إذ عاد وقال في تصريح صحفي، “عندما تقدم وعودًا متهورة وعندما تكون عضوًا في أقصى اليمين، فأنت تدرك أن الواقع أقسى”.

في الرابع مايو، أشعل الوزير أزمة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا من خلال الادعاء بأن جيورجيا ميلوني “غير قادرة على حل قضايا الهجرة التي تم انتخابها على أساسها”.

وفيما تنتظر إيطاليا اعتذارا منه أشار جيرالد دارمانين، الأربعاء، إلى أن رئيسة الوزراء الإيطالية، من جهتها، “أساءت كثيرا إلى رئيس الجمهورية” إيمانويل ماكرون. ورأى أن قضية الهجرة “يصعب حلها”، وصرح بأنه “يحق لنا أن نقول إن السيدة لوبان، السيدة ميلوني، ليس لديهما النموذج الصحيح”. مؤكدا أن “الحلول اليمينية المتطرفة لا تعمل” في هذا المجال.

وبعد تصريحاته الأولى المثيرة للجدل، كان رد فعل روما على هذا الهجوم فوريًا، إذ ألغى رئيس الدبلوماسية الإيطالية الذي كان من المتوقع وصوله إلى باريس للاجتماع مع نظيرته كاثرين كولونا، زيارته على الفور.

وقال تاجاني في مقابلة صحفية: “إنها إهانة غير مبررة ومبتذلة موجهة إلى دولة صديقة وحليفة” و”عندما يسيء شخص ما دون مبرر لشخص آخر، فإن الحد الأدنى هو أنه يعتذر”.

وفي مواجهة التصعيد، حاولت باريس تهدئة الأمور وسعت إلى “إعادة جدولة” الزيارة بسرعة بعد أن أكدت وزارة الخارجية على أن العلاقات الثنائية “تقوم على الاحترام المتبادل بين البلدين وبين قادتهما”.

وجاء كلام دارمانان ردا على سؤال عن مواقف رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، جوردان بارديلا في شأن ملف الهجرة على الحدود بين فرنسا وإيطاليا.

فكان جوابه أن هناك فعلا تدفق للمهاجرين وخصوصا للقاصرين إلى جنوب فرنسا، محملا إيطاليا مسؤولية ذلك بقوله “الحقيقة هناك في تونس وضع سياسي يدفع عددا كبيرا من الأطفال إلى العبور عبر إيطاليا، والأخيرة عاجزة عن التعامل مع هذا الضغط من المهاجرين”.

جذور الأزمة

ويعتبر المحلل السياسي، إيمانويل ديبوي في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن هذه الأزمة الدبلوماسية هي أكثر عمقا وتعقيدا مما تبدو عليه في الظاهر وتعود جذورها أولا إلى عدم توافق النظامين السياسيين القائمين في البلدين.

ويوضح، “هناك اختلاف من حيث الإيديولوجيات. تتشكل الحكومة الإيطالية من تحالف من أحزاب اليمين المتطرف، الذي يذكر ماكرون بغريمته مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطني في فرنسا. إلى جانب تذمر قديم من الجانب الفرنسي بخصوص الطريقة والمقاربة التي تواجه بها إيطاليا ملف الهجرة. فباعتبارها في الجبهة الأولى، أصبحت في وضع صعب خلال الأسابيع الأخيرة مع الضغط الكبير للمهاجرين الوافدين”.

ورغم أن العلاقات بين فرنسا وإيطاليا التي تتخللها قمة سنوية منذ عام 1982، أصبحت تحكمها معاهدة التعاون المعروفة باسم معاهدة “كويرينال” التي وقعها البلدان في نوفمبر 2021 في روما. إلا أن البلدين الجارين، وفقا للمحلل السياسي “لم يوفقا في تنزيل بنودها وتفعيل اتفاقيات التعاون بسبب اختلاف المقاربات”.

خلافات متكررة

ويذكر هذا التوتر في العلاقات بين شريكين وجارين عبر جبال الألب، في مرحلة أخرى شديدة التوتر في عهد الحكومة الإيطالية الشعبوية السابقة، وصلت إلى حد استدعاء باريس سفيرها في روما عام 2019، عندما قام نائب رئيس الحكومة الإيطالية آنذاك بلقاء أعضاء من حركة “السترات الصفراء” التي كانت تنظّم احتجاجات عنيفة ضد ماكرون في باريس. وبفعل التصريحات المعادية لفرنسا التي كان يطلقها ماتيو سالفيني، زعيم حزب “الرابطة” اليميني المتطرف، قررت باريس إقفال الحدود البريّة مع إيطاليا.

