هل أنت أميّ؟ إذا أجبت على هذا السؤال بشكلٍ تقليدي فبالتأكيد ستكون إجابتك “لا” لأنك ببساطة تقرأ الآن هذه المقالة، وعلى الأغلب فأنت تعرف الكتابة أيضاً، وإذا أجبت وفق مقاييس الوقت الراهن التي تقيس مدى أميّة الشخص وفقاً لإتقانه للتكنولوجيا بشكلٍ عام والحاسوب بشكل خاص فسيكون الجواب بين نعم ولا، فأنت الآن تستخدم جهاز حاسوب أو هاتفاً ذكياً لقراءة هذه الأسطر، لكن إذا سألتك هذا السؤال في المستقبل القريب فهل أنت مستعد للإجابة بـ “لا”، فالمؤشرات تدل على أنّ عدم إتقان لغة برمجة وعدم فهم آلية الذكاء الاصطناعي (أو على الأقل آلية عمل لغات البرمجة) سيُعتبر مقياس الأميّة في المستقبل. بناءً على ذلك، فإن البدء بفهم وتعلّم البرمجة أصبح أمراً ضرورياً في سوق العمل.
تبسيط البرمجة
لنبدأ بوضع تعريفٍ بسيطٍ للبرمجة، البرمجة هي عبارة عن أوامرٍ مرتبة مكتوبة بلغةٍ يسهل على الآلة فهمها، يقوم الحاسوب أو النظام الحاسوبي بتنفيذ هذه الأوامر حسب الترتيب وبذلك يكون الحاسوب أو النظام الحاسوبي قد نفذ المهمة المُضمنة في الأوامر.
ما أقصده هنا بالنظام الحاسوبي هو أيّ جهاز يحتوي على معالج مصغر. على سبيل المثال، تحتوي غسالات الملابس الحالية على أنظمة حاسوبية مصغرة نستطيع توجيه الأوامر لها عبر الأزرار، بالتالي تصبح الآلات غير نافعة بدون البرمجة.
نقوم عن طريق البرمجة بتوجيه الأوامر للأجهزة والآلات لتقوم بالوظيفة المطلوبة منها. على سبيل المثال، بُرمج هاتفك المحمول ليقوم بفتح تطبيق الواتس آب عند النقر على رمز البرنامج، وكذلك بُرمج الواتس آب ليظهر لك الخيارات عند النقر على اسم أو رقم أحد جهات الاتصال لديك.
لماذا البرمجة مهمة؟
أنظر حولك الآن، كم جهازاً أو آلة ترى؟ حتى وإن لم ترفع عينك عما تقرأه الآن فأنت ترى الجهاز الذي تقرأ منه.
عملياً أصحبت الحياة بدون التكنولوجيا شبه مستحيلة، فنحن بطريقةٍ أو بأخرى نستخدم التكنولوجيا يوميا كالتلفاز والجوال والحاسوب والإنترنت والغسالة والسيارة وآلة صنع القهوة وغيرها الكثير.
بدون البرمجة يصبح كل ما ذكرنا وما لم نذكره أيضاً من الآلات دون نفع كما ذكرت سابقاً، وستصبح جمادات بأشكالٍ مختلفة لا يمكن تحصيل الاستفادة المطلوبة منها.
هل يجب أن أتعلم البرمجة؟
هنا كأنك تسأل هل يجب أن أتعلم القراءة والكتابة! نحن محاطون بأجهزة إلكترونية تعمل كلٌ منها على عدد لا يحصى من البرامج التي تعمل على رمزٍ من نوع ما. يعتمد عالمنا الحديث يوماً بعد يوم بشكل أكبر على الإنترنت، إذ يُطلب من القوى العاملة أن تكون أكثر فأكثر معرفةً بالحاسوب وفهم أساسياته مع مرور كل عام. هل من الممكن أن تجد عملاً إذا كنت أميّاً في يومنا هذا؟ اسأل نفسك أيضاً، هل من الممكن أن تجد عملاً بعد عشر سنين مثلاً إذا كنت أميّاً في مجال علم الحاسوب؟
الإجابة على السؤالين ستدفعنا للتفكير التالي، من المهم كسب العيش بالحصول على فهم جيد لقواعد اللغة والهجاء والحساب وذلك في عالم يكتفي بهذا الحد ولكن عندما تصبح الحياة معتمدة على التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية يصبح الجمهور “غير الأميّ” بعيداً أكثر فأكثر عن كيفية عملها. على الرغم من تصميمها واختبارها بشكلٍ شامل لتكون بديهية للاستخدام قدر الإمكان، إلا أنّ طريقة عملها تصبح سريعاً نوعاً من السحر للجميع باستثناء الذين محوّ أميّتهم التكنولوجية.
