تباينت رُدود الفعل حول الإعلان عن عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية بعد سنوات من غيابها على المستوى الرسمي؛ ففي الوقت الذي رحّبت فيه عدد من الأحزاب بشكل واضح بالمستجد، اختارت أحزاب أخرى، إسلامية ويسارية، مُعارَضة التوجه الجديد للمملكة.

وأُعلن، الخميس، قرار عودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب عبر بلاغ للديوان الملكي من خلال عزم المملكة تسهيل الرحلات الجوية المباشرة بين إسرائيل والمغرب، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب الآجال، وإعادة فتح مكاتب للاتصال.

كما أعلن، في اليوم نفسه، اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على كامل صحرائه؛ وهو اعتراف ذو أهمية كبيرة لما لأمريكا من وزن سياسي واقتصادي دولي، وما يُشكل ذلك من دعم كبير للمملكة في هذا النزاع المفتعل وضربة قاضية لأعدائه، على رأسهم الجزائر وجبهة البوليساريو.

أول الأحزاب المعنية بخطوة عودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب هو حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي والقائد للائتلاف الحكومي، حيث وجد نفسه أمام مُستجد لم يكن في الحسبان واضطر إلى التأخر في إصدار بلاغ رسمي لإعلان موقفه وكأنه كان يلتقط الأنفاس من وقع الصدمة.

واختار الحزب الإسلامي، الذي يوظف قضية فلسطين في عملية الحشد والاستقطاب الجماهيري، التذكير في بلاغ له بأنه “ضد الاحتلال الصهيوني ومحاولاته تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية”.

ولم يُشر الحزب بشكل مباشر إلى إعلان الديوان الملكي استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية؛ وهو ما يؤشر على مواجهة “بيجيدي” لموقف صعب وحساس، لأنه يولي أهمية أكبر لقضية فلسطين أكثر من القضايا الوطنية، وفي الوقت نفسه هو يقود الحكومة وعليه أن يحترم قرارات رئيس الدولة.

وفي توزيع للأدوار، اعتبرت الحركة الدعوية للحزب “التوحيد والإصلاح”، عبر بلاغ لها، أن “ما أقدم عليه المغرب، الذي يرأس لجنة القدس، تطور مؤسف وخطوة مرفوضة لا تنسجم مع موقف الدعم الثابت للمغرب لفلسطين”.

وذهبت الحركة، التي تُعتبر الموجه الأيديولوجي للحزب، إلى التحذير من “خُطورة هذه التدابير المعلن عنها ومآلاتها السلبية”، مشيرةً إلى أن “هذه خطوة العلاقات مع إسرائيل تفتح الباب أمام اختراقِه للمجتمع والدولة وتهديده لتماسك النسيج المجتمعي واستقرار الوطن ووحدته”.

كما خرجت شبيبة حزب “المصباح”، التي يقودها محمد أمكراز، وزير الشغل والإدماج المهني في الحكومة الحالية، بموقف معُارض لتوجه المملكة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ بل اختار التعبير عن موقف تنظيمه الشبابي في قناة مُمولة من إيران وحزب الله، وهو ما جرّ عليه انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

موقف الرفض عبرت عنه أيضاً فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي تضم ثلاثة أحزاب يسارية، حيث قالت في بلاغ لها إنها تدين قرار تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، واعتبر أن هذا القرار “لن يأتي من بعد إلا الخزي والعار”.

كما رفضت فيدرالية اليسار الديمقراطي ما اعتبرته “مقايضة ما بين القضية الفلسطينية وقضية الصحراء”، وحذرت من ترويج ما وصفته بـ”أوهام العائدات السياحية والاقتصادية لقرار التطبيع المغربي الإسرائيلي”.

حزب النهج الديمقراطي، المحسوب على اليسار الراديكالي، قال هو الآخر، في بلاغ له، إن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل “طعنة غادرة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة المتمثلة في إقامة الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني يتعايش فيها الجميع بمختلف الهويات والأديان”.

ولم تسلم المواقف سالفة الذكر من انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر عدد من المعلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن حزب العدالة والتنمية يُمارس توزيع الأدوار بينه وبين تنظيماته، مُتهمين إياه بعدم احترام قرارات رئيس الدولة.

فيما اعتُبرت مواقف الأحزاب اليسارية بأنها مُتجاوَزة وتنهل من سياقات ماضية وتستعمل مُصطلحات قومية لم تعد تلقى صدى لدى شباب اليوم الذي أصبح مُهتماً أكثر بقضايا الداخلية، على رأسها الصحراء والشغل والديمقراطية.

وقد استعمل عدد من النشطاء المغاربة وسم “الوطن أولاً وأخيراً والباقي تفاصيل صغيرة” للتعبير عن دعمهم لمواقف المملكة فيما يخص قضية الصحراء والعلاقات مع إسرائيل، مُوضحين أن الفلسطينيين أنفسهم يعترفون بوجود دولة إسرائيل ويسعون إلى حل الدولتين.

وحلُّ الدولتين، الذي تتبناه الأمم المتحدة والمغرب أيضاً، يقوم على وجود دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية تتعايشان جنباً إلى جنب بسلام. وقد كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قد تحدث، لأول مرة سنة 1988، عن الدولتين معترفاً بذلك بدولة إسرائيل.

hespress.com