منذ سنة 1962 وإلى غاية 2011، نصّت جميع دساتير المملكة الستة على الإضراب كحق مضمون، لكن إلى حدود الساعة، أي بعد 58 عاماً، لم يُعتمد أي قانون تنظيمي يوضح شروطه والإجراءات اللازمة لممارسته.

ونص دستور 2011 المعمول به حالياً في المغرب ضمن الفصل 29 على أن “حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”، وبعد مضي 5 سنوات صادق المجلس الوزاري في شتنبر من سنة 2016 على أول مشروع قانون تنظيمي يُنظم هذا الحق في المغرب، لكنه لم ينه بعد المسطرة التشريعية ليصبح ساري المفعول.

وبعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري، أُحيل مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مجلس النواب، وبقي هناك دون مناقشة لأربع سنوات، وهو اليوم محط جدل بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

وفي خُطوة مفاجئة، قررت حكومة سعد الدين العثماني عرض هذا النص للدراسة، الأسبوع الجاري، وما لبثت أن أجلت ذلك؛ وبين ترددها وتخوف النقابات، يترقب أرباب العمل تطبيق هذا القانون الذي كان التزاماً ضمن الاتفاق الاجتماعي لـ25 أبريل لسنة 2019.

ويكتسي هذا القانون أهمية كبيرة، لكونه ينظم لأول مرة حق ممارسة الإضراب من طرف الموظفين العموميين والأجراء في القطاع الخاص، كما أن القوانين التنظيمية تُصنف في منزلة موالية بعد الدستور لأنها مكملة له، إذ لن يتم التصريح بتنفيذ القانون إلا بعد موافقة المحكمة الدستورية بعد النظر في مدى احترامه للدستور.

قانون مهم

يقول هشام الزوانات، رئيس اللجنة الاجتماعية في الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، إن مشروع القانون التنظيمي الخاص بممارسة حق الإضراب يُعتبر نقطةً رئيسية ضمن الاتفاق الاجتماعي لـ25 أبريل 2019 الموقع بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل.

وأكد الزوانات، في حديث لهسبريس، أن “الاقتصاد المغربي في حاجة إلى هذا النص”، وزاد: “حق الإضراب منصوص عليه في جميع دساتير المملكة منذ أكثر من نصف قرن ولذلك يجب اعتماده، والأهم بالنسبة لنا هو إيجاد توافق حول مضامينه”.

ويشدد المسؤول داخل تنظيم “الباطرونا” على أن “المغرب يعيش أزمة رُبما ستخلق بعض النزاعات،”، مشيراً إلى أن “مشروع القانون التنظيمي الخاص بالإضراب يحاول الحد من النزاعات من خلال عدد من الإجراءات، من بينها التفاوض والحوار الاجتماعي الداخلي لتأجيل الإضراب ما أمكن، لكي لا يتم الإضرار بالمقاولات”.

وأورد الزوانات أن “الاتحاد العام لمقاولات المغرب يُحبذ اعتماد هذا النص التشريعي دون تأخير إضافي لأنه يتضمن إجراءات عدة لفائدة الشركات”، مؤكداً أنه “حالة وُجود نقاط خلافية يمكن حلها عن طريق الأخذ والرد ضمن غرفتي البرلمان بهدف تقريب وجهات النظر”.

رفض نقابي

تُجمع النقابات في المغرب على رفض مضامين هذا النص التشريعي وتطالب بتعديله بناءً على خلاصات حوار اجتماعي مع الحكومة وأرباب العمل، وهو ما تتجه الحكومة إلى القيام به في الأيام المقبلة.

وترى نقابة الاتحاد المغربي للشغل أن النص التشريعي الذي يُوجَد في البرلمان يعمل على “تكبيل حق الإضراب من خلال مجموعة من المقتضيات التراجعية”، كما تؤكد أن مقتضياته “ستُجهز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بدل حمايتها”.

فيما تؤكد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن هذا مشروع “يفرض شروطاً جديدة لممارسة حق الإضراب، ويفتح المجال أمام الانتهاكات الصارخة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمال والعاملات”.

وقد اعترضت جُل النقابات على هذا النص من حيث الشكل والمضمون معاً، واتهمت الحكومة باستغلال جائحة كورونا لتمريره. وفي المقابل تؤكد الحكومة أن عرض النص على البرلمان يعني إمكانية تقديم تعديلات عليه.

ماذا يقول النص؟

يُعرف النص الإضراب بكونه توقفاً جماعياً عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشر للأجراء المضربين.

ويوضح النص أن إمكانية ممارسة حق الإضراب مكفولة للأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، أي الأُجراء في القطاع الخاص، والموظفين والأعوان والمستخدمين لدى إدارات الدولة والمقاولات العمومية والجماعات الترابية.

وحسب مضامين مشروع القانون التنظيمي فإن كل إضراب لأهداف سياسية يعتبر ممنوعاً، كما يُشير إلى أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص إلا بعد انصرام أجل ثلاثين يومياً من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.

والمقصود بالجهة الداعية إلى الإضراب، وفق مضامين النص، النقابة الأكثر تمثيلية أو ذات التمثيلية على الصعيد الوطني، أو النقابة الأكثر تمثيلية على صعيد المقاولة أو المؤسسة، وفي حالة عدم وجودها تكون النقابة التي حصلت على أكبر نسبة من مجموع عدد مندوبي الأجراء.

ويَشترط النص قبل اللجوء إلى الإضراب إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للأجراء قصد البحث عن حلول متوافق عليها، وفي حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين القيام ببذل جميع المساعي لإجراء محاولة التصالح، وفي حالة فشل ذلك يمكن حينها ممارسة الإضراب.

وفي المادة 8 منه، تضمن مشروع القانون التنظيمي مقتضى لصالح الأجراء والموظفين، إذ يَعتبر أن كل شرط تعاقدي أو التزام يقضي بتنازل الأجير عن ممارسة حق الإضراب باطلاً بقوة القانون.

كما تنص مُقتضيات النص على أن الأجراء المشاركين في الإضراب يُعتبرون في حالة توقف مؤقت عن العمل، وبذلك لا يمكنهم الاستفادة من الأجر خلال مدة إضرابهم، كما يُمنع عليهم احتلال أماكن العمل خلال الإضراب.

وتمنح المادة 28 من القانون التنظيمي لرئيس الحكومة، في حالة حدوث آفات أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية، إمكانية الأمر بصفة استثنائية بموجب قرار معلل بمنع الإضراب أو وقفه لمدة محددة.

وبخصوص القطاع العام، يجب على الجهة الداعية إلى الإضراب أن تحيط علماً المرفق المعني بقرار الإضراب سبعة أيام على الأقل قبل تاريخ الشروع الفعلي في تنفيذه.

ويُستَثنى من ممارسة الإضراب القضاة وقضاة المحاكم المالية وموظفو الدفاع الوطني والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي ورجال وأعوان السلطة والموظفون العاملون بوزارة الداخلية، والموظفون الدبلوماسيون والقنصليون وموظفو وأعوان الجمارك وإدارة السجون والوقاية المدنية.

كما يمنع أيضاً موظفو وأعوان المياه والغابات حاملو السلاح، والقيمون الدينيون، ومراقبو الملاحة الجوية والبحرية، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تكليفهم بضمان حد أدنى من الخدمة.

hespress.com