![](https://t1.hespress.com/cache/thumbnail/mega/2019/07/Pedophilie_217033034.jpg)
الأحد 20 شتنبر 2020 – 20:00
يحفل المجتمع المغربي بكثير من مناطق الظل التي لا يتم تسليط الضوء عليها، بمناقشة مواضيعها جهرا، أو ما تسمى “الطابوهات”؛ وتتعلق أساسا بأمور يرى فيها أفراد المجتمع مدعاة لـ”الحشومة” و”العيب”، أو لاستحالة الخوض فيها خوفا من السلطة السياسية والدينية، كما هو الحال بالنسبة لمواضيع السياسة والدين، وبالتالي ينأوْن عن الخوض فيها جهرا، لكنّها تناقش سرّا.
الجنس واحد من أبرز “الطابوهات” في المجتمع المغربي، إذ ظلّ محاطا بسور من السرّية قبل أن تهبّ موجة الانفتاح خلال العقديْن الأخيرين، من خلال القنوات الفضائية، ثم شبكة الأنترنيت، لكنّ موضوع الجنس مازال مطبوعا بطابع السرّية، وإن كانَت رُقعة النقاش حوله شهدت توسّعا مهمّا خلال السنوات الأخيرة.
ويتجلى طابَع الصمت المحيط بالجنس في قضية اغتصاب الأطفال، إذ مازالت كثير من الأسر، خاصة ذات النزعة المحافظة، التي يتعرض أطفالها للاغتصاب، تفضّل الصمت، بل والتنازل عن حقها في متابعة المغتصبين أمام القضاء، بذريعة “عدم تشويه سمعة الأسرة”، ودرءا لـ”الفضيحة”؛ وهو ما تؤكده وقائع كثيرة حال تدخّل الجمعيات الحقوقية دون طيّها.
وإذا كان عدد من الأطفال يذهبون ضحية للاغتصاب وتُهدر حقوقهم، بسبب سيادة ثقافة “حشومة” و”عيب”، فإن الجريمة البشعة التي راح ضحيتها الطفل عدنان، الذي اغتُصب وقُتل في مدينة طنجة، لها علاقة بـ”الطابوهات” التي مازالت موجودة في المغرب، كما يرى الناشط الحقوقي أحمد عصيد.
ولا يؤدي عدم فتح النقاش حول الطابوهات الموجودة في الثقافة المغربية فقط إلى الجرائم البشعة في حق الأطفال، بل إلى “عاهات” في المجتمع، يضيف عصيد في تصريح لهسبريس، لافتا إلى أن من أبرز الطابوهات المسكوت عنها في ثقافتنا طابو الجنس، “الذي لا نناقشه بطريقة علمية وعقلانية”، وزاد: “ما عندناش تربية جنسية”.
جريمة اغتصاب وقتل الطفل عدنان جعلت “طابو الجنس” يطفو إلى السطح بقوة، بعد أن لقيت الجريمة المروعة متابعة واسعة من طرف المغاربة، ولم يعُد كثير من الآباء والأمهات يُخفون أن هناك ضرورة إلى تجاوز عقبة “حشومة”، بعدما تأكد لهم أن استمرار إحاطة الجنس بسوار الصمت ليس حلا لحماية أبنائهم، بل إنه مصدر خطر.
ويرى أحمد عصيد أن عدم نقاش طابو الجنس، عن طريق تربية جنسية سليمة، يجعل المواطنين، صغارا وكبارا، يفتقرون إلى الوعي الكافي بهذا المجال، ونتيجةُ ذلك، يُردف المتحدث، هي أن الطفل الذي يغرَّر به ينساق وراء مغتصبه لأنه لا يدري ما سوف يفعل به، بسبب غياب نقاش واضح حول التربية الجنسية داخل الأسرة.
الصمت المطبق عن موضوع الجنس لا يوجد فقط داخل الأسرة المغربية، بل في المدرسة كذلك، إذ لم تُدمج التربية الجنسية في المقررات الدراسية إلى حد الآن، ولا يزيد زادُ التلاميذ من المعرفة المتعلقة بموضوع الجنس عمّا يُلقّن لهم في دروس “التوالد عند الإنسان” في “النشاط العلمي”.
يشير عصيد في هذا الإطار إلى أن وزيرا سابقا أنجز موسوعة للتربية الجنسية ووزعها على مكتبات المؤسسات التعليمية، لكنّ هذه التجربة أجهضت، بعدما اعتبر تيار في المجتمع “أن هذا العمل تشجيع على الفاحشة”، مضيفا: “على هؤلاء أن يأتوا الآن لكي يجدوا حلولا للمشاكل التي أفرزها عدم تلقين الأطفال مبادئ التربية الجنسية”.
وإذا كان موضوع الجنس أبرز “الطابوهات” الموجودة في الثقافة المغربية، فإن هناك طابوهات أخرى فيها ما هو سياسي وما هو اجتماعي، وما هو ديني، كما يرى عصيد، معتبرا أن محاربة الطابو “تقتضي تفكيكه بالفكر والعلم، وفتح النقاش فيه مع الجميع”.