حقوق الصورة: ESO/Boccaletti et al, 2020


 

في عام 2017، استخدم علماء الفلك مصفوفة مرصد أتاكاما المليمتري الكبير (ألما) لرصد النجم أورجاي AB. إنه نوع من النجوم الشابة التي تُدعى نجوم هيربيغ Ae، ويبلغ عمره أقل من 10 مليون عام. في ذلك الوقت، اكتشف العلماء قرص تشكلٍ كوكبي ذي فجوات واضحة تشير إلى أذرع غبارٍ حلزونية.

 

الآن، قاموا بالرصد مرةً أخرى، ووجدوا كوكباً صغيراً جداً يتشكل هناك.

 

تُعتبر نجوم هيربيغ  Ae الصغيرة ونجوم أورجاي AB ذات أهمية كبيرة لعلماء الفلك. إنها نجومٌ صغيرةٌ بالعمر كثيراً لدرجة أنها ليست من ضمن نجوم النسق الأساسي بعد، وما زالت مُحاطةً بقرصها الغازي والغباري. ومن هذا الغاز والغبار، تتشكل الكواكب الصغيرة.

 

يمتلك القرص الموجود حول أورجاي AB، الذي يبعد عنا أكثر من 500 سنة ضوئية، أذرعاً حلزونية تلتقي في عقدة. يعتقد العلماء أنّ العقدة هي النقطة الدقيقة التي تتشكل عندها الكواكب الصغيرة. استخدمت الدراسة الجديدة أداة سفير SPHERE (أداة البحث الطيفي الاستقطابي عالي التباين عن الكواكب الخارجية) الخاصة بالتلسكوب الكبير جداً (VLT) لتفحص نجم أورجاي AB والكواكب التي تتطور داخل قرصه.

 

عنوان الدراسة الجديدة هو “دليل محتمل على تشكل الكواكب حول نجم أورجاي AB.” المؤلف الرئيسي للدراسة هو أنتوني بوكاليتي Anthony Boccaletti من مرصد باريس، في جامعة PSL، فرنسا. نُشر البحث في مجلة Astronomy and Astrophysics.

 

قال بوكاليتي في بيان صحفي: “تم التعرف على آلاف الكواكب الخارجية حتى الآن، لكننا لا نعرف الكثير عن آلية تشكلها”. يُعتبر رصد الكواكب الصغيرة الآخذة بالتشكل أمراً مهماً في علم الفلك، لكنه صعب. فمن الصعب رصد القرص المحيطي حول النجم، حتى باستخدام أفضل أدواتنا.

 

صورة فنية لقرص من الغاز والغبار المحيط بنجمٍ بعيد. هذه الأقراص شائعة حول النجوم الصغيرة، ويصعب رصدها. حقوق الصورة: NASA/JPL

صورة فنية لقرص من الغاز والغبار المحيط بنجمٍ بعيد. هذه الأقراص شائعة حول النجوم الصغيرة، ويصعب رصدها. حقوق الصورة: NASA/JPL

 

لعبت أداة سفير دوراً مهماً في هذا البحث. تستخدم هذا الأداة نظام بصريات مُكيفة متقدم، إلى جانب مرسام إكليلي. طُورت الأداة لتعزيز دراسة الكواكب الخارجية، ولالتقاط صورٍ طيفية مستقطبة منخفضة الدقة. تعمل الأداء في نطاق الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء. سمحت أداة سفير لفريق الدراسة بالتركيز على المراحل الأولى من تشكل الكواكب.

 

قال بوكاليتي: “نحتاج إلى رصد الأنظمة الصغيرة جداً للكشف عن عمليات تشكل الكواكب”. تلك العقدة الملتوية حيث تلتقي الأذرع الحلزونية للقرص المحيطي لنجم أورجاي AB هي أفضل ما رصدناه في هذا البحث.

 

تشير هذه الأذرع الحلزونية إلى ولادة كوكبٍ صغير. ذلك لأن كتلة الكوكب تؤثر على الغاز والغبار ذي الكثافة الأقل في القرص. بشكلٍ أساسي، يقوم الكوكب بتغيير مظهر القرص من حوله، ما يُنتج موجةً مرئية على شكلٍ حلزوني.

