عندما قدم نجم نادي برشلونة وأسطورة كرة القدم ليونيل ميسي طلب رحيله من النادي يوم الثلاثاء، أثار النبأ ردود فعل واسعة النطاق.
وثارت تساؤلات، مثل: لماذا يريد ميسي الرحيل؟ وإلى أين سينتقل؟ وما المقابل المادي لانتقاله؟
بيد أن السطر التالي في الخبر هو المهم حقا: “أرسل اللاعب الدولي الأرجنتيني (33 عاما) رسالة بالفاكس إلى النادي يوم الثلاثاء قال فيها إنه يرغب في تفعيل بند في عقده، يسمح له بالمغادرة مجانا وعلى الفور”.
هل أرسل الطلب باستخدام الفاكس حقا؟
ما هو الفاكس؟
تخيل أن تكتب بخط اليد ما تريد أن تقوله في رسالة بريد إلكتروني، ثم مسح ما كتبته ضوئيا على ورقة وإدخال الورقة في جهاز يجمع بين الهاتف والطابعة، كي تصل إلى المستلم الذي يطبعها ليقرأها قبل كتابة رده.
هذا هو جوهر الفاكس.
إذا بدا ذلك أمرا قديما جدا، فهذا لأنه بالفعل كذلك.
براءة اختراع الجهاز سُجلت أول مرة على يد صانع الساعات الاسكتلندي ألكسندر باين في عام 1843، قبل وقت طويل من اختراع الهاتف.
كانت الفكرة تقوم على تأرجح بندول فوق خط مرسوم بالنحاس. وفي كل مرة يصطدم البندول بالنحاس، يرسل إشارة كهربائية إلى بندول آخر، ينسخ الصورة نفسها.
كانت النسخة صورة طبق الأصل، وهو ما يُعرف باسم “facsimile” أو “فاكس” اختصارا.
تطورت الفكرة لاحقا لإرسال الإشارات الكهربائية عبر أسلاك التليغراف (نعم، حتى ذلك الوقت لم يكن الهاتف قد اختُرع) وأصبح بالإمكان إرسال الفاكس لمسافات طويلة.
وبالطبع تطورت أجهزة الفاكس من البندول والرسوم النحاسية، لكن مفهوم عملها الأساسي ظل كما هو.
بدأت ذروة استخدام أجهزة الفاكس بالفعل في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. (نفس الوقت تقريبا الذي وُلد فيه ميسي)
كانت تلك هي الفترة التي سبقت مباشرة انتشار البريد الإلكتروني، وكان الفاكس أسرع طريقة لإرسال واستقبال المستندات.
كانت الأوراق تُرسل – ولا تزال أحيانا – بين الشركات بالفاكس، لاسيما عندما يكون من المطلوب الحصول على توقيع ما.
وظلت تُستخدم على نحو جيد خلال العقد الأول من القرن الحالي. ولا يزال الناس يذكرون سماع ذلك الصرير المؤلم للآذان عند اتصالهم بالخطأ برقم فاكس بدلا من رقم هاتف.
يأبى الموت
كانت أشرطة الكاسيت، وأشرطة الفيديو من نوع (في إتش إس) VHS وأجهزة الآتاري لألعاب الفيديو، أبرز ما يميز فترة الثمانينيات. لكنها لم تدم طويلا حتى القرن الحادي والعشرين.
بيد أن الفاكس استطاع ذلك بطريقة ما.
نشرت بي بي سي قصة في عام 2003- حين تأكد بزوغ نجم البريد الإلكتروني – تشرح فيها كيف كان إرسال الرسائل بالفاكس آنذاك “أكثر شيوعا من أي وقت مضى”.
في الواقع، تحدثت القصة عن كيف أنه كان من الشائع طباعة مستند إلكتروني وإرساله بالفاكس إلى شخص يقوم بعد ذلك بكتابته في النهاية.
لحسن الحظ، لا نرى اليوم هذا النوع من عدم الكفاءة، لأن أجهزة الفاكس عفا عليها الزمن أخيرا.
أو لنقل عفا عليها الزمن تقريبا.
فلا يزال المحامون يرسلون المستندات القانونية بالفاكس عندما تكون التوقيعات ضرورية.
وفقط في عام 2018، مُنعت هيئة التأمين الصحي البريطانية من شراء المزيد من أجهزة الفاكس.
وجاء القرار بعد أن أظهر مسح استعانة الهيئة بنحو 9 آلاف جهاز فاكس في شتى أرجاء إنجلترا لإرسال مستندات مثل التاريخ الطبي للمرضى.
وطُلب من هيئة التأمين الصحي البريطانية التوقف عن استخدام الأجهزة بحلول مارس/ آذار الماضي، واستخدام البريد الإلكتروني بدلا منها.
وقد ينتهي زمن الفاكس بالنسبة للمحامين أيضا.
وكانت شركة التوقيع الإلكتروني “DocuSign” قد أعلنت مؤخرا تسجيل إيرادات سنوية قدرها 974 مليون دولار، وهو ما يشير إلى أن التوقيعات الإلكترونية أصبحت عملا تجاريا مربحا جدا.
فاكس أم بوروفاكس؟
حسنا، لنعود إلى قصة ميسي، لأن هناك شيئا آخر في القصة وراء ما يسمى بالفاكس.
يشير العديد من الأشخاص عبر الإنترنت إلى أن رسالة اللاعب ربما لم تكن مرسلة بالفاكس بالمعنى القديم للكلمة في ثمانينيات القرن الماضي.
لقد أرسل ميسي الرسالة عن طريقة خدمة يطلق عليها “بوروفاكس”، وهي أسلوب لتسليم المستندات المسجّل بعلم الوصول.
وثمة احتمال أن يكون محاموه قد أرسلوا ملفا بصيغة (بي دي إف) عبر خدمة البريد الإسبانية، ومن ثم يتعين على نادي برشلونة الإقرار باستلام الرسالة.
ويعني ذلك، في إسبانيا، وجود دليل قانوني على ماهية ما تم إرساله وفي أي تاريخ أُرسل.
وقد يفيد ذلك إن شابت الفوضى خلافا بين برشلونة وميسي.
ويختلف الطرفان على بند في عقده بقيمة 700 مليون يورو، لذا قد ينتهي الأمر برفع دعوى قضائية أمام المحكمة.
لكن من يعرف؟ ربما أرسل ميسي بالفعل طلب رحيله من النادي عن طريق جهاز فاكس قديم من قصر بملايين اليورو.
وكما يقول الكاتب الرياضي، ريان بالدي، فإن ميسي لم يكن أبدا من النوع الذي يلتزم بالتعليمات بحذافيرها.