الاثنين 20 يوليوز 2020 – 06:00
يروي النبوي علي، القاطن بدوار “ارميمينة” التابع إداريا لجماعة بني زرنتل بدائرة أبي الجعد، قصصا أقرب إلى الخيال عن علاقة الساكنة المحلية بمحنة الماء الشروب.. قصص تضرب جذورها في أعماق الماضي، ومع ذلك لم تُحرك بصيرة المسؤولين لتفادي بعض الحلول الترقيعية.
النبوي، رجل سبعيني، يكسو الشيب محيّاه، قال في تصريح للجريدة: “لقد صار الجرح غائرا، فعلى مدى ربع قرن ونحن نجتر الأسئلة نفسها إلى درجة أن الكل بات يُدرك حقيقة هذه الأزمة وفشل المجالس المتعاقبة على تسيير الشأن العام في معالجتها لاعتبارات متعددة، من ضمنها ضعف ميزانية الجماعة الترابية كما يروُون”.
وأضاف المتحدث: “اليوم، وكما ترون كل آبار المنطقة وعيونها جفت تقريبا، وبات العطش يهدد “المعيشة”، أعني الناس والطبيعة و”الكسيبة” التي هي مصدر عيش الكثيرين بالمنطقة”، ما يعني أن كل المؤشرات تبوح بأن أزمة حقيقية تلوح في الأفق، الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا”.
وقال حمادو قدور، من دوار الحرش، إن “الجهات المسؤولة لا تفكر في هذه الدواوير إلا لحظة الانتخابات، وبعد ذلك ينحصر دورها في مراقبة فواتير الماء والكهرباء”، وزاد: “ما جرى اليوم، حيث ابتهج الناس بهذا الصبيب الذي كان لا يصل السقاية إلا في حدود منتصف الليل طيلة الشهرين الماضيين، وقع على ما أعتقد إثر زيارة هسبريس إلى المنطقة”.
وكشف حمادو أنه وإخوته يفكرون في الرحيل من الدوار، للقطع مع هذه حياة الضنكى، حيث تمسي رحلات البحث عن الماء والكلأ في عز حرارة الصيف كابوسا يؤرق كل الأسر، وخاصة منها تلك عاشت أزمات نفسية جراء تعرّض أبنائها للسعات العقارب.
وبدوار الحرش، صرح مُقربون من عائلة حمادو بأن أزمة الماء ازدادت صعوبة في فترة الحجر الصحي، حيث يجد الناس صعوبة في التنقل إلى أماكن مجاورة للبحث عن جرعة ماء في ظل الإجراءات المفروضة لتفادي انتشار جائحة كورونا.
وقال المتحدث ذاته: “على السلطات أن تدرك أن ‘الكسيبة’ (الماشية) هي مصدر قوت الساكنة وأساس ارتباطها بهذه الأرض، ما يعني أن محاولة التخلي عن هذا المورد سيكون لها أثر كبير على كل الأسر التي تعض بالنواجذ من أجل الاستمرار في العيش بهذه المنطقة في غياب دعم معقول من السلطات”.
وقال عبد الرحيم النبوي من دوار ارميمينة: “شخصيا منذ نعومة أظافري وأنا أعلم أن ساكنة الدوار ترزح تحت رحمة العطش، بسبب النقص الحاصل في هذه المادة الحيوية التي يتزايد الطلب عليها خلال فصل الصيف، واليوم نحن في سنة 2020 والوضع مازال قائما، ما يقتضي من الجهات المسؤولة العمل على إحداث مشاريع كبرى لتوفير الماء الكافي للسكان صيفا وشتاء”.
وكشف المتحدثون أن الأهالي بدواوير حمري عطا والشاهد ولويزة وشكاكة وأرميمينة وآيت عبد النبي “يواجهون كل عام مشاكل جمة مع الماء الصالح للشرب، وخلال هذا الصيف عظمت الأزمة بسبب تراجع نسبة التساقطات المطرية، في غياب حلول واقعية رغم ما تصرح به الجهات المسؤولة عن قيامها بدراسات في هذا الشأن”.
وكشف النبوي أن توزيع الماء بواسطة الصهاريج تعترضه بعض الإكراهات المرتبطة بوضعية الطرق، خصوصا ببعض القرى التي بها تضاريس وعرة، مبرزا أن “مستقبل هذه القرى واستقرارها يبقى مرهونا بتنزيل مشاريع تنموية ذات وقع إيجابي على الساكنة”،
وزاد أن “حاجة الساكنة إلى كميات كبيرة من الماء كشفت عن فشل مشروع الصهاريج المتنقلة، خاصة إذا ما استحضرنا المسافة التي تربط بين هذه الدواوير والمنبع، التي تقدر بحوالي 100 كيلومتر ذهابا وإيابا، ناهيك عن نوعية الشاحنة المعتمدة في عمليات التوزيع”.
ومن أجل تخفيف معاناة هؤلاء السكان الذين يشكون من ندرة المياه الشروب، وفي إطار برنامج محاربة آثار الجفاف، يُذكر أن السلطات المختصة وظّفت شاحنات محملة بالصهاريج قصد توزيع المياه على الدواوير المعنية بالأزمة.
وكشف سائق شاحنة صهريجية، فضل عدم ذكر اسمه، أنه يكد من أجل توزيع 04 حمولات في اليوم بمعدل 06 أطنان من الماء لكل واحدة منها لفائدة ساكنة خمسة دواوير ذات تضاريس صعبة.
وأعربت تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية عن رفض هذه الحلول “الترقيعية”، مطالبة بالربط الفردي للتجمعات السكنية وبسقايات إضافية للكوانين المتفرقة، مرفقة بخزانات قارة من شأنها تسهيل خدمات الموزع وربح الوقت أثناء عمليات التفريغ.
من جانبه، كان سعيد الطيبي، رئيس الجماعة الترابية لبني زرنتل، أكد لجريدة هسبريس الإلكترونية أن أزمة الماء بالمنطقة في طريقها إلى الحل، واعتبرها من أولويات المجلس الجماعي إلى جانب الطرق والصحة والتعليم ومشروع تأهيل المركز، مبرزا أن “المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب-قطاع الماء أنجز دراسة في الموضوع، وتمّ تحديد تكلفة المشروع في حوالي 03 ملايير من السنتيمات”.
وأوضح المسؤول ذاته أن من بين الإكراهات التي تحول دون الربط الفردي للمنازل ارتفاع تكلفة المشروع مقارنة مع دخل الجماعة واتساع رقعة الدواوير المستهدفة وتشتت الكوانين بها، وكشف أنه من السابق لأوانه الحديث عن أزمة حادة من هذا النوع بالمنطقة، بالنظر إلى وجود عدد من الآبار التي مازالت تشكل مصدرا مُهمّا للماء الشروب، مؤكدا على وجود صراعات قبلية وراء افتعال الأزمة، خاصة بمنطقة المكرونات، حيث فشل الأهالي في تأسيس إطار جمعوي لتدبير القطاع.