 

وفقاً لإيمانويل دي فولكو Emmanuel Di Folco من مختبر الفيزياء الفلكية في بوردو، فرنسا، والذي شارك في هذه الدراسة، تنتج الكواكب الصغيرة “اضطراباتٍ موجيةٍ في القرص، بشكلٍ مشابه لموجات القارب على بحيرة.” بينما يدور الكوكب الصغير حول النجم المركزي، تشكل هذه الاضطرابات أذرعاً حلزونية.

 

القرص المحيط بنظام أورجاي AB. الصورة على اليمين هي نسخة مكبرة من المنطقة المشار إليها بمربعٍ أحمر في الصورة على اليسار. تظهر الصورة المنطقة الداخلية للقرص، بما في ذلك "الالتواء" الأصفر شديد السطوع (داخل الدائرة البيضاء) الذي يعتقد العلماء أنه يشير لمكان تشكل الكوكب. يبعد هذا الالتواء عن نجم أورجاي AB نفس المسافة الفاصلة بين نبتون والشمس. تمثل الدائرة الزرقاء مساحة مدار نبتون. التُقطت الصور باستخدام أداة سفير الخاصة بالتلسكوب الكبير جداً في المرصد الأوروبي الجنوبي. حقوق الصورة: ESO / Boccaletti et al، 2020

القرص المحيط بنظام أورجاي AB. الصورة على اليمين هي نسخة مكبرة من المنطقة المشار إليها بمربعٍ أحمر في الصورة على اليسار. تظهر الصورة المنطقة الداخلية للقرص، بما في ذلك “الالتواء” الأصفر شديد السطوع (داخل الدائرة البيضاء) الذي يعتقد العلماء أنه يشير لمكان تشكل الكوكب. يبعد هذا الالتواء عن نجم أورجاي AB نفس المسافة الفاصلة بين نبتون والشمس. تمثل الدائرة الزرقاء مساحة مدار نبتون. التُقطت الصور باستخدام أداة سفير الخاصة بالتلسكوب الكبير جداً في المرصد الأوروبي الجنوبي. حقوق الصورة: ESO / Boccaletti et al، 2020

 

يشير المؤلفون في بحثهم إلى أننا ما زلنا نتعلم عما يحدث حول هذا النجم. ما زلنا غير متأكدين من أنّ هذا الالتواء هو كوكبٌ فعلاً.

 

“قدمت أداة سفير أعمق الصور المُلتقطة لنجم AB Aur في الضوء المتشتت. من بين العديد من الهياكل التي لم نفهمها بعد، فنحن لم نحدد الأذرع الداخلية الحلزونية فحسب، بل رصدنا أيضاً التواءً في الذراع الشرقية يبعد عن النجم 30 وحدةً فلكية.”

 

هل هم متأكدون من أنه كوكب؟ ليس بالضبط، لكن الالتواء يطابق النماذج. يقول المؤلفون: “قمنا بمحاكاة تطور الشكل الحلزوني بشكل مثالي باستخدام نموذج للموجات التي تنتجها الكواكب.”

 

أظهرت عمليات الرصد الأولية لأورجاي AB باستخدام مرصد ألما، ولكن بدون أداة سفير، زوجاً من الأذرع الحلزونية. لكن ألما لم يكشف عن الكثير من المعلومات وقد رصد بعض الملامح المحيرة للتشكل الكوكبي.

تظهر هذه الصورة المُلتقطة باستخدام مرصد ألما حلقةً من الغبار (اللون الأحمر) وأذرع غازية حلزونية (اللون الأزرق) للقرص المحيط بنجم أورجاي AB، ما يشير إلى عملية تشكلٍ كوكبي. حقوق الصورة: ALMA (ESO/NAOJ/NRAO)/Tang et al. – https://www.almaobservatory.org/en/press-release/astronomers-found-spirals-inside-a-dust-gap-of-a-young-star-forming-disk/, CC BY 4.0, https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=87359440

