الجمعة 18 شتنبر 2020 – 13:00
بعد موجة المطالبة بتنفيذ عقوبة الإعدام التي أعقبت جريمة اغتصاب وقتل الطفل عدنان في مدينة طنجة، عبّرت أربع هيئات حقوقية مغربية عن رفضها العودة إلى تنفيذ هذه العقوبة التي توقف العمل بها منذ عام 1993، مبديّة تمسُّكها بإلغائها، بشكل نهائي، من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
ويرى الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وشبكة البرلمانيات والبرلمانيين، وشبكة المحاميات والمحامين، وشبكة الصحافيات والصحافيين ضد عقوبة الإعدام، أن هذه العقوبة “لم تكن ولن تكون أبدا حلا لمعضلات الجريمة ولا مانعا لها أو مخففا من وقعها”.
وأشارت الهيئات ذاتها إلى أن عدم فعالية عقوبة الإعدام في محاربة الجريمة أكدها الباحثون والخبراء في علم الإجرام والعقاب، وأثبتها المختصون في العلوم الاجتماعية والقانونية والإنسانية، “بعدما تأكد لهم عمليا أن العقوبة ليس لها أي تأثير على منع أو تقليص نسبة الجريمة”.
ومنذ إعلان السلطات الأمنية العثور على جثة الطفل عدنان بعد اغتصابه وقتله، ساد نقاش واسع حول عقوبة الإعدام، إذ ارتفعت أصوات كثيرة من مختلف الشرائح المجتمعية مطالبة بإعدام الجاني المفترض، بينما يعارض الحقوقيون العودة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام، بداعي أنها سالبة لحق الإنسان في الحياة.
ويقول المعارضون لعقوبة الإعدام إنها تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وحتى مع الدستور المغربي، الذي جعل من الحق في الحياة أسمى حقوق الإنسان، بينما قالت الهيئات الأربع المذكورة إن عقوبة الإعدام “مشحونة بمعاني الانتقام والثأر، ولا تفي أبدا بالغرض الحقيقي، وهو الردع وتقوية مناعة المجتمع لنفسه ولمحيطه”.
ورغم أن المغرب أوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، عمليا، منذ سنة 1982، مع تنفيذ إعدام واحد سنة 1993، فإن محاكم المملكة مازالت تُصدر أحكاما بالإعدام بلغ عددها خلال السنة الفارطة 11 حكما ابتدائيا، وعدد مماثل من الأحكام الاستئنافية. ويبلغ إجمالي عدد المحكومين بالإعدام زهاء سبعين محكوما، وفق ما جاء في التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وعلاوة على كون عقوبة الإعدام تسلب حق الإنسان في الحياة، كما تؤكد المنظمات الحقوقية المناهضة لهذه العقوبة، فإن الائتلاف والشبكات المغربية تعلل موقفها الرافض لعقوبة الإعدام أيضا بكونها “أمرا محفوفا بالمخاطر، كخطر انحراف العدالة تحت ضغوط الصراعات السياسية والسباق نحو السلطة”.
كما استحضرت الهيئات ذاتها “خطر الوقوع في أخطاء قضائية من قبَل المحاكم وصدور أحكام فاسدة أو قائمة على معطيات مغلوطة قد لا يمكن تداركها إلا بعد تنفيذ القتل”، مجددة تشبثها بإلغاء هذه العقوبة، وداعية إلى فتح “نقاش مجتمعي وطني عاجل، بهدف التفكير المسؤول والرصين في موضوع عقوبة الإعدام دون انفعال ولا مزايدات أو خلفيات”.
من جهة ثانية، أدانت الهيئات الأربع الجريمة التي راح ضحيتها الطفل عدنان، واصفة إياها بـ”الجريمة الوحشية بكل المقاييس”، وذاهبة إلى القول إنّ “دم الضحية سيبقى حيا في عروقنا وعروق كل المغاربة، وسيبقى المرحوم رمزا أمام الضمير الجماعي وشعلة حية بيننا، يذكّرنا، ويذكر كل سلطة ومسؤول بتقصيرنا في ما يحمي أطفالنا من كل أشكال الاعتداءات الجنسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وبينما يتواصل السجال الدائر بين مؤيدي ومعارضي عقوبة الإعدام في المغرب، عبر الائتلاف والشبكات المناهضة لعقوبة الإعدام عن رفضها ما سمّته “لجوء البعض إلى لغة الثأر والانتقام أو محاولة تأجيج النفوس والتلاعب بالعواطف أو التحريض على العنف عوض اختيار لغة الحوار الرزين والإقناع والنقاش المتعقّل الهادئ، الذي يفتح الفرص لمجتمعنا لمعالجة كل الملفات والقضايا التي تشغل حاضره ومستقبله ومصيره”.