صورة للسماء متوهجة بانفجارات أشعة غاما غير المرئية (اللونين الأحمر والأصفر.)

حقوق الصورة: NASA Goddard


 

هل يمكن لطاقة الضوء أن تدل على المادة الأكثر مراوغة في الكون؟ دراسة جديدة تقترح ذلك.

 

أشعة غاما – أقوى وألمع الإشعاعات الضوئية – تبحر عبر السماء غير مرئية للعين. تنطلق من الأنفجارات التي تُحدثها المستعرات العظمى، وتنبثق من إصطدامات النجوم النيوترونية وتخرج من أشد الثقوب السوداء جوعاً.

 

لكن عندما يقوم العلماء برصدها بواسطة التليسكوبات، تشير هذه الألعاب النارية غير المرئية إلى بعض أقوى الأجرام الكونية أنفجاراً. يأمل فريق دولي من الباحثين في أن تقود هذه الأشعة القوية إلى شيءٍ أكثر غرابة – المادة الخفية المعروفة باسم المادة المظلمة.

 

في دراسة جديدة نُشرت في مجلةPhysical Review Letters ، وبالتفصيل على موقع arXiv، فحص الباحثون ما يسمى ” خلفية أشعة غاما غير المحلولة” أي كل إشارات أشعة غاما الخفية والغامضة الصادرة عن الأجسام معروفة مثل الثقوب السوداء والنجوم المتفجرة. عندما قارن الفريق أشعة غاما الصادرة من موضع محدد مع كثافة المادة بذات الموضع في الكون، تبين لهم أنّ الأشعة تتوافق بدقة مع المناطق التي تحوي جاذبية ضخمة حيث من المتوقع أن تتواجد المادة المظلمة.

 

وفقاً لدانيال جروين Daniel Gruen، المؤلف المشارك في الدراسة، يشير هذا الارتباط بين البيانات إلى أن المادة المظلمة قد تكون مسؤولة إلى حد كبير عن خلفية أشعة غاما الخافته في الكون. إذا كان هذا صحيحاً، فقد يوفر بعض الأدلة المهمة حول خصائص المادة المظلمة.”

 

قال جروين، عالم الفيزياء الفلكية بمختبر مُسارع سلاك التابع لوزارة الطاقة بجامعة ستانفورد، كاليفورنيا لموقع Live Science: “يمكن للمادة المظلمة أن تتحلل مثل نواة العناصر المشعة، وتنتج أشعة غاما التي نعرفها، أو لربما تنتج بفعل تصادمات متعددة بين جسيمات المادة المظلمة، لتنتج أشعة غاما أثناء تفاعلها مع بعضها البعض.”

 

تموجات في الظلام


يُعتقد أن المادة المظلمة تُكون حوالي 85% من كتلة الكون، على الرغم من أن الباحثين لم يتيقنوا بعد من ماهيتها. فهي غير مرئية أبداً لأدوات العلم الحديثة، ولم تُرصد قط.

 

قال جروين: “على الرغم من ذلك، فأننا نعرف بعض خصائص المادة المظلمة، نعلم أنها منتشرة للغاية، وأن لها كتلة تتفاعل بالجاذبية مع الكتل الأخرى.”

 

وأضاف: “بمعنى آخر، على الرغم من أن المادة المظلمة غير مرئية، فإن لها تأثير واضح في الكون من خلال جاذبيتها القوية. يُعرف أحد هذه التأثيرات باسم عدسات الجاذبية – أي تشويه الضوء القادم إلى الأرض من الاجسام البعيدة بفعل تأثره بجاذبية الكتل الضخمة.”

 

بالنسبة للدراسة الجديدة، فحص الباحثون خريطة لتأثيرات عدسات الجاذبية في جزء معين من الكون، التي تم إنتاجها بواسطة مشروع مسح الطاقة المظلمة (DES). عن طريق كاميرات مخصصة لمسح ورصد السماء موضوعة على متن تليسكوب عملاق في تشيلي، جرى التقاط صورٍ عالية الدقة على مدار عامٍ كامل لمئات الملايين من المجرات مُركزة على الأماكن التي سببت تشويهاً للضوء القادم من الأماكن البعيدة بواسطة المناطق ذات الجاذبية الشديدة. في حين تتوافق المناطق الأكثر كثافة في الخريطة الناتجة مع المجرات المعروفة، من المحتمل أن تُظهر المناطق شديدة الكثافة التأثير الخفي للمادة المظلمة. وذلك وفقاً لما قاله جروين.