وبعد تهدئة الأوضاع، وعودة المياه إلى مجاريها، عادت الهجرة لتسمم العلاقات بعد أن رفضت حكومة ميلوني، بالكاد وصلت إلى السلطة، في نوفمبر 2022 السماح للسفينة الإنسانية “أوسيون فايكينغ” التي كانت تحمل أكثر من 200 مهاجر بالرسو في ميناء إيطالي، مما اضطر فرنسا إلى استقبالهم في نهاية المطاف في تولون. لتتخلص ميلوني من الضغوط التي كانت تتعرض لها وتحيل القضية إلى باريس التي عبرت عن غضبها من الحادثة ودعت إلى اجتماع أوروبي حتى لا يتكرر هذا السيناريو غير المسبوق.

الهجرة.. فتيل توتر دائم

ومنذ ذلك الحين، زادت عمليات العبور السرية للقوارب مع تطوير ممر بحري جديد بين تونس وإيطاليا ليبقى ملف الهجرة يشعل فتيل التوتر بين الطرفين في ظل عدم التوصل إلى حل فعال لهذا الملف الشائك.

إذ منذ بداية العام، وفقًا لـوزارة الداخلية الإيطالية، وصل 42.400 مهاجر إلى الساحل الإيطالي، مقارنة بـ 11200 في عام 2022 خلال نفس الفترة. يأتي حوالي نصفهم من البلدان الناطقة بالفرنسية (كوت ديفوار، غينيا، تونس، الكاميرون، بوركينا فاسو، مالي).

و”هذا هو السبب في أن التوترات بين البلدين قوية” بحسب ميراي داميانو ، المحامية والحقوقية التي تدافع بشكل خاص عن حقوق الأطفال غير المصحوبين بذويهم.

وفي حديثها لموقع “سكاي نيوز عربية”، أكدت أن هناك ارتفاعا في عدد المهاجرين الذين عبروا الحدود الإيطالية إلى البر الفرنسي وذلك بسبب ارتفاع عدد السفن المحملة بالمهاجرين الواصلة إلى الموانئ الإيطالية.

ورغم الجدل الأوروبي القائم منذ فترة طويلة حول مسألة ضرورة توزيع المهاجرين على الدول الأوروبية وتخفيف العبء على دول الاستقبال إلا أن هذا الطلب لم يفعل بسبب رفض معظم الحكومات. لهذا تتم معالجة ملفات المهاجرين غير الشرعيين الواصلين إلى إيطاليا داخل ترابها، وبفعل الضغط المتزايد عليها وصعود اليمين المتطرف أصبحت الأوضاع مزرية ودفعت بالمهاجرين إلى اتمام طريقهم نحو فرنسا. ليس بالضرورة بهدف البقاء فيها وإنما في غالب الأحيان، تعتبر محطة عبور نحو ألمانيا أو إنجلترا أو غيرها من الدول المجاورة”.

ولتشديد الخناق على الحدود، تم نشر تعزيزات أمنية على الجانب الفرنسي من الحدود الجغرافية إلى جانب نقط عبور أخرى حيث يتم إجراء عمليات مراقبة بشكل منهجي.

لكن ميراي داميانو، ترى أن “القوانين الداخلية لفرنسا وما تمليه قوانين الاتحاد الأوروبي يملي على باريس ضرورة استقبال المهاجرين القصر في ظروف جيدة واستقبال طلبات اللجوء على الحدود الإيطالية. وهذا ما لا يقع دائما”.

أزمة ستنفرج

ويبدو أن هذه الأزمة ليست في صالح الطرفين نظرا لعدة اعتبارات. ف”إيطاليا في حاجة لشريك أساسي كفرنسا”.

وفي هذا الشأن يقول المحلل السياسي، “إن إيطاليا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة يشكلون الدول الأوروبية المتحالفة الأربعة العضو في مجموعة الدول الصناعية السبع. والاقتصاد الإيطالي مزدهر إلى حد ما على نفس المستوى قليلاً بالمقارنة بالاقتصاد الفرنسي. كما أن أزمة 2008 والأزمة التي خلفها وباء كورونا عام 2021 جعل البلدين أكثر تضامنا مع تعبئة مهمة خلال المرحلتين للتخفيف من حدة التأثير السلبي”.

وعلى الصعيد الأمني، “تبقى فرنسا في حاجة إلى إيطاليا بسبب التوترات التي لحقت بعلاقتها بألمانيا وصعوبة ربط علاقات أمنية ودفاعية مع بريطانيا العظمى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”.

وبالتالي، يرى ديبوي أن أوروبا في حاجة إلى خلق قطب استراتيجي ديبلوماسي في جنوب القارة إلا أنه لا يوجد شركاء كثر في المنطقة.

يمكن الاعتماد على إسبانيا، البرتغال واليونان لكن إيطاليا تعد ثالث قوة اقتصادية في أوروبا وعندما تتأزم العلاقات مع برلين يتم اللجوء إلى روما. غير أن أزمة الهجرة صعبت تنزيل هذا المخطط”.

skynewsarabia.com