بصرف النظر أيضاً عن الشركات ضمن قطاع التكنولوجيا، فهناك ازدياد ملحوظ في عدد الشركات التي تعتمد على البرمجة ولا عجب أنّ الوظائف المتعلقة بالبرمجة تندرج بشكل سنوي ضمن المراتب العشر الأولى بين أفضل وظائف العالم.
مهندس البرمجيات يمكن أن يجد نفسه يعمل لدى إحدى الشركات الكبيرة مثل آبل أو جوجل، بقدر ما يستطيع العمل في مستشفى أو شركة تصنيع سيارات.
لماذا تعد البرمجة مهمة للمستقبل؟
إذا قمنا بتحييد كل ما ذكرناه سابقاً عن أهمية البرمجة والمجالات المستخدمة فيها حالياً وفوائدها على جميع المستويات، فإنها تعدّ أمراً حاسماً أيضاً عندما يتعلق الأمر بتعلم كيفية الابتكار وإنشاء حلول صديقة للبيئة للمشكلات العالمية المعاصرة. كما أنه تساعد في تسريع عمليات الإدخال والإخراج في الأجهزة وتساعد على تطوير القدرة على أتمتة البيانات والمعلومات وجمعها وإدارتها بشكلٍ صحيح. ولا ننسى أنّ مئات الجامعات والآلاف الأساتذة والطلاب والممارسين الذين يدرسون ويتعلمون ويمارسون تخصص البرمجة.
إنّ الاعتماد على التكنولوجيا بشكلٍ عام وعلى الذكاء الاصطناعي بشكلٍ خاص يزداد بشكل يومي وأصبح أمراً لا بد منه من أجل استمرار التقدم البشري والحصول على حياةٍ أكثر راحةً ورفاهية. إذا قمت بإجراء بحثٍ صغير على الإنترنت ستجد مهناً انقرضت اليوم بسبب التكنولوجيا، فقد حلّ محلها إما آلة أو برنامج يقوم بعمل تلك الوظائف، وكذلك هناك العديد من المهن المهددة بالانقراض حالياً وبعضها بداً بالتلاشي فعلياً. على سبيل المثال لنأخذ المهن المتعلقة بالطباعة والنشر، فقد أحدث التطور التقني وثورة الإنترنت صدمةً للعاملين ضمن هذا المجال، فمع انخفاض مبيعات الجرائد الورقية عاماً بعد عام، وجد الكثير من كُتاب الصحف الورقية أنفسهم بلا عمل ومن أراد الاستمرار توجب عليه أن يطور من نفسه ويتجه نحو الصحافة الإلكترونية والتدوين. إضافةً إلى القضاء على المهن التي تتعلق بالطباعة والفرز وتوابعه فقد أصبح كل هذا عمليةً أوتوماتيكية تجري بشكلٍ أسرع وأدق.
التكنولوجيا وضعت الكثير من المهن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تواكب التطور التكنولوجي أو أن تصبح تراثاً نتذكره ونراه في متاحف المهن، وذلك لأنّ الأنظمة التكنولوجية والروبوتية المُبرمجة ستصبح قادرةً على حلّ محلها بكلفةٍ أقل وفعاليةٍ أكبر.
لكن يجب ألا نكون سلبيين، فبالتزامن مع تلاشي المهن السالف ذكرها، يجري استحداث وظائف جديدةً تواكب المجالات الجديد المبتكرة، فمثلاً مع التحوّل نحو الصحف الإلكترونية خُلقت وظائف جديدة متعلقة بالإعلانات الإلكترونية التي تعمل أوتوماتيكيا بمجرد النقر على عنوان الخبر. يوجد في يومنا هذا أيضا مهنٌ لم تكن موجودة في السابق مثل مبرمجي تطبيقات الهواتف الذكية ومديري الأمن الإلكتروني ومطوري الحوسبة السحابية.
الخلاصة هي أنّ الخط البياني للاعتماد على البرمجة والذكاء الاصطناعي في سوق العمل يتزايد كل يومٍ بتسارع أكبر من اليوم الذي سبقه، حتى وإن كانت هناك أخطاء ضمن عمل الآلات والبرامج فتلافي تلك الأخطاء وإيجاد حلول لها أيضاً يجاري تسارع هذا الخط البياني، كما أنّ مدّ الذكاء الاصطناعي إن صح التعبير يُغرق يوماً بعد يوم مجالات لم يكن أحدٌ يتوقعها، كالسيارات ذاتية القيادة مثلاً أو توصيل الطلبات. لذا من يود الاستمرار في التقدم أو على الأقل البقاء في مكانه فيجب أن يواكب أو يجاري هذا الخط البياني.