الاثنين 12 أكتوبر 2020 – 05:00
خلال السياق الاستثنائيّ الذي يمرّ مِنه المغرب والعالم أجمع، بسبب جائحة “كورونا”، أثار أكاديميّ مغربيّ متخصّص في علم النّفس إشكال الإدمان على الأجهزة الرّقميّة، خاصّة لدى الأطفال المراهقين، نظرا لما رافق هذه الحالة الطارئة من خفض للمراقبة داخل الأسر، والاعتقاد بأنّ خلال حالات الاستثناء يمكن للفرد أن يفعل ما هو غير عاديّ، فضلا عن إسهام التعليم عن بعد في تسهيل ولوج الأطفال المراهقين للوحات الإلكترونية.
جاء ذلك في ورقة بعنوان “الاستعمال المفرط للأجهزة الإلكترونيّة خلال الحَجر الصّحّيّ”، وقّعها محمد القدام، أستاذ علم النّفس المعرفيّ بجامعة محمد الخامس بالرباط، ووردت ضمن الكتاب الجماعيّ “جائحة كوفيد-19 وآثارها الاجتماعيّة والتّربويّة والنّفسيّة”، الصّادر عن “منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث”.
ودعا المتخصّص إلى “تحمّل الأسرة مسؤوليّاتها تّجاه الأطفال المراهقين” فيما يخصّ “ضبط استعمالهم للشّاشات الإلكترونية، في جميع الظّروف، حتى لا يجدوا أنفسهم في متاهة البحث عن العِلاج، وما ينتج عنه مِن عواقب وخيمة على صحّة الأطفال النفسية والعقلية، وعلى تحصيلهم الدّراسيّ، واندماجِهم الاجتماعيّ “.
وأكد الكاتب “أهمية استعانة الأسرة بمختصّين ومساعِدين لمصاحبَتهم (الأطفال) في التّعرّف على مؤشّرات الإدمان، والطّريقة المُثلى للتّعامل مع الوضع، حتى لا تتعقّد الأمور بردود فعل قد تكون خارج السياق المطلوب وتُفضي إلى توتّرات بين الأبناء والآباء”.
وتظهر أقوى مظاهر تأثير هذه الوسائل على صحّة الطّفل المراهق، حَسَبَ الورقة، حينما يصير الطّفل المراهق مهوسا بها، فـ”يتحدّث عنها حتى عندما لا يتمكّن من الوصول إليها واستعمالها، ويسخّر كلّ الإمكانات المتاحة له، من وقت ومجهود ونفوذ، في خدمة هذا الإدمان”، ويطوِّرُ، أثناء سعيه للاستمرار في استعمال هذه الأدوات، استراتيجيات مِن قبيل: رفض الدراسة، والتّظاهر بالمرض، ورفض الطّعام، والكذب، للضّغط على أوليائه لإعادة تمكينه منها.
ومِن مظاهر هذه الآفة، وفق الورقة ذاتها، “عدم مشاركة الأطفال المراهقين أفراد الأسرة في وجباتهم، وعدم الجلوس معهم لمشاهدة التلفاز، والرغبة في عدم الخروج معهم للتّنزّه. وهو ما يُفقِدُهم العلاقات التواصلية حتى داخل الأسرة، في وضع يفضي غالبا إلى شجار وخصام مع الأولياء”؛ ممّا يغذّي لدى الطّفل الإحساس بالتّهميش، ويُنتِج سلوكا انعزاليّا، وحتى انطوائيّا، يزيد مِن تعقيد المسألة، وينتهي بـ”تضييع الحياة الاجتماعيّة خارج البيت وداخله”.
وأمام المخاطر الصحية لاستعمال الأطفال والمراهقين الهواتف واللوحات الرّقميّة بإفراط، نبّه المتخصّص إلى أن تحمّل وعلاج الإدمان عامّة: “يستلزم تدخّلا مندمجا، حتى يأتي بنتائج جيّدة”، وأضاف شارحا بأن “الجانب الطبي يتدخّل بالأدوية للعِلاج، والتّخفيف من آثار انسحاب المادّة أو الموادّ مِن الجسم، كما قد يتدخّل ببعض المهدّئات والأدوية المساعِدة على تنظيم المزاج وضبط إيقاع النوم، مثلا، عند انسحاب المادّة مِن الجسم أو التّوقّف عن ممارسة سلوك بعينه”.
وعلى المستوى الاجتماعي، ذكر المتخصّص أنّ الواجب هو “تأهيل المدمن، وتسهيل إعادة إدماجه في الحياة (…)، ثم العلاج النفسي، والعلاج المعرفيّ السّلوكيّ، الذي يركَّز فيه على الجوانب السّلوكيّة والمعرفيّة والوجدانيّة للمدمن”، دون إغفال “الاهتمام بالجانب التّحفيزيّ، والمساعدة على تحمّل نتائج التّغيّر في السّلوك والمواقف بعد التّوقّف عن الإدمان، تفاديا للانتكاسة والعودة للإدمان عند مواجهة أوّل صعوبة”.
ويبقى العلاج الأمثل، بالنسبة لأستاذ علم النفس، هو “تجنيب الأطفال المراهقين السّقوط في إدمان الشاشات الإلكترونيّة”.
ومن الوسائل التي اقترحها المتخصّص على أولياء الأطفال المراهقين المعرّضين لهذه الآفة، “الطريقة البنّاءة”؛ وتعني “إبرام نوع من الاتفاق مع الطّفل المراهق حول طريقة وشروط استعمال هذه الوسائل؛ فيجب عليه الحصول على الإذن والموافَقَة قبل الاستعمال، وهو ما سيمكّنه من بناء المراقبَة الذّاتيّة الخاصّة به، والوعي بأنّ الاستعمال لا يمكن أن يكون آليا، فتتحقّق رغبته بمجرّد انطلاقِها، بل توجد اعتبارات أخرى تتدخّل في مدى المرور للفعل، أم لا”، كما يتعلّم الطفل عبر هذا أنّ “هناك شروطا، أو ثمنا يجب تأديته، للحصول على ما يريد، مثل اشتراط الأولياء الحصول على نتائج دراسيّة جيّدة، أو الإسهام في أشغال البيت، أو غير ذلك”.
ومِن بين الطرق الثلاث التي اقترحها المتخصّص محمد القدام لعلاج إدمان استعمال الأدوات الإلكترونية، “طريقة البدائل”، المبنية على “فكرة مزاولة أنشطة متعدّدة، وعدم التّركيز على نشاط وحيد، حتى لا يحدث نوع مِن التّرابط والتّبعية له”؛ ومن بين أهمّ هذه الأنشطة، وفق الورقة البحثية، “الخروج بالطّفل للتّنزّه، وربط علاقات مع أقرانه، حتى يعلم أنّه مرغوب فيه من طرف الآخرين؛ وهو ما سينعكس، طبعا، على تصوُّرِه للآخر وتقديره لذاته”، كما سيفهِمُه هذا أنّ “مصادر التّوازن النّفسيّ، والراحة، والفرح، واللعب، قد تكون خارج إطار هذه الآليات والوسائل الإلكترونيّة الجامدة”.
كما اقترح أستاذ علم النفس المعرفي بجامعة محمد الخامس بالرباط “الطريقة التّقييديّة” القائمة على “المنع، والحدّ المباشر والنّهائيّ مِن استعمال هذه الأدوات”، وهي طريقة نبّه إلى ضرورة بدئها بـ”الحدّ والتّقليص من مدّة الاستعمال اليوميّ بشكل تدريجيّ؛ حتى تنطفئ لدى الطّفل الرغبة القويّة في استعمال هذه الوسائل”، وهو ما سيمكّن من “اللجوء إلى التّخلّص من هذه الأدوات بشكل سلس لا يثير الغضب والانزعاج، حتى لا يكون لذلك أثر عكسيّ على علاقة الطفل المراهِق بوالدَيه، والتزاماته الدّراسيّة، أو سلوكه تّجاه إخوانه وأقرانه”.