الخميس 20 غشت 2020 – 11:00
قبل حوالي سنتين، وتحديدا بتاريخ 30 أكتوبر 2018، وجّه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، منشورا إلى الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين والمندوب العام، يُلزمهم بمقتضاه باستعمال اللغتين الرسميتين للدولة، العربية أو الأمازيغية، في جميع المراسلات بين الإدارات ومع المواطنين.
رئيس الحكومة آخذ على مسؤولي بعض مرافق الدولة عدم استعمال اللغتين الرسميتين في المراسلات الصادرة عن مؤسساتهم، وبالتالي عدم التزامهم بمقتضيات منشوريْن سابقيْن صدرا عن رئيس الحكومة (الوزير الأول) سنة 1998 و2008، ينصان على إلزامية استعمال العربية في جميع المراسلات بين الإدارة ومع المواطنين.
وإذا كان عدم استعمال بعض مرافق الدولة للغتين الرسميتين يشكل خرقا للفصل الخامس من الدستور، فإنّ سببا آخر دفع العثماني إلى توجيه المنشور المذكور إلى وزراء حكومته وباقي المسؤولين المعنيين، يتعلق بالخسائر المالية التي تتكبدها الدولة، نتيجة الأحكام القضائية التي تُبطل وثائقَ وقرارات إدارية محررة بلغة أجنبية.
وبالرغم من وجود المنشور سالف الذكر الصادر عن العثماني ومنشورين آخرين صادرين في الموضوع نفسه، فإن عددا من القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية تستمر في تدبيج مراسلاتها الإدارية باللغة الفرنسية، لأسباب عديدة؛ منها ما له علاقة بجانب غياب الإرادة السياسية لتنفيذ مقتضيات دستور المملكة الذي ينص على أن اللغتين الرسميتين للدولة هما العربية والأمازيغية، ومنها ما له علاقة بالجانب النفسي، كما يرى فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.
وأوضح بوعلي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن عددا من المسؤولين الحكوميين المغاربة يعتقدون أن استعمال اللغة الفرنسية أو لغة أجنبية أخرى “فيه تميز ورقي اجتماعي”.
وثمّة سبب آخر، يردف المتحدث نفسه، هو أن عددا من المسؤولين “يجعلون اللغة مجرد أداة تقنية للإبلاغ والتبليغ، ويتجاهلون دورها السيادي كعنصر من مرتكزات السيادة الوطنية”.
ويوجّه المواطنون المغاربة انتقادات لاذعة إلى المسؤولين الذين يستعملون اللغة الفرنسية في المراسلات الإدارية أو المراسلات الموجهة إلى المواطنين، وينتقدون المسؤولين الذين يصرون على الحديث بلغات أجنبية، خاصة الفرنسية، في المناسبات العامة؛ بينما يبذل مسؤولون أجانب مثل السفراء والقناصلة مجهودا للحديث بالعربية أو الأمازيغية.
ويرى فؤاد بوعلي أن المشكلة التي يعاني منها المسؤولون المغاربة الذين “يتفننون في الحديث بلغة موليير ليست إدارية بل هوياتية تتعلق بطبيعة المسؤولين وتكوينهم ومدى وعيهم بدور اللغة العربية في الانتماء واللحمة المجتمعية وبناء الدولة”، ضاربا المثل بالحملة التي تعرض لها الرئيس الفرنسي قبل أيام من طرف الفرنسيين بعد أن كتب تغريدةَ تضامن مع لبنان باللغة العربية.
وفيما تستمر عدد من المؤسسات العمومية في إصدار مراسلاتها الإدارية باللغة الفرنسية، فإن هذا الفعل يخالف القانون، إذ أشار منشور رئيس الحكومة الحالي إلى أن القضاء المغربي اعتبر أن إصدار مرفق عمومي لقرارات ووثائق محررة بلغة أجنبية “مشوبا بعيب المخالفة الجسيمة للقانون، وانتهاكا لإرادة المواطنين المجسّدة بنص الدستور”.
ولا يوجد أي نص قانوني ينص على استعمال اللغة الأجنبية في المراسلات الرسمية؛ لكنّ البعض يرى أن استعمال بعض الإدارات للغة الفرنسية يسهّل مأمورية التواصل بين مصالحها، بعلّة أن مسؤولي وموظفي هذه الإدارات تلقوا تكوينهم بالفرنسية، علاوة على صعوبة إيجاد مصطلحات دقيقة بالعربية، كما هو الحال في قطاع الصحة.
هذا التبرير يعتبره رئيس الائتلاف المغربي من أجل اللغة العربية “غيرَ منطقي”؛ لأن التواصل الإداري، كما يرى، “له شروطه وتقنياته، ولا يحتاج إلى كثير من الأساليب الإنشائية؛ بل تتحكم فيه شبكة اصطلاحية لها ضوابطها وقواعدها”.
ورفض بوعلي تبرير إبقاء كتابة المراسلات الصادرة عن مؤسسات الدولة باللغة الفرنسية بكون مسؤولي وموظفي هذه المؤسسات لهم تكوين فرنسي، قائلا: “حتى لو كان تكوين الشخص فرنسيا فإن المداومة على التواصل بالعربية سيمكنه من إتقانها والإبداع بها في مجاله الخاص، والعكس صحيح، فكم من موظف تكوينه معرب أتقن الفرنسية في إدارته”.
وختم المتحدث بالقول: “هناك تجارب كثيرة تثبت ما قلت، فالعديد من الأطروحات في كليات الطب نوقشت باللغة العربية، وهناك أطباء كثر يتحدثون اللغة العربية بطلاقة ويتواصلون بها ويناقشون بها.. لذا، فإن الزعم بأن الفضاء يحكم الاستعمال هو وهْم يرادُ به تبرير الاختلالات الواقعية”.