فجّرت تحرّكات تقوم بها جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم سعيها إلى احتكار ملأ المطبوع الذي تسلّم بواسطته شهادة “الأبوستيل” في المحاكم الابتدائية، وهي عبارة عن طابع تُمهر به الوثائق العمومية المستعملة في معاملات الأفراد الإدارية مع الخارج، مثل وثائق ملفات التجمع العائلي أو متابعة الدراسة… وكانت هذه الشهادة تُمنح في المحاكم مجانا، بعد ملْء طالبها لمطبوع على الأنترنت أو لدى كاتب عمومي، وحاليا يسعى التراجمة إلى احتكارها مقابل خمسين درهما للوثيقة الواحدة.

عملية غير أخلاقية

المعلومات التي حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية من مصادر موثوقة من داخل جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم تفيد بأن مسؤولي هذه الأخيرة يسعون إلى الحصول على تفويض يخوّل للتراجمة حقّ احتكار ملأ مطبوع شهادة “الأبوستيل”، وأن هذا الاحتكار بدأ العمل به فعلا في طنجة منذ الأسبوع المنصرم، وسيُعمم في مختلف مناطق المغرب.

وبحسب المصادر ذاتها، فإن مكاتب التراجمة المقبولين لدى المحاكم أصبحت تقدم فعلا خدمة طبع الوثائق بطابع “الأبوستيل” في طنجة، وذهبت المصادر ذاتها إلى وصف هذه العملية بـ”غير القانونية وغير الأخلاقية”، لأن السعر المحدد لها مرتفع جدا، وستكلف المواطنين مبالغ كبيرة في حين كانت تقدّم في المحاكم مجانا.

وانضمّ المغرب إلى لائحة الدول المعتمدة لشهادة “الأبوستيل”، الموقّعة اتفاقيتها بمدينة لاهاي الهولندية عام 1961، وتتمثل الغاية من هذه الوثيقة، بحسب المعلومات المنشورة في الموقع الحكومي المغربي المخصص لاستخراجها، في التصديق على صفة وصحّة توقيع أو خاتم الشخص أو الجهة التي وقعت الوثيقةَ العمومية.

وإذا تم احتكار هذه العملية من طرف التراجمة وتم تحديد سعر “الأبوستيل” في خمسين درهما، فقد تكلّف الزبونَ مبالغ مالية كبيرة حسب عدد وثائق الملف، وفق الإفادات التي حصلت عليها هسبريس.

وقال أحد التراجمة من الجمعية الممثلة لهم: “هذا عمل غير أخلاقي وغير قانوني، لأنه مصدر لمراكمة الثروة على حساب مصلحة المواطنين”، مضيفا: “من حق التراجمة أن يقدموا خدمة الأبوستيل، ولكن المشكل يكمن في احتكار هذه الخدمة، لأن هذا سيؤدّي إلى ارتفاع سعرها بشكل كبير، وأغلب زبنائنا من الطبقة الفقيرة والمتوسطة”.

مصدر آخر من جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم قال: “إذا عالج الترجمان ملفّين فقط في اليوم، يضمّ كل واحد منهما عشرين وثيقة، فإنه سيربح ألفي درهم، أي ستة ملايين سنتيم في الشهر”، مضيفا: “هناك مواطنون فقراء يقصدون مكاتبنا لإعداد ملفات إرسال أبنائهم إلى الخارج لمتابعة دراستهم، أو التجمع العائلي، وليس مقبولا أن يُفرض عليهم أداء سعر شهادة الأبوستيل، في الوقت الذي كانت تقدمها المحاكم بدون مقابل”.

وزارة العدل تتوعّد المخالفين

المثير في الموضوع هو أن رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم أخبر أعضاء الجمعية، من خلال تسجيل صوتي مسرّب استمعت إليه هسبريس، أن وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بطنجة اقترح أن يتولى التراجمة المقبولون لدى المحاكم منح مطبوع شهادة “الأبوستيل”، مضيفا أن “النيابات العامة كاملين كيوجدو فهاد المقترح اللي هو قرار وغادي يوضعوه على أرض الواقع”.

وخلّف سعي جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم إلى احتكار منح مطبوع شهادة “الأبوستيل” التي تقدمها المحاكم تباينا في مواقف أعضاء الجمعية، بين مؤيد لهذه الخطوة باعتبارها “مورد رزق إضافي”، وبين متحفظ ورافض لها على اعتبار أنها “استغلال للمواطنين”.

وفي اتصال مع هسبريس، نفى الحسين بيراوين، رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم، أن تكون الجمعية تسعى إلى احتكار تسليم مطبوع شهادة “الأبوستيل”، قائلا: “هذه المعاملة كانت دائما مجانية في المحاكم، وإذا كان المواطن يريد أن يكلّف بها مكتب الترجمة الذي يتعامل معه مقابل مبلغ رمزي فله ذلك، ولكن نحن لا نريد أن نحتكر هذه العملية ولن تكون حصرية”.

وبخلاف ما صرّح به رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم، فإن التسجيل الصوتي الذي أرسله إلى زملائه فيه تأكيد على وجود رغبة في احتكار منح شهادة “الأبوستيل”، إذ قال فيه: “ما غاديش يبقا عند المواطن الحق أنه يمشي يدير الأبوستيل بيديه. غادي يولّي ضروري يصايبو عند عند الترجمان، يعني غادي يولي تعامل حصري مع الترجمان اللي غادي يكون هو الوحيد اللي عندو الحق يقوم بهاد العملية، هو ولا المساعد ديالو بطلب من الترجمان، بعد حصوله على الأهلية”.

هذا المعطى أكّده لهسبريس مواطن قصَد المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة للحصول على وثيقة تتطلب التوفر على “الأبوستيل”، حيث طُلب منه أن يتوجه عند ترجمان محلف للحصول على المطبوع الخاص بها، بينما قال مصدر من جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم إن أغلب المواطنين كانوا يقصدون الكتّاب العموميين، الذين يملؤون مطبوع هذه الشهادة بسعر بسيط لا يتعدى عشرة أو عشرين درهما كأقصى حد، قبل الذهاب بها إلى المكتب الخاص بخدمة طبعها في المحاكم، حيث يتم طبع المطبوع مجانا.

في المقابل، قال الحسين بيراوين إن “هذه المبادرة جاءت في هذه الظرفية الخاصة التي تعرف حالة الطوارئ الصحية، وهي مبادرة مؤقتة حتى تستقر الأمور، وهدف التراجمة الذين استأنفوا عملهم يوم 10 يونيو الجاري منها هو المساهمة في تخفيف الاكتظاظ في المحاكم خلال فترة حالة الطوارئ الصحية”، نافيا أن يكون قد صرح بأن التراجمة سيرفعون سعر هذه الخدمة إلى خمسين درهما، كما ورد في التسجيل الصوتي المنسوب إليه.

وأردف المتحدث ذاته أن الجمعية التي يرأسها لا تسعى إلى احتكار تسليم مطبوع شهادة “الأبوستيل” للمواطنين، نافيا أن يكون هناك أي تكليف من النيابات العامة للتراجمة لتولي هذه المهمة، مضيفاك “ليس هناك أي تكليف أو احتكار، بل إن الأمر متروك للمواطنين، هم الذين يقررون مع من يتعاملون”.

المعلومات التي قدمها بيراوين تُناقض ما جاء في التسجيل الصوتي سالف الذكر، الذي قال فيه مخاطبا زملاءه التراجمة: “فكروا مزيان واعتبروا أن هذا قرار رغم أنه مقدم على شكل مقترح”، مضيفا أنه عقد لقاء بهذا الشأن يوم الجمعة في المحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء، وأن هناك توجها لدى مختلف النيابات العامة لتعميم المقترح”.

تناقُض آخر برز في كلام رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم حين سألته هسبريس ما إن كان حصل على إذن باحتكار التراجمة لمنح مطبوع شهادة “الأبوستيل” بعد لقائه مع وكيلة الملك لدى المحكمة الابتدائية بمدينة الدار البيضاء، حيث نفى أن يكون قد جمع بينهما أي لقاء، غير أنّ مصدرا مسؤولا بوزارة العدل قال إن المسؤولة القضائية المذكورة التقت فعلا برئيس جمعية التراجمة، لكنّ هذا الأخير قدّم معلومات مغلوطة عن فحوى اللقاء.

المصدر المسؤول بوزارة العدل الذي تحدث إلى هسبريس أوضح أن رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم قال لوكيلة الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء إن الظرفية الراهنة تقتضي مواصلة الحرص على تفادي الاكتظاظ داخل المحاكم، وإن التراجمة يقترحون تقديم خدمة مطبوع شهادة الأبوستيل لزبنائهم إذا طلبوا منهم ذلك، فأجابت المسؤولة القضائية بأن هذا الإجراء لا يطرح أي إشكال، لأنه معمول به أصلا، حيث إن هناك مواطنين يكلفون التراجمة بهذه المهمة، فيما يلجأ آخرون إلى الكتاب العموميين، ويتولى آخرون الأمر بأنفسهم باستخراج المطبوع مباشرة من الموقع الإلكتروني المخصص لهذا الغرض.

“هُو مْشا خرّج هضرة أخرى، وما قاله غير صحيح”، يقول المسؤول الذي تحدث إلى هسبريس تعليقا على الكلام المنسوب إلى رئيس جمعية التراجمة المقبولين لدى المحاكم، مضيفا أن “وزارة العدل لا علاقة لها بهذا الموضوع، وتؤكد أن الأبوستيل خدمة تقدّم في المحاكم الابتدائية بشكل مجاني، وإذا كان هناك رسْمٌ مقابل هذه الخدمة فلا بد أن يكون بقانون”.

وتوعّد المسؤول بوزارة العدل بأنّ أي جهة تحاول تسعير شهادة “الأبوستيل” ستكون تحت طائلة القانون، قائلا: “لقد أصدرنا بيانا توضيحيا بخصوص هذا الموضوع يوم أمس، نؤكّد فيه للمواطنين أن هذه الخدمة مجانية، وإذا طُلب من مواطن ضرورة ملء مطبوع شهادة الأبوستيل عند الترجمان، فنحن في الوزارة سنتصدى لأي تصرفات من هذا القبيل، ومَن خالف القانون سيُعاقب، ولن نتساهل أبدا في هذا الأمر، لأن من حق أي مواطن أن يستفيد من هذه الخدمة مجانا، والترجمان وظيفته الأساسية هي الترجمة”.

hespress.com