الدينية وحتى التمييز العُنصري هي سماتٌ موروثةٌ، إلا أنَّ هذا الرأي غير مثبتٍ علمياً ولا يزالُ موضع خلافٍ كبيرٍ إلى يومِنا هذا.

تنصُّ فرضيةٌ أخرى على أن ذكريات الأجداد محفوظةٌ في مادتهم الوراثية DNA وتنتقل لاحقاً إلى أحفادهم، كما تنصُّ على أن الفرد قادرٌ على الوصول لهذه الذكريات من خلال التفكير بطريقةٍ “سحريّــة” أو استخدام أدواتٍ مصمّمةٍ خصيصاً لفحص الدماغ البشري، ومع ذلك تبقى هذه الفرضية موضعَ خلافٍ كبيرٍ بين العلماء.

رغمَ كثرة الفرضيات والتكهّنات حول الذاكرة الوراثية، نلاحظ وجود العديد من المعتقدات المدعومة علمياً؛ فالرهاب مثلاً قد يكون موروثاً.

وفقاً لباحثين في كلية الطب قي جامعة ايموري Emory University، فإنَّ الفئران امتلكت مؤخراً القدرة على نقل معلومات متعلِّقة بظروفٍ مُجهِدةٍ وصدماتٍ عاشتها إلى أحفادها وذلك من خلال إجراء تعديلاتٍ كيميائيةٍ على مادتهم الوراثية DNA، وهذا يؤكد أنَّ بعض المخاوف حقّاً موروثة!

الذاكرة الوراثية مقابل التأثيرات البيئية:
تُعتبر البيئة المحيطة بالفرد أحد أقوى خصوم الذاكرة الوراثية، حيث نجدُ تنوُّعاً بآراء العلماء حول كون العديد من الصفاتٍ، كالذكاءِ والموهبةِ والاستعدادِ للتّعلُّمِ، موروثةً أو مكتسبةً من البيئة المحيطة، وفي كلتا الحالتين توجد دلائل داعمة؛ فكما ذكرنا سابقاً يمكن إحداث تغييراتٍ كيميائية بالمادة الوراثية في ظلِّ ظروف مناسبة (وهذا ما يَدعَم تأثير الذاكرة الوراثية)، في حين نجد الكثير من صفات الفرد تتأثر بنوعية البيئة المحيطة، الأمر الذي يفسِّــرُ سعيَ الآباء لحماية أبنائهم من هذه المؤثرات السلبية المحيطة بهم.

هل يمكن تنشيط الذاكرة الوراثية؟
حتى يومنا هذا لايوجد أي دليلٍ علميٍّ يثبت قدرة الأفراد على تنشيط ذكرياتهم الموروثة عن أجدادهم، إلا أن هذا لم يمنع البعضَ من المحاولة.

وفقاً لــ Theta Healing فإنَّ “إيقاظ” الحمض النووي للفرد يمكن أن يزيد من إمكانية تنشيط الذاكرة الوراثية.

رغم كل تقنيات Theta Healing لتنشيط هذه الذاكرة؛ مثل تحفيز الغدة الصنوبرية، نلاحظ أن العلم لم يستطع بعد اكتشاف طرق للوصول للذاكرة الوراثية؛ فلازالت هناك الكثير من الأبحاث المجراة حول هذه المسألة.

في الختام… نجد أنّ كلاً مِن القرارات الشخصية، والعوامل البيئية، ونمط الحياة تملكُ تأثيرات كييرة على البشر ونوعية حياتهم، ورغم التأثير الذي قد تحدثُــهُ الذاكرة الوراثية على الأفراد، إلا أنها ليست العامل الحاسم في تحديد صفاتهم، ويبقى لدينا تحدٍّ يتمثل في إمكانية الاستفادة من هذه القدرة الكامنة بدون وجود إصابة دماغية أو حادثٍ ما.

nasainarabic.net