الأربعاء 25 نونبر 2020 – 01:00
قال رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي بجامعة ابن زهر بأكادير، إن “صياغة قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية قد عرفت تحوّلًا تدريجيا في اتجاه التخلي عن اللغة الرمادية إلى تبني مصطلحات دقيقة تتلاءم مع ما تقتضيه التسوية السياسية”.
وبسط رضا الفلاح، في مقال له بعنوان “تحليل قاموس المصطلحات في قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية بين 2008 و2020″، تعاريف لمجموعة من المصطلحات؛ من بينها الاستفتاء، وتقرير المصير، والتوافق والرغبة في التسوية، والواقعية، والحل العملي…
وهذا نص المقال:
من خلال تحليل مضمون قاموس المصطلحات في تطورها ودينامية معانيها، وكذلك بالاعتماد على الصيغ والعبارات التي تندرج ضمنها هذه المصطلحات، يتضح أن صياغة قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية قد عرفت تحولا تدريجيا في اتجاه التخلي عن اللغة الرمادية إلى تبني مصطلحات دقيقة تتلاءم مع ما تقتضيه التسوية السياسية.
– الاستفتاء: مصطلح اختفى كليا من قاموس قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية، وقد يأتي فقط في تسمية بعثة المينورسو؛ لكن لم يُذكر إطلاقا منفصلا ومستقلا بمعناه الاصطلاحي.
– تقرير المصير: عندما يذكر هذا المصطلح مرة أو مرتين يكون دائما مقترنا بشرطين أساسيين يحيطان به ويؤطرانه؛ وهما: أولا أن يتفق مع شروط التوافق والواقعية والرغبة في التسوية التي يأتي ذكرها مسبقا لتحديد معناه، ويتم ربطه في غائيته بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وفي مقدمتها مبدأ الوحدة الترابية وسلامة الأراضي. الشرط الثاني يقترن ذكره دوما بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي، في إشارة إلى كونها تحقق معادلة التوفيق بين تقرير المصير واحترام مبدأ السيادة والسلامة الإقليميةterritorial integrity .
– التوافق والرغبة في التسوية: من 2008 إلى 2017 تم ذكره مرة واحدة في كل قرار لمجلس الأمن.. سنة 2018 حدث تطور مهم عندما أُعيد ذكره 3 مرات.. سنة 2019 وسنة 2020: تمت إعادة ذكره 5 مرات في كل قرار بما في ذلك 3 مرات في الجزء التقريري من القرار، وهو ما يوحي بتحول حاسم في التصور الأممي والدولي لمدخلات حل النزاع.
– الواقعية: من 2008 إلى 2017 تم ذكر هذا المصطلح مرة واحدة في كل قرار لمجلس الأمن بناء على توصية فان فالسوم، المبعوث الأممي السابق، الذي عبّر في آخر تقرير له سنة 2008 عن استحالة الاستفتاء ودعا إلى التحلي بالواقعية.. سنة 2018: ذُكر مرتين، ثم سنة 2019 وسنة 2020: تمت إعادة ذكره 3 مرات في كل قرار، خاصة أنه ظهر مرتين في الجزء التقريري، وبالتالي أصبحت الواقعية تشكل بوصلة الحل السياسي، وهو ما يعني أن الجري وراء الانفصال يرادف الجري وراء السراب.
– الحل العملي: ذُكر لأول مرة في قرار 2018، وأُعيد ذكره مرة واحدة في القرارات الصادرة سنتي 2019 و2020. ويشكل هذا المصطلح دعوة للأطراف الأخرى إلى الاقتراح ونيل ما هو ممكن عمليا بدل الارتكان إلى أطروحات نظرية جامدة وبائدة.
– الجزائر: تم ذكرها لأول مرة سنة 2018، حيث تكرر اسمها 3 مرات، ثم تكرر 5 مرات سنتي 2019 و2020 في كل قرار، وذُكرت بالإضافة إلى ذلك مرتين تحت وصف “دولة جارة”. في المجموع، تم ذكر الجزائر 7 مرات في القرار الأخير، وهذا دليل على أن مجلس الأمن أمسك الملف بشكله الكامل ومن موضعه الصحيح.
ومن خلال تحليل مضمون قاموس قرارات مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية نسجل 4 استنتاجات محورية وفي غاية الأهمية لفهم التحول الحاصل في تدبير النزاع على صعيد الأمم المتحدة وفي إطار صلاحيات مجلس الأمن بمقتضى الفصل السادس من الميثاق الأممي:
1. مصطلح الاستفتاء تم إقباره نهائيا، وكل من يتحدث عن الاستفتاء فهو يتحدث عن أهواء وأوهام موجهة للاستهلاك الحماسي في مخيمات تندوف أو في وسائل الإعلام الجزائرية.
2. حق تقرير المصير غاية وليست وسيلة. ولذلك، ذهب مجلس الأمن إلى التأكيد بقوة على الشروط الكفيلة بالوصول إليه، وهي التوافق والواقعية والرغبة في التسوية العملية. من هذا المنطلق، تقرير المصير لا يمكن أن يكون إلا داخليا؛ وهو ما يتجسد على أرض الواقع من خلال الجهوية الموسعة، وقد يتطور إلى صيغة للحكم الذاتي متفاوض بشأنها ومتماشية مع الشرعية الدستورية والتجارب الدولية في تعزيز صلاحيات واختصاصات الأقاليم في إطار احترام وحدة الدول وسيادتها. أما على الصعيد الاقتصادي فيجد مبدأ تقرير المصير تفعيله السليم والواقعي في النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية الذي ينسجم مع الحق في التنمية باعتباره من لبنات حق تقرير المصير.
3. ترسخت، منذ سنة 2018، القناعة لدى مجلس الأمن الدولي بأن مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 يشكل إطارا مناسبا تتحقق في إطاره الشروط التي يُعاد التأكيد عليها بقوة في القرارات الثلاثة الأخيرة بين 2018 و2020، وهي التوافق والواقعية والرغبة في التسوية العملية.
4. لقد أعاد مجلس الأمن، منذ 2018، تعريف نزاع الصحراء بوصفه نزاعا إقليميا، وبالتالي يقتضي جلوس الطرف الحقيقي في النزاع، وهو الجزائر، إلى طاولة المفاوضات، وهذا ما يحتم عليها أن تغير موقعها التقليدي كجزء من المشكلة إلى أن تصبح جزءا من الحل. لكن هذا التحول المأمول لا يمكن أن يحدث إلا في إطار تغيير جذري في عقيدة العسكر الجزائري، وتجديد كلي للهيكل النظري الذي تقوم عليه الدبلوماسية الجزائرية.