تظهر هذه الصورة المُلتقطة باستخدام مرصد ألما حلقةً من الغبار (اللون الأحمر) وأذرع غازية حلزونية (اللون الأزرق) للقرص المحيط بنجم أورجاي AB، ما يشير إلى عملية تشكلٍ كوكبي. حقوق الصورة: ALMA (ESO/NAOJ/NRAO)/Tang et al. – https://www.almaobservatory.org/en/press-release/astronomers-found-spirals-inside-a-dust-gap-of-a-young-star-forming-disk/, CC BY 4.0, https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=87359440

 

على الرغم من قوة أداة ألما، إلا أنّ أداة سفير أكثر قوة. يمكنها رصد الضوء الخافت جداً لحبيبات الغبار والانبعاثات القادمة من القرص الداخلي. تمكن علماء الفلك من رؤية التفاصيل في اللولب أو”الالتواء” في مركز القرص.

 

تقول الكاتبة المشاركة آن دوتري Anne Dutrey، التي تعمل أيضاً في مختبر الفيزياء الفلكية في بوردو: “توقعت بعض نماذج تشكل الكواكب حدوث ذلك الالتواء. ينتج الالتواء عن اتصال ذراعين حلزونيين، أحدهما يتجه نحو داخل مدار الكوكب، والآخر نحو الخارج ويلتقيان عند موقع تشكل الكوكب. يسمح هذان الذراعان للغاز والغبار بالتراكم حول الكوكب المتشكل ما يزيد حجمه.

قرص التشكل الكوكبي هو هيكلٌ متقن، وقد لاحظ علماء الفلك العديد من الهياكل الأخرى داخله. لكن تميز هيكلان اثنان عن البقية، f1 وf2 في هذه الصورة. التُقطت هاتان الصورتان باستخدام أداة سفير، كلٌ منهما بعتبة كثافةٍ مختلفة.  حقوق الصورة: Boccaletti et al، 2020.

قرص التشكل الكوكبي هو هيكلٌ متقن، وقد لاحظ علماء الفلك العديد من الهياكل الأخرى داخله. لكن تميز هيكلان اثنان عن البقية، f1 وf2 في هذه الصورة. التُقطت هاتان الصورتان باستخدام أداة سفير، كلٌ منهما بعتبة كثافةٍ مختلفة.  حقوق الصورة: Boccaletti et al، 2020.

 

هناك نظرية تكفي لدعم فكرة ولادة الكواكب عند نقطة الالتواء. يقول الفريق: “في المرحلة المبكرة من تشكل الكوكب، تشير المحاكاة الهيدروديناميكية إلى أنّ عملية التراكم تنتج نمطاً حلزونياً داخلي وخارجي، نتيجة ظاهرة رنين ليندبلاد الناجمة عن تفاعلات الكوكب مع القرص.”

 

كان من الصعب الحصول على أدلةٍ رصدية لدعم كل ذلك. لكن هذه الدراسة تقدم أفضل رصدٍ يدعم تلك النظرية.

 

في استنتاجهم، كتب المؤلفون “… تقدم عمليات رصد نجم AB Aur للضوء المتشتت باستخدام أداة سفير، مع بيانات ألما في النطاق الحراري، دليلاً قوياً على أننا نشهد بالفعل عملية تشكلٍ كوكبي في هذه الأذرع الحلزونية.”

 

[embedded content]

 

لكن لم يثبت ذلك بعد. “نحتاج إلى المزيد من عمليات الرصد لتأكيد هذه النتيجة واستنباط تقديرات أفضل لكتلة الكواكب المحتملة في هذا الموقع.”

 

قد لا تكون عمليات الرصد الإضافية هذه بعيدة المنال جداً. من المفترض أن يُختبر التلسكوب فائق الكبر (ELT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي لأول مرةٍ عام 2025، إذ سيمثل دفعةً هائلة للرصد الفلكي بمساعدة مرآته البالغ قطرها 39 متراً.

 

اختتم المؤلف الرئيسي بوكاليتي قائلاً: “سنكون قادرين على أن نرصد بشكلٍ مباشر وبدقة أكبر كيف تساهم الديناميكيات الغازية في تشكل الكواكب.”


nasainarabic.net