 

تُظهر هذه الصورة خريطتان أنتجهما الفريق. تتداخل كثافة المادة المظلمة (اللون الأحمر) بشكل مذهل مع مناطق نشاط أشعة غاما العالي (اللون الأصفر). حقوق الصورة: Daniel Gruen/SLAC/Stanford, Chihway Chang/University of Chicago, Alex Drlica-Wagner/Fermilab

تُظهر هذه الصورة خريطتان أنتجهما الفريق. تتداخل كثافة المادة المظلمة (اللون الأحمر) بشكل مذهل مع مناطق نشاط أشعة غاما العالي (اللون الأصفر). حقوق الصورة: Daniel Gruen/SLAC/Stanford, Chihway Chang/University of Chicago, Alex Drlica-Wagner/Fermilab

 

لفهم شكل هذا التأثير بشكل أفضل، قارن الباحثون هذه الخريطة الكُتلية بخريطة انبعاثات أشعة غاما التي تم اكتشافها في نفس المنطقة بواسطة تليسكوب فيرمي لأشعة غاما التابع لناسا على مدى السنوات التسع الماضية. باستخدام نموذج رياضي، قام الفريق بإزالة جميع الإشعاعات الناتجة عن مصادر عادية أخرى مثل الثقوب السوداء والمستعرات العظمى، بناءً على مقدار إنتاجها للطاقة والمسافة وعوامل أخرى مختلفة.

 

الآن، بعد تحديد مصادر غاما الغامضة “غير المحلولة،” قارن الفريق بين الخريطتين. ولقد لاحظوا تداخل واضحاً بين المناطق التي تحتوي على إشعاعات غاما شديدة ومع المناطق ذات الكتل الضخمة.

 

قال جروين :”هذه هي الدراسة الأولى التي نكون فيها متأكدين من وجود الكثير من المادة المظلمة في الأماكن التي تحوي أشعة غاما بكثرة أيضاً.”

 

إذا كانت المادة المظلمة تبعث أشعة غاما حقاً، فقد يؤدي هذا لتضييق نطاق طريقة إكتشافها ومعرفة الجسيمات المكونة لها. وفقا لجروين: “مع ذلك، من الممكن أن لا يكون هناك علاقة بين خلفية أشعة غاما الباهتة في خريطة فيرمي والمادة المظلمة.” يعتمد النموذج الرياضي الذي أستخدمه الباحثون لاستبعاد مصادر أشعة غاما العادية (مثل الثقوب السوداء) على بعض الافتراضات حول خصائص تلك الأجسام. إذا كانت تلك الافتراضات خاطئة، فيمكن أن تكون الثقوب السوداء مسؤولة عن خلفية أشعة غاما الغامضة بشكلٍ أكبر مما أخذه العلماء بعين الاعتبار.”

 

قال جروين:” قد يكون هذا النموذج غير مكتمل، وربما نتعلم في الواقع شيئاً جديداً عن الثقوب السوداء التي تبعث أشعة غاما، وربما توجد تلك الثقوب في مجرات ذات كتلةٍ أكبر بكثير مما كنا نظن.”

 

ستساعد المزيد من البيانات حول ن أشعة غاما وعدسات الجاذبية الفريق على تأكيد نموذجهم وتفسير خرائطهم للكون بشكل أفضل. منذ انتهاء الدراسة، قام مشروع مسح الطاقة المظلمة بجمع معلومات أكثر بستة أضعاف حول توزيع الكتلة في الكون، ويظل تليسكوب فيرمي أحد التليسكوبات العديدة التي تتبع انفجارات أشعة غاما. يجب أن نقوم بدراسة أخرى تُظهر نتائج أكثر وضوحاً في السنوات المقبلة، وفقاً لما قاله جروين.


nasainarabic.net