بينما تعمل وزارة الداخلية على تطبيق إجراءاتِ العزل والتأديب في حق عدد من رؤساء الجماعات الترابية لإضفاء الحكامة على مشاريع وصفقات هذه المؤسسات المنتخبة، تعيش جماعة ترميكت، المجاورة لورزازات، والتي يناهز تعداد سكانها خمسين ألف نسمة، على وقع قضية استفادةٍ من بقع أرضية يقول موظفو الجماعة إنها تفوح منها رائحة الفساد وخرق القانون.

ويتعلق الأمر بوعاء عقاري تناهز مساحته الإجمالية أربعة آلاف متر مربع، وتعود ملكيته إلى جماعة ترميكت، التي عمل مجلسها سنة 2008 على تحويله إلى بقع ليستفيد منها موظفو الجماعة وعمالها، في إطار الأعمال الاجتماعية الموجهة إليهم، بُغية مساعدتهم على تملك سكن بمقابل مالي سيتم تحديده لاحقا.

ولأجل هذه الغاية تمّ تأسيس “ودادية الوفاق لعمال وموظفي جماعة ترميكت”، لكنّ استفادة الموظفين والعمال من البقع لم تتم، إذ كانت هناك أطماع من طرف أعضاء المجلس للاستفادة بدورهم، وهو ما تحفّظ عليه رئيس الجماعة السابق، مما دفعه إلى عدم توقيع عقد تفويت الوعاء العقاري إلى الودادية، وجُمّد المشروع.

وبعد رحيل الرئيس السابق لجماعة ترميكت، غداة الانتخابات الجماعية لسنة 2015، طفت على السطح من جديد أطماع أعضاء المجلس الجماعي الجديد للاستفادة من البقع الأرضية الموجهة إلى الموظفين والعمال، وكان “أوّل ملف وُضع على مكتب رئيس المجلس الجماعي هو إيجاد طريق ومنفذ لاستفادة الأعضاء من بقع أرضية في الوعاء العقاري الذي تسيّره الودادية”، يقول عبد الهادي إيك، موظف في المجلس الجماعي بترميكت.

وحسب الإفادات التي قدمها إيك لهسبريس، فإن المجلس الجماعي وقع عقدا لبيع الوعاء العقاري المملوك للجماعة إلى الودادية، على أن يستفيد منه جميع أعضاء الجماعة، وعددهم 29 عضوا، رغم أن القانون يمنع أعضاء المجلس من الاستفادة.

في المقابل تمّ منع 18 موظفا التحقوا بالجماعة، سنتي 2013 و2015، من الاستفادة، رغم أنهم الأحق بها. وبعد ذلك فوجئ الموظفون، الذين تمت الموافقة على استفادتهم من بقع أرضية، بمطالبتهم بتحويل سبعة ملايين سنتيم إلى حساب الودادية كدفعة أولى، وإلا حُرموا من الاستفادة، ولم تُمنحهم سوى مهلة شهر، حسب إفادة إيك.

هذا المعطى أكده إشعار وجهه رئيس “ودادية الوفاق لعمال وموظفي جماعة ترميكت”، جاء فيه أنه “يتعين عليكم دفع مبلغ 70000.00 درهم كدفعة أولى قصد استفادتكم من بقعة أرضية بالودادية المذكورة، وذلك بالحساب البنكي (…)”. وتضيف الوثيقة ذاتها “في حالة تخلفكم عن الدفع في الأجل المذكور فإن استفادتكم تُعتبر لاغية”.

وبما أن أغلب الموظفين لم يقدروا على دفع المبلغ المالي الذي طُلب منهم لقاء الاستفادة من بقع أرضية، فقد تنازلوا عنها لفائدة سماسرة عقار قال مولاي علي الهاشمي، موظف بجماعة ترميكت، إنهم تحركوا على نطاق واسع لشراء تلك البقع، دون أن يُعرف لفائدة أي جهة كانوا يشتغلون.

