تعتبر قضية الصحراء الغربية المغربية أحد أطول الصراعات في العالم وأكثرها تعقيدا وغرابة، فأغلب الصراعات الدولية كانت بين دول حول أراض متنازع عليها، أو بين دول قائمة وشعب مطالب بالاستقلال متمايز عن شعب تلك الدولة. لكن معضلة الصحراء هي أن الصراع بين الدولة المغربية من جهة وقطاع انفصالي من شعبها لا يختلف في شيء عن الامتداد الديموغرافي والثقافي لسكانه. حيث أن عوامل مختلفة جعلت القضية تتحول إلى واقع معقد لعب فيه تدويل القضية عبر الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية وقبول المغرب بالاستفتاء دعامة قانونية وحقوقية تستند عليها الأطروحة الانفصالية. فما هي البدائل الواقعية لحل هذه المعضلة؟ وكيف يمكن تفكيك الأطروحة الانفصالية التي تمكنت طويلا من أذهان جزء من أهلنا بالصحراء؟
لا يختلف اثنان أن حل أي معضلة سياسية أو اجتماعية لا يمر إلا بدراسة دقيقة لمسار تطور القضية، ولكون هدف المقال هو طرح الحلول، فسنسرد بإيجاز الأسباب والعوامل المختلفة لتكون النزاع، والعناصر التي أطالت أمده لخمس وأربعين سنة كاملة.
كانت استراتيجية المغرب لاستكمال وحدته الترابية بُعيد الاستقلال ترتكز على تكتيك التدرج في استرجاع المناطق التابعة له قطعة قطعة؛ حيث تم استرجاع المنطقة الشمالية ومنطقة طنجة الدولية سنة 1956، طرفاية سنة 1958، سيدي إيفني سنة 1969، إقليم الساقية الحمراء سنة 1975، وإقليم واذي الذهب سنة 1978. كما قامت هذه الاستراتيجية على اعتماد الوسائل السلمية فقط دون الدخول مع إسبانيا في مواجهة مباشرة، نظر لاختلال موازين القوى بين الطرفين، وأيضا لتصلب الموقف الإسباني الذي خشي من مطالبة المغرب بمدينتي سبتة ومليلية والجزر المحتلة الأكثر أهمية لإسبانيا إن سلمت له الصحراء.
أمام اختيار المغرب عدم دعم خيار تحرير الصحراء بالوسائل العسكرية، استغلت ليبيا الفراغ ودعمت جبهة البوليساريو نكاية في النظام المغربي في ظل الصراع العربي الصفري بين الأنظمة التي كانت محسوبة على الصف الثوري والأنظمة الملكية، بعدها بقليل تدخلت الجزائر لرعاية البوليساريو بعد عدم تصديق المغرب على اتفاقية إفران لترسيم الحدود بين البلدين الموقعة سنة 1969. وكان التدخل الجزائري مؤثرا على أكثر من مستوى، كونه وفر المأوى والتدريب والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسي للجبهة الانفصالية في محافل المنتظم الدولي، وبذلك رفع الرئيس الجزائري بومدين سقف صراع النفوذ الإقليمي ضد المغرب لشغله عن المطالبة بالصحراء الشرقية أولا، ولإضعاف مركزه الجيوبوليتيكي في الشمال الإفريقي لصالح الهيمنة الجزائرية المنتشية بفائض القوة نتيجة وفرة الإيرادات النفطية ودعم المعسكر الاشتراكي، وأيضا لتصفية حسابات وأحقاد شخصية خصوصا بعد هزيمة الجيش الجزائري في حرب الرمال سنة 1963.
تحول الكثير من أهل الصحراء إلى لاجئين في مخيمات تندوف نتيجة المواجهات العسكرية بين جبهة البوليساريو مدعومة بالقوات الجزائرية التي وفرت السلاح السوفياتي النوعي والخبرة العسكرية الكوبية، وبين الجيش المغربي الذي تعرض لمتاعب كبيرة نتيجة عدم تعوده على حرب العصابات وافتقاده للخبرات العسكرية بعد إعدام وسجن الكثير من جنرالات و ضباط الجيش المخضرمين بعد انقلابي سنتي 1971 و 1972 ، وأيضا لالتزامه بالقرار السيادي بعدم مطاردة الميليشيات الانفصالية في معاقلها بتندوف خشية حرب طويلة و مدمرة مع الجزائر، ما سمح لها بالاستمرار في المناورة والمباغتة وفق تكتيكات حرب العصابات، وكان عدم وأد الهجمات نهائيا في معاقل الميليشيات هو السبب الجوهري لإطالة أمد الصراع.
قبِل المغرب بحل الاستفتاء بالقمة الإفريقية بنيروبي سنة 1983 كتكتيك لربح الوقت حتى يتمكن من إعادة تمركزه العسكري بالصحراء، حيث بدأ بتشييد جدار رملي لحماية الأقاليم الجنوبية من تأثير حرب العصابات التي سببت الكثير من الخسائر البشرية والأسرى، لكن كان لهذا الإجراء انعكاسات سلبية على حقيقة مغربية الصحراء، لكون القرار تم فهمه بأنه يتضمن نوعا من التشكيك في مغربية الصحراويين، وبأنه شعب متمايز يحق لهم تقرير المصير وفق آلية الاستفتاء التي تقبل احتمالي الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال التام عنه. واستمرت المواجهات العسكرية متأرجحة بين الطرفين، إلى أن مالت الكفة لصالح الجيش المغربي بعد تعزيز عتاده بأسلحة نوعية من الولايات المتحدة ونتيجة مباشرة لفاعلية الجدار الرملي في صد هجمات الميليشيات، بعدها بقليل توقفت المواجهات بتوقيع اتفاق إطلاق النار سنة 1991 برعاية الأمم المتحدة، حيث باشرت الأخيرة إجراء المفاوضات حول تنظيم الاستفتاء، الشيء الذي لم يتحقق طيلة 15 سنة نتيجة عدم الاتفاق بين الطرفين على من يحق لهم التصويت.
تقدم المغرب سنة 2007 باقتراح منح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية واصفا إياه بالمقترح الواقعي و المثالي لإنهاء النزاع، إلا أن المقترح رفض من طرف جبهة البوليساريو و النظام الجزائري، و ظلت المفاوضات مستمرة بدون تحقيق أي تقدم، الى أن أغلقت عناصر تابعة للبوليساريو معبر الكركرات الحدودي في وجه العبور المدني و التجاري، ما استدعى تدخلا صارما للجيش المغربي الذي أعاد فتحه بشكل نهائي بعد تحريك الجدار الرملي إلى الحدود المباشرة مع موريتانيا، عندها أعلنت جبهة البوليساريو تخليها عن اتفاق وقف إطلاق النار، لتتحول القضية الى مرحلة جديدة.
يبدو عمليا أن زمام القضية لم تعد بيد المغرب و جبهة البوليساريو فقط، كون الأمم المتحدة أصدرت قرارات متعددة لا تعترف فيها بسيادة أي من الطرفين على الصحراء قبل تنظيم استفتاء تقرير المصير، و بذلك فالقوى الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي تتحكم بمجرى الملف، و بالقطع تبتز كل الأطراف في ملف الصحراء لتحقيق مكاسