الأحد 09 غشت 2020 – 06:50
قال عبد الرحمان الصديقي، رئيس مجموعة البحث في الحكامة الترابية والتنمية المستدامة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، إن “تدبير الأزمات العامة والأزمات العمومية هو علم يعتمد دراسة المخاطر وتقييم الوقع والاستشراف، وهو كذلك فن لأنه يتطلب التواصل والمراوغة وتحقيق الأهداف من دون الإعلان عنها”.
وأضاف الصديقي، في مقالة بعث بها لهسبريس، تحت عنوان “تدبير المخاطر العمومية ومخاطر تدبيرها”، أن “الحجر الصحي عطل إلى حين نتائج نشاهدها اليوم.. صحيح أنه أعطى للمسؤولين هامش وقت للاستفادة من التجارب وإبعاد عامل المفاجأة والاستعداد أكثر؛ ولكنه، من المنظور بعيد المدى، لم يحقق مبتغاه، بل زاد من تفاقم الوضع بفعل رد الفعل التلقائي للمواطنين من بعد فترة حرمان وتخزين المكبوتات”.
وتابعت المقالة: “كل التقارير (وآخرها تقرير البنك العالمي الأخير عن تفاقم الفقر) يؤكد أن الحجر الصحي عبر العالم سيؤدي إلى نتائج اقتصادية كارثية، فتداعيات كوفيد 19 الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية والصحية ربما تكون أكثر من مخلفات كوفيد نفسه، بفعل عامل كرة الثلج Effet boule de neige”.
ولفت المصدر عينه إلى أن “تجربة الدول الاسكندنافية في التعامل مع الكوفيد أصبحت رائدة، فهذه الدول لم تلجأ إلى الحجر الصحي الشامل، بل اختارت التشخيص المبكر على نطاق واسع لمحاصرة الداء؛ وهذه العملية، بعد مرور الوقت، أصبحت تبين بأنها الأحكم والأعقل حتى من الناحية الاقتصادية”.
وأورد الأستاذ الجامعي أن “الاستثمار في الوقاية والتشخيص بغض النظر عن ثمنه الآني، فإنه يظل أقل تكلفة من تداعيات كوفيد، وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية وغير ذلك. تماما كما هو الشأن بخصوص المقارنة بين الاستثمار في التعليم، وتداعيات الجهل الاقتصادية والثقافية والدينية والسياسية”.
ومضى مسترسلا: “الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة اتخاذها لصالح الاقتصاد الوطني في إطار تدبير الأزمات مسألة مرحب بها من حيث المبدأ. من حيث المبدأ فقط، ولكن يجب البدء بدراسة الوقع واستشراف المخاطر والمكاسب، لأن التجارب السابقة أبانت أن القنوات العمومية في تحفيز الاقتصاد في بلدنا غالبا ما تتحول إلى أنفاق ضخ ريعي يستفيد منها فلان وعلان بأسماء مجهولة الاسم، على حساب المديونية العمومية التي وصلت اليوم، وبفضل استدانة حكومة بنكيران والعثماني، إلى نسبة قياسية (أكثر من مستوى السكتة القلبية التي نبه إليها المرجوم الحسن الثاني في 199)”.
تدبير الأزمات العمومية هي مسألة متشابكة ونسقية، تتطلب التقائية وحكامة وديمقراطية في التفكير واتخاذ القرار وإشراك في تنفيذه واقتسام خيراته أو مخاطره”، وفق المقالة، التي أردفت: “إن انفراد وزارة بعينها بتدبير الأزمة من منظور واحد لن يزيد الوضع إلا تأزما على المديين المتوسط والطويل”.
ولفت الأكاديمي المغربي إلى أن “تدبير الأزمة الحالية يقتضي وضع أجندة على مقاييس زمنية ومجالية وقطاعية، وفق الأسس العلمية المعتمدة في الاستشراف والتخطيط؛ فليس من الضروري أن ننتصر اليوم، ولكن الأساس هو بناء لبنات، لمجتمع ودولة واقتصاد، متينة ومهيكلة وقوية قادرة على الصمود في وجه تحديات الغد”.
وخلص إلى القول: “فشلنا اليوم هو نتاج المعالجة الظرفية التي تبنتها حكومات بلدنا منذ زمن بعيد، فلم تؤسس لمجتمع متعلم واع متخلق مواطن، ولم تعمل على بناء دولة المؤسسات والقوانين والكفاءات. تماما كما هو الشأن في الدول التي أشرت إليها سلفا، والتي استطاعت اليوم احتواء الوباء والتقليل من تداعياته”.