المثير في قضية توزيع بقع الوعاء العقاري، التي اتُّخذت في الأول كمبادرة اجتماعية لفائدة موظفي وعمال جماعة ترميكت، هو أن هذا الوعاء يضمّ 102 بقعة، تتراوح مساحتها بين 100 و240 مترا مربعا، لكنّ عدد المستفيدين لا يتعدى 88 مستفيدا، بعد أن اضطر الموظفون الثمانية عشر إلى اقتسام بقع مع زملائهم، ويتساءل الموظفون: لمَن مُنح ما تبقى من البقع؟

وحسب المعلومات المتوفرة، فإن الجواب الذي قدّمه رئيس المجلس الجماعي عن سؤال: “أين بقية البُقع؟”، هو “أنّها مُنحت لأشخاص أسدوا لنا خدمة في إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود”.

هذه “المنحة” التي مُنحت للأشخاص الذين سهّلوا مأمورية إنجاز المشروع المذكور، دون أن يُعرف مَن هم بالضبط، اعتبرها إيك “رشوة مقننة”، مضيفا “إذا كان الملف سليما ولا تشوبه أي اختلالات فهو لا يحتاج إلى تقديم أي مقابل لكي يمرّ عبر المساطر الإدارية الجاري بها العمل”. وأوضح أن رئيس الودادية لم يُدل بلائحة المستفيدين من البقع كاملة “لنعرف مَن الذي استفاد من البقع المتبقية”.

وأردف المتحدث أن الموظفين الذين لم يتقبّلوا إرغامهم على اقتسام البقع الأرضية الممنوحة لهم مع زملائهم، أو الذين يعارضون استفادة أعضاء المجلس الجماعي من البقع، يتمّ تهديدهم والتضييق عليهم بشتى الوسائل من أجل إرغامهم على السكوت.

وبالعودة إلى المادة 65 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية، فإن كل عضو من أعضاء مجلس الجماعة “يُمنع عليه أن يربط مصالح خاصة مع الجماعة”. ويرى إيك أن استفادة أعضاء المجلس الجماعي لترميكت من بقع ضمن وعاء عقاري يعود إلى الجماعة نفسها، فيها إخلال بالمادة 65 من القانون التنظيمي للجماعات، “وتُوجب العزل”.

وأضاف أن الودادية، التي أوكلت إليها مهمة تدبير الوعاء العقاري المثير لعلامات الاستفهام والشبهات، توجد هي أيضا في وضعية غير قانونية، بعد انتهاء صلاحية قانونها الأساسي، دون أن تعقد أي جمع عام منذ سنة 2012. كما أن رئيسها سبق أن حكم عليه بالسجن في ملف آخر يتعلق بالترامي على العقار، علما أن القانون يُسقط صفة العضوية عن أعضاء مكاتب الجمعيات والوداديات في مثل هذه الحالات، يقول إيك.

وحسب ما جاء في شكايتين رفعهما عبد الهادي إيك ومولاي علي الهاشمي إلى عامل إقليم ورزازات، ولم يتلقيا بشأنهما أي رد، فإن الموظفين الذين تدبّروا مبلغ القسط الأول المحدد في سبعة ملايين، ودفعوه في حساب الودادية تحت طائلة حرمانهم من الاستفادة، لم يتسلموا بقعهم بعد.

هذه الاختلالات التي شابت عملية توزيع البقع المخصصة لموظفي وعمال جماعة ترميكت وصلت إلى وزارة الداخلية، حيث أكدت الوزارة، في جواب على شكاية تقدم بها إيك، بتاريخ 27 فبراير الماضي، أن الشكاية توصلت بها المفتشية العامة للإدارة الترابية، داعية المشتكي إلى ربط الاتصال بمصالح عمالة إقليم ورزازات من أجل تتبع مآل شكايته.

كما طالب إيك والهاشمي، في شكاية أخرى وجهت إلى عامل إقليم ورزازات بتاريخ 20 ماي 2019، بتطبيق المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات المحلية ضد أعضاء مجلس جماعة ترميكت المستفيدين من البقع الأرضية، “وذلك بإحالتهم على أنظار المحكمة الإدارية لقول كلمتها في حقهم”. ولم يتسنّ لنا أخذ رأي رئيس الجماعة المعني، حيث اتصلنا به وكان جوابه أنه سيعيد الاتصال بنا، لكنه لم يفعل.

hespress.com