تواصل الأجهزة الأمنية بالمغرب تفكيك الخلايا الإرهابية الموالية لتنظيم “داعش”، خلال الأسابيع الأخيرة؛ فبعدما تمكّن المكتب المركزي للأبحاث القضائية من إحباط مخطط إرهابي يروم زعزعة استقرار المملكة في أواسط الشهر المنصرم، فكّك “البسيج” خلية أخرى، الاثنين الأخير، تنشط في مدينة طنجة.

وأثْنت مجموعة من البلدان والهيئات الدولية على المقاربة الأمنية الاستباقية التي تنهجها الرباط، ما يساهم في الترصّد السريع لتحركات الإرهابيين وأنشطتهم؛ ما جعل من التجربة المغربية في مكافحة الظواهر الإرهابية نموذجاً ناجحاً في المنطقة الإقليمية التي تعرف توترًا متصاعدًا.

مقاربة استباقية

وفي هذا السياق، قال كريم عايش، الباحث في السياسات العمومية، إنه “بعد توالي وقوع الشبكات الإرهابية في يد العدالة المغربية بعدد من المدن عبر ربوع المملكة، صار واضحا مدى القدرة التي يتمتع بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ومعه مديرية مراقبة التراب الوطني، في استباق النوايا الإرهابية، ووأدها في مهدها بقوة الإثبات والحجة والتلبس”.

وأضاف عايش، في تصريح لـ هسبريس، أن “ما طالَعنا به المكتب مؤخرا من مواد ومحجوزات، وما تضمنته المحاضر من اعترافات، هي أمور في غاية الخطورة، وتبين بالملموس أن للمغرب أعداء خفيين في الداخل، يخططون ويرسمون العمليات، ويهيئون المواد الكيميائية واللوازم اللوجيستيكية للقيام بأعمال إرهابية خطيرة، بقدر ما له من أعداء خارجيين ينتهزون الفرص لإحراجه وخلق المشاكل له”.

وأوضح المتحدث أنه “يجب استحضار درجة التأهب التي رفعها المغرب في تعامله مع الإرهاب، بنشره لفرق حذر داخل المدن الكبرى، في تأكيد على جاهزية الآليات المغربية الدفاعية للتدخل الفوري حينما يبرز تهديد جدي؛ وهو نقاش أُثير على المستوى الأكاديمي بخصوص العقيدة الجديدة للأمن القومي للبلدان، والذي قوامه إشراك جنود المشاة”.

وتابع شارحا: “أحيانا، يتم استعمال المدرعات في العمليات المدنية داخل الحواضر لمحاصرة التهديدات الإرهابية، بدل ترك الشرطة وقوات العمليات الخاصة تتعاطى لوحدها مع هذه العمليات؛ وهو نهج فرنسا وإسرائيل، مقابل تكوين فرق أخرى تتمتع بقدرات شبه عسكرية وتقنيات تكنولوجية عالية الدقة، وآليات حضرية ذات جودة متينة، كما تقوم به الولايات المتحدة من خلال فرق الشرطة وما يسمى بـ السوات”.

وأبرز الباحث السياسي أن “المغرب، بفضل حنكة مسؤوليه المشهود لهم بالكفاءة والذكاء والفاعلية في شخص عبد اللطيف الحموشي، أبان عن مقاربة متناسقة تجمع مختلف التجارب وتبني تراكما ميدانيا ونظريا بتكثيف التعاون بين مختلف المصالح داخل أرض الوطن ومختلف الأجهزة الدولية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما توج بلقاء خاص جمع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق، وزير خارجية الولايات المتحدة الحالي بومبيو، بالحموشي”.

ولفت الباحث أيضا إلى “الزيارة التاريخية لوزير الدفاع الأمريكي أسبر مؤخرا، لتأكيد ريادة الملك محمد السادس في ملف تحييد ومكافحة التهديدات الإرهابية على الصعيدين الوطني والقاري، لنستخلص أن الاستباقية والتنسيق الجيد، بالإضافة إلى المهنية العالية والخبرات المتعددة أهم المفاتيح التي يمتلكها المغرب في تحقيق النصر، وكشف الخطط والمخاطر في حينها، وتجنيب المغرب كوارث بشرية ومادية لا قدر الله”.

حِنكة تدبيرية

من جانبه، لفت هشام معتضد، الباحث في العلاقات الدولية المقيم بكندا، إلى أن “النموذج المغربي المتميز في مكافحة الظواهر الإرهابية بالمنطقة الإقليمية الملتهبة يستمد قوته وحنكته التدبيرية من التجربة الكبيرة التي راكمتها مختلف المؤسسات الساهرة على تدبير قطاع الأمن، والدفاع عن سلامة المواطنين، وحماية المناطق الحيوية على كل التراب الوطني”.

وأبرز معتضد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا النموذج، الذي يعتبر مرجعية على المستوى الإقليمي والدولي، يرتكز على سياسية أمنية معقدة، مبنية على تعاون أفقي وعمودي بين مختلف المؤسسات المعنية بتدبير هذا القطاع، والسهر على تقوية مكوناته لتمكين جميع الأجهزة من التدخل الميداني بشكل انفرادي، أو في إطار تنسيق جماعي ومركب لتفكيك العمليات الإجرامية، أو إحباط المخططات الإرهابية”.

وأكد الأستاذ الجامعي أنه “بالإضافة إلى سياسته الأمنية، فالنموذج المغربي جعل في صلب اهتماماته تطوير وتأهيل موارده البشرية على مستوى التكوين الأساسي من داخل مؤسساته المهنية؛ ولكن أيضًا من خلال السهر على وضع برامج التكوين المستمر للأطر والعاملين في قطاع الأمن والدفاع، لتمكينهم من التزود بالمستجدات المعرفية، وتأهيل قدراتهم الميدانية على مواجهة تطور المخططات الإجرامية والفكر الإرهابي”.

وشدد محدثنا على أن “النموذج المغربي قوّى مصداقيته الإقليمية والدولية في تدبير قطاع الأمن ومكافحة الظواهر الإرهابية، من خلال الحرص على تخويل الجانب الحقوقي والقانوني في هذا القطاع مكانته الأساسية والضرورية لضمان كل الحقوق والقوانين؛ وذلك انسجاماً مع الترسانة القانونية المغربية، واحتراما للمعاهدات الدولية المرتبطة بهذا القطاع”.

وخلص الباحث عينه إلى أن “الجانب الثقافي يلعب دورا مهما داخل النموذج المغربي المتميز؛ وذلك راجع إلى الموقع الجغرافي المغربي وتركيبته الديمغرافية، حيث إن هذين العاملين ساهما في تكوين التركيبة الفكرية لثقافة تدبير هذا القطاع الأمني، من خلال التحديات التي واجهتها الأجهزة الأمنية منذ تأسيسها”.

hespress.com