حتى الآن، اعتمدت أوكرانيا إلى حدّ كبير على مخزونات الذخائر التي جمعتها الدول الحليفة قبل اندلاع العمليات الروسية، بيد أنّ تلك الإمدادات قاربت على النفاد، وفقا لتصريحات الأدميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف “الناتو“، الذي قال إن “قاع البرميل أصبح مرئيا الآن”.
ويتمسّك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأهدافهما المُعلنة التي حالت دون إجراء محادثات مباشرة لإنهاء الصراع، وفق خبراء مجلة “نيوزويك” الأميركية، الذين رجّحوا كذلك أن يستمر القتال حتى عام 2025.
ولم يُحقّق الهجوم الأوكراني المضاد الذي كان متوقّعا على نطاق واسع وبدأ في يونيو الماضي، التقدّم الذي أراده حلفاء كييف لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا.
مؤثّرات مباشرة
حدَّدت ورقة بحثية نشرها المجلس الأطلسي للخبير العسكري ميكولا بيليسكوف، مستقبل الحرب في العام المقبل، في عدد من النقاط:
- الجهود جارية حاليا لتحسين الوضع بالنسبة إلى أوكرانيا، حيث تعمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية على زيادة إنتاج قذائف المدفعية والذخائر الأخرى، كما أشارت كييف نفسها مؤخرا إلى عزمها على زيادة التصنيع المحلي للأسلحة بشكل كبير عن طريق الدخول في سلسلة من اتفاقات الإنتاج المشترك مع الشركاء الدوليين.
- هناك علامات على التقدّم نحو حل قضايا توريد الذخائر في أوكرانيا، لكن الأمر سيستغرق عدة أشهر قبل تحقيق أي اختراقات كبيرة.
- في الوقت نفسه، فإن شدّة نيران المدفعية على طول الخط الأمامي للحرب، البالغ 850 كيلومترا، تعني أنه من غير المرجّح أن يلبّي الإنتاج المتوقّع احتياجات أوكرانيا حتى النصف الثاني من عام 2024 أو أوائل عام 2025.
- وتعكس الخطط العسكرية الأوكرانية أيضا الاعتبارات الجيوسياسية، حيث تابع الكثيرون في كييف بقلق متزايد خلال الأشهر الأخيرة قضية استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا والتي باتت عالقةً في السياسة الأميركية الداخلية، وبالنظر لاقتراب الولايات المتحدة من دخول عام الانتخابات، يخشى العديد من الأوكرانيين الآن مِن تأجيل المزيد من شحنات الأسلحة من واشنطن أو تعطيلها.
- العامل الرئيسي الآخر، الذي سيحدّد مسار الحرب، سيكون الأولويات السياسية لروسيا، فقد يختار الكرملين البقاء في موقف دفاعي والتركيز على الاحتفاظ بالأراضي التي يستولى عليها حاليا، ومن الممكن لبوتين أن يأمر قادته باستئناف العمليات الهجومية واسعة النطاق، بهدف استكمال السيطرة على المقاطعات الأوكرانية.
- في الوقت الحاضر، يبدو أنّ الاستراتيجية الدفاعية تلبّي الهدف السياسي الرئيسي لروسيا، وهو تجميد الصراع على طول الخطوط الأمامية الحالية، كما أنّ غياب أي اختراقات أوكرانية كبيرة خلال الهجوم المضاد عزّز بالفعل تصورات الجمود، وأدى إلى دعوات دولية متزايدة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
- إذا تمكّنت روسيا من تكرار هذا النجاح في عام 2024، فستجد أوكرانيا صعوبة أكبر في الحفاظ على الدعم الدولي لمزيد من العمليات الهجومية واسعة النطاق.
- الهجوم الروسي الأخير حول أفدييفكا شرقي أوكرانيا، هو تذكير بأن الرئيس الروسي لا تزال لديه طموحات إقليمية كبيرة لم تتحقق في أوكرانيا، وقد يسعى للسيطرة على أراضٍ جديدة خلال الأشهر المقبلة.
- من غير المرجح أن ترضي العمليات الدفاعية بوتين، لأسباب متعددة على رأسها أنه يُجهز لإعادة انتخابه في العام المقبل، وبالتالي سيكون حريصا على إظهار المزيد من القوة، وستكون الانتصارات الجديدة في ساحة المعركة موضع ترحيب داخلي.
- ربما تعكس سياسات الكرملين للتجنيد في الجيش خلال الأشهر القليلة أفضل مؤشّر على نوايا روسيا لعام 2024، إذ إن أي محاولات لتكرار التعبئة العامة ستُشير إلى خطط لشنّ عمليات هجومية جديدة في الربيع المقبل، أمّا إذا اقتصرت موسكو على المزيد من التعبئة المحدودة، فإن هذا قد يشير إلى التركيز على الدفاع الاستراتيجي.
- لا أوكرانيا أو روسيا مستعدّة حاليا للتفاوض، وبدلا من ذلك، لا يزال الجانبان ملتزمين بقرار عسكري ويتطلّعان بالفعل إلى القتال خلال العام المقبل.
مخاوف الدعم.. وانتخابات موسكو
بدوره، يعتقد مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، والمسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، أن مسار الحرب الأوكرانية تنحصر بين أمرين، موقف الدعم الغربي القوي لكييف، وكذلك إجراء الانتخابات الرئاسية الروسية في 2024.
وقال ألبيركي، في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن هناك تقارير قوية تفيد بأن بوتين نفسه كان يسعى إلى اتفاق سلام، وعلى ما يبدو أنّه قد يكون هناك بعض المخاوف من القيادة الروسية للحرب في العام الجديد، فضلا عن أن التدمير الأخير لسفينة الإنزال الكبيرة “نوفوتشركاسك” في ميناء القرم قد يُشير إلى أنّ أوكرانيا لديها بعض الضربات البارزة، يجب أخذها في الاعتبار.
وتابع ألبيركي: “هناك يقين أوكراني بأن الخسائر الروسية كانت مذهلةً بالفعل عبر الأرض والبحر والمجالات الجوية”.
وبشأن مدى استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا بعد انصراف الاهتمام إلى الحرب في الشرق الأوسط، أوضح المسؤول السابق في حلف الناتو أنّ هذا الأمر يعتمد على الانتخابات التي ستجرى في العديد من العواصم الغربية خلال العام 2024، أكثر من أي عام سابق في التاريخ.
واختتم حديثه بالقول: “نأمل أنهم سيذهبون جميعا إلى الاختيار الصحيح لقادتهم في المقام الأول، ثم إبقاء الدعم لأوكرانيا كذلك”.