الجمعة 21 غشت 2020 – 12:00
زار خالد آيت الطالب، وزير الصحة، مدينة مراكش، أول أمس الأربعاء، بعد استفحال الحالة الوبائية وانهيار المنظومة الصحية، خاصة بمستشفى ابن زهر (المامونية)، الذي توقفت أجهزة التنفس به وعانى من نقص حاد في المعدات الطبية.
هذه الوضعية دفعت العديد من رواد المنصات الاجتماعية ونقابات صحية وأحزاب سياسية وجمعيات المجتمع المدني إلى رفع أصواتها عاليا لمطالبة المسؤولين بحل عاجل، لإنقاذ المرضى المصابين بـ”كوفيدـ19″ والحد من ارتفاع حصيلة الوفيات.
وعقد وزير الصحة اجتماعا مغلقا بولاية جهة مراكش آسفي، ثم قام رفقة والي الجهة بزيارة تفقدية إلى مستشفى ابن طفيل الذي سيحتضن مشفى ميدانيا. أما ابن زهر، الذي شكل موضوع متابعة من طرف الإعلام الوطني والدولي، فلم يحظ بذلك.
وأجمع من استطلعت جريدة هسبريس الإلكترونية آراءهم على أن الزيارة الميدانية لم تقدم ما كان ينتظره أهل مراكش من أفكار إبداعية خلاقة تخرج المدينة من وضعية الاختناق؛ فخطاب الوزير اعتمد لغة خشبية، لأنه لم يأت بحلول ناجعة لانتشال المدينة الحمراء مما هي عليه.
عبد الحق شابل، نائب الكاتب الجهوي للمنتدى المغربي للمواطنة وحقوق الإنسان بجهة مراكش، أكد أن الحلول التي قدمها الوزير لم ترق إلى توقعات المراكشيين من حيث تسهيل الولوج إلى تحليلات PCR”، وهي اجترار لما سبق العمل به دون نتيجة تذكر.
وتابع، في تصريح لهسبريس: “فعوض إحداث مراكز التحاليل بالمؤسسات الصحية العمومية، تم الترخيص لمختبرات خاصة بإجرائها؛ ما يعني اكتواء جيوب المواطنين بكلفتها الغالية”، حسب الفاعل الحقوقي ذاته.
وواصل المتحدث: “أغلب المصابين لا يفضلون العلاج المنزلي خوفا على أسرهم، فجلهم يقطن سكنا اقتصاديا يصعب فيه تنزيل عملية العزل بغرفة منفردة. أما الاستعانة بأطر الطب العسكري، فالأمر لا يحتاج الى هذه الزيارة لكي تتحرك الحكومة لإنقاذ ضحايا لا ذنب لهم”.
وأضاف شابل: “اقترح الوزير بناء مستشفى ميداني بمرأب مستشفى ابن طفيل، عوض فتح البناية المغلقة بالمستشفى منذ 2018 والتي تتكون من أربع طوابق، وهذا حل فاشل، ورفض المنتدى تحميل المسؤولية الكاملة للمواطنين في ما آلت إليه الأوضاع”، ثم طالب بـ”محاسبة كل المسؤولين عن تردي الخدمات الصحية بالمدينة الحمراء”.
أما الطبيب عماد سوسو، نائب الكاتب الجهوي للجامعة الوطنية للصحة بجهة مراكش أسفي، فقال: “جاء الوزير إلى مراكش بعد وقوع الكارثة وإلحاح كبير من المرضى والأطر الصحية، وعجز واضح للمديرية الجهوية لوزارة الصحة وإدارة المركز الاستشفائي الجامعي”.
وفي تصريحه لهسبريس، أوضح سوسو أن “الوزير حل بليل ليزور مرأب سيارات مستشفى ابن طفيل، عوض زيارة مشفى ابن زهر الذي انطلقت منه الاحتجاجات وتسريبات صوتية ونداء استغاثة وصور المرضى يفترشون الأرض”، لافتا إلى أن “الوزير لم يلتق بالأطر الصحية العاملة في جبهات المواجهة ولم يستمع لملاحظاتهم وتوصياتهم ومقترحاتهم، بل جاء فقط ليملي عليهم قراراته المعدة سلفا”.
“الوزير يقترح حلولا لتطويق الحالات الحرجة المتزايدة، ولا يقوم بوضع خطة لمنع ذلك والتشخيص المبكر للمرضى وعلاجهم قبل الوصول إلى مرحلة الاستشفاء”، يسجل هذا النقابي، الذي شدد على أن “تعامل الوزير، الذي يدير قطاعا مركبا ومشاكله متراكمة ومعقدة، صدمنا”.
وتساءل سوسو: “لماذا لم يناقش الوزير أسباب إغلاق بناية من أربع طوابق و7 قاعات جراحية ومصلحة للإنعاش وطاقة استيعابية من 130 سريرا مغلقة منذ 2018، ولم يجب عن عجز إدارته عن تأهيل المستشفيات العمومية، ومصالح الانعاش والمستعجلات خلال 3 أشهر من الحجر الصحي”.
يختم نائب الكاتب الجهوي للجامعة الوطنية للصحة – ا م ش – بجهة مراكش أسفي: “أسباب غياب تنزيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وغياب المسؤولين وعدم تواصلهم، ونقص الأدوية والمراكز الصحية المرجعية لتتبع مرضى كوفيد، وكيفية تتبعهم في منازلهم وتنزيل إستراتيجية وزارته، وأسباب الفراغ الإداري بالإقليم، كلها نقط لم يجب عليها الوزير الذي يتحمل المسؤولية الإخلاقية والسياسية عن الوضع الذي آلت إليه مراكش”.
“كنا ننتظر الزيارة ففوجئنا بإقصائنا؛ فالأزمة تحتاج إلى إرادة وجرأة وإنصات للذين يوجدون على فوهة بركان”، هكذا بدأت أسماء الزهوري، الممرضة متعددة الاختصاصات، تحكي لهسبريس القصة المؤلمة للأطر الصحية بمستشفى المامونية.
وزادت هذه الممرضة: “كل مخرجات زيارة الوزير من اقتراحات سبق أن طرحت منذ بداية الجائحة، من قبيل تخصيص مستشفى الفقراء “المامونية” للتحاليل واستقبال الحالات العادية، حتى تظل أقسام أخرى تؤدي وظيفة الاستشفاء لأمراض أخرى، لأن قسم الإنعاش غير مناسب البتة لمرض “كوفيد19”. فهذا المستشفى، الذي بني منذ قرن مضى، بنيته التحتية كارثية، وهندسة قسم الإنعاش لا تناسب حالات الوباء؛ لأنه يفتقر لتقنية معالجة الهواء، وهو عبارة عن فضاء مغلق لا يتوفر على نوافد، وهذا الأمر كنا نعاني منه خلال علاج أمراض الصدر، فما بالك بمرض كورونا”، تحكي أسماء الزهوري.
وتتابع الممرضة ذاتها: “معضلة قسم الإنعاش أنه غير صالح لاستقبال مرضى كورونا، له باب واحد ويستحيل أن تعزل المرضى عن بعضهم البعض بقاعاته، فالمريض يشاهد جثث الوفيات بالوباء بعينيه، ويشكو من الانقطاع المتكرر للماء والكهرباء، التي تمد الأجهزة الطبية بالطاقة، والمسالك الطرقية متردية ومسار “كوفيد19″ مشكلة أخرى”.
“معاناة الأطر الصحية التي تم التخلي عنها تجابه المرضى وذويهم فانهارت نفسيا، لأنها تعمل دون أجهزة ونقص مهول في الموارد البشرية، وتعويض ضعيف عن المجهود، ومعاناة نقل العدوى لأسرهم، وتحديد الإدارة الجهوية لسقف المستفيدين من تحاليل PCR، في 50 إجراء يوميا يشمل المرضى والأطر الصحية، معضلة أخرى”، تضيف المتحدثة.
وفي بيان توصلت به هسبريس، تساءلت جمعيات من المجتمع المدني عن سبب ضعف التجهيزات الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي والكشوفات خصوصا في مستشفى ابن زهر، وتأسفت على ما وصفته بـ”التعامل المهين في حق بعض المواطنين الذين تظهر عليهم أعراض الفيروس”.
واستنكرت هذه الوثيقة المذيلة بتوقيعات عديدة تأخر الإعلان عن موعد الفحوصات التي فاقت مدتها ثلاثة أسابيع، وإرشادهم الى اعتماد البروتوكول العلاجي دون متابعتهم الطبية أو إحصاء مخالطيهم.
وسجلت هذه الجمعيات أن الوضعية الكارثية جاءت كنتيجة للإهمال والتقصير في أداء المهام، وغياب تصور إستراتيجي منذ شهر مارس، وتوالي القرارات الارتجالية والمرتبكة، أمام صمت القبور المتمثل أساساً في النواب البرلمانيين والمستشارين ومدبري الشأن المحلي وأعضاء الغرف المهنية والتجارية.
وتساءل البيان عن حصيلة القرارات التي خنقت مدينة مراكش اقتصاديا واجتماعيا منذ شهر مارس دون تحقيق نتائج واضحة على مسار تطور الفيروس، وشردت العديد من العمال وتسببت في إفلاس مقاولات؛ ومعاناة المراكشيين الذين ارتبط قوتهم اليومي بالقطاع السياحي.
وناشدت الجمعيات رئيس الحكومة من أجل اعتماد إجراءات وتدابير استعجالية لإنقاذ مراكش من السكتة القلبية وحمايتها من تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتصحيح اختلالات المنظومة الصحية عبر الإنصات إلى المقترحات والأفكار وتوفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية.