انفجار غامض في عام 1908، يُعتقد أنه نتج عن نيزك، وقد دمر الغابة الشماليّة السيبيريّة. التُقطتْ هذه الصورة عام 1938، خلال رحلة قام بها عالم المعادن الروسي ليونيد كوليك Leonid Kulik، للتحقيق في هذه الحادثة. (حقوق الصورة: © Sovfoto/Universal Images Group via Getty Images).
تفسير جديد للانفجار الهائل على غابة سيبيريا النائية في عام 1908 كان أكثر غرابةً من الحادث الغامض نفسه.
يُعرف الانفجار باسم حادثة تونغوسكا Tunguska، وقد دمّر الانفجار أكثر من 80 مليون شجرةٍ في ثوان، على مساحة تمتد لما يقارب 800 ميلٍ مربعٍ (ما يعادل 2000 كيلومترٍ مربعٍ) لكنه لم يترك خلفه أيَّ حفرة. ويعتقد الكثيرون أن النيزك الذي انفجر قبل أن يضرب الأرض هو السبب. ومع ذلك، عادةً ما يكون من المحتمل أن يترك مذنبٌ أو كويكب وراءه شظايا صخرية بعد تفجيره، ولكن لم يُعثر على دليلٍ لوجود بقايا “لدخان مدفع” من أيّ زائرٍ كوني.
اقترح فريقٌ من الباحثين حلًا لهذا اللغز القديم الآن، وهو أنَّ نيزكًا حديديًّا كبيرًا اندفع نحو الأرض واقترب بما يكفي لتوليد موجة صدمة هائلة. لكن النيزك انحرف بعد ذلك بعيدًا عن كوكبنا دون أن ينكسر، وأنَّ كتلته وزخمه يوجهانه إلى الأمام في رحلته عبر الفضاء.
قال فلاديمير بارييف Vladimir Pariev، مؤلف مشارك في دراسة تونغوسكا الحديثة وباحث في معهد بي إن ليبيديف PN Lebedev للفيزياء في الأكاديمية الروسيّة للعلوم في موسكو: في صباح يوم 30 حزيران/يونيو 1908، بدت السماء فوق سيبيريا شديدة السطوع والحرارة، لدرجة أن شاهدًا يقف على بعد عشرات الكيلومترات من الموقع اعتقد أن قميصه قد اشتعلت فيه النيران.
بعد الضوء الساطع الذي استمر لمدة دقيقة واحدة، حدث انفجارٌ حطم النوافذ وأوقع الناس أرضًا في بلدة تبعد أكثر من 35 ميلًا (60 كم) حسبما أفادت بي بي سي BBC الإخبارية. وأَدلى شاهدُ عيانٍ آخر بشهادته في تصريح قال فيه: “انشطرت السماء إلى قسمين، بدا الجزء الشمالي من السماء أعلى الغابة مغطًّى بالنار بأكمله”. ووفقًا لوكالة ناسا فقد قدَّر العلماء في وقت لاحق الطاقة التي أطلقها الانفجار بأنها أكبر بـ 185 مرةً من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما في عام 1945.
وفقاً لوكالة ناسا، فقد أُدرجت الانفجارات البركانية وحوادث التعدين ضمن التفسيرات الأولية للانفجار، لكن هذه الادعاءات لم تدعمها أدلة ماديّة. أما الاقتراحات اللاحقة الأخرى فكانت بعيدة المنال، مثل تحطم جسمٍ طائرٍ مجهول UFO أو تصادم ثقب أسود مع الأرض. كما نُشرت دراسة تصف فرضية الثقب الأسود في مجلة Nature في عام 1973 (ووُضِّحت بكفاءة في دراسة أخرى في مجلة Nature نُشرت بعد عدة شهورٍ).
وأبلغ بارييف Pariev موقع Live Science في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني أن التفسير العلمي الأكثر قَبولًا على نطاقٍ واسعٍ هو أن كويكبًا صخريًّا أو مذنبًا دخل الغلاف الجوي للأرض ثم تفكك مُحدثًا انفجارًا بنحو 3 إلى 6 أميال (ما يعادل 5 إلى 10 كيلومترات) فوق سطح الأرض. لكن انفجارًا مماثلًا كان ليملأ الأرض بالحطام الصخري، الشيء الذي لم يُعثر عليه في موقع الحادثة. وبالمقارنة، فإن نيزكًا انفجر فوق مدينة تشيليابينسك، في روسيا، في شباط/فبراير 2013، وخلّف شظايا اكتُشفت في غضون أسبوع، على حدِّ قول بارييف Pariev.
وتساءل الباحثون عمّا إذا كان نيزك تونغوسكا مصنوعًا من الحديد بدلًا من الصخور؟ هل يستطيع نيزك ضخم من الحديد أن “يحتك” بالغلاف الجوي للأرض، ويقترب مسافة تكفي لتوليد موجة صدم قوية، ثم يتخلص من جاذبية الكوكب ويهرب دون أن يتفتت؟!
لاختبار هذه الفرضية، قام العلماء بحساب مسارات النيزك باستخدام نماذج حاسوبية. لقد فكروا في أجسام صغيرة يصل قطرها إلى 164 قدمًا (50 مترًا) وبقطر يصل إلى 656 قدمًا (200 مترٍ)، هذه الأجسام مكونة من الصخور أو الجليد أو الحديد، وقد اقتربت في مسار جعلها على بعد 6 إلى 10 أميال (10 إلى 15 كم) من سطح الأرض.
أظهر العلماء في حساباتهم أن الأجسام الفضائية المصنوعة من الصخور والجليد ستتحلل تمامًا تحت الضغوط الهائلة الناتجة عن مرورها عبر ارتفاعات التروبوسفير. وقالوا: “إن الكويكبات المصنوعة من الحديد التي يزيد قطرها عن 100 مترٍ (328 قدمًا) يمكنها البقاء على قيد الحياة دون تصدّعها وتجزئتها إلى قطع منفصلة عديدة”.
يُرجح الباحثون أن قطر نيزك تونغوسكا يتراوح بين 328 و656 قدمًا (100 و200 م)، ويندفع خلال الغلاف الجوي للأرض بسرعة تقارب 45000 ميلٍ في الساعة (72000 كم/ساعة). أثناء مروره الناري، يفقد النيزك بعضًا من كتلته. وفقًا للدراسة فإن تناثر الحديد الناتج عن نيزكٍ يسافر بهذه السرعة كان يمكن أن يتسرب مثله مثل الغاز والبلازما، ويتأكسد في الغلاف الجوي ثم يتناثر على الأرض ويصبح غير قابل للتمييز تقريبًا عن أكاسيد الحديد الأرضية.
وقال بارييف Pariev إن دراسات سابقة قامت بحساب قوة موجات الصدمة التي تنتجها النيازك على أساس الجسم الذي يدخل الغلاف الجوي للأرض بزاوية شديدة الانحدار، وأشار: “إمّا أنها تضرب الأرض أو تنفجر في الجو”.
بالنسبة لحادثة نيزك تونغوسكا، فقد كان يمكن للجسم الفضائي الغني بالحديد أن يدخل الغلاف الجوي للأرض بزاويةٍ حادة للغاية أي نحو 9 إلى 12 درجة على تماسٍ مع السطح، بعد ذلك كان من الممكن أن يحتك في الغلاف الجوي ما يخلق موجة صدمة على ارتفاع نحو 6 إلى 10 أميال (10 إلى 15 كم) فوق سطح الأرض قادرةٌ على سحق الأشجار أرضًا على بعد مئات الكيلومترات وحرق السطح. ولكنه لم يتفتت وذلك بسبب كتلة النيزك وزخمه، وذكر الباحثون أنه خرج من الغلاف الجوي ثم عاد إلى الفضاء.
وقال مارك بوسلوف Mark Boslough، أستاذ الأبحاث في جامعة نيو مكسيكو والفيزيائي بمختبر لوس ألاموس الوطني: مع ذلك، لا تزل هناك بعض الأسئلة العالقة حول هذا السيناريو.
أخبر بوسلوف، الذي لم يكن مشاركًا في الدراسة، موقع Live Science في رسالة عبر البريد إلكتروني أنه إذا “حُرِّكَ جسم عبر الغلاف الجوي” ولم ينفجر، فإن موجة الصدمة الناتجة ستكون أضعف بكثير من موجة الانفجار.
وقال بوسلوف Boslough: “إن جسمًا سبق له أن نجا من مثل هذا العبور عبر الغلاف الجوي لا يمكنه النزول قريبًا بما يكفي من السطح مُخترقًا جدار الصوت ليلحق الضرر الذي لوحظ في تونغوسكا”.
علاوةً على ذلك، وعلى حدِّ قوله، فإنَّ نمط الأشجار المقطوعة في الموقع هو شعاعي – ما يعني أنَّ طاقةً هائلة مُنبعثةٌ من نقطة إطلاقٍ واحدة. ما حدث يمكن أن تتوقع رؤيته بعد انفجار وليس بعد قنبلة صوتيّة، “حتى لو كانت قوية بما يكفي لتدمر الأشجار.” وأضاف بوسلوف Boslough أن روايات شهود العيان في وقت الحادث “تتوافق مع ما قيل إن شيئًا كان ينزل نحو السطح قبل أن ينفجر.”
وقال بارييف Pariev في الحدث عبر البريد الإلكتروني: “في حين أن مؤلفي الدراسة لم يقوموا بحسابٍ رقميٍ لتأثير موجة الصدمة التي يمكن أن ينتجها نيزكٌ بهذا الحجم “احتكَّ” بالأرض فقط، إلا أنَّ تقديراتهم لا تزال تشير إلى أنَّ مثل هذه الموجة ستكون قوية بما يكفي لتسحق الأشجار أرضًا وتتلف الأرضية مثل ما جرى بحادثة تونغوسكا”. وأضاف: “إنَّ الحسابات التفصيلية لموجات الصدمة الناتجة عن احتكاك كويكب هي موضوع بحثنا المستمر”.
ونُشرت النتائج على الإنترنت في العدد الذي طُرح في شهر آذار/مارس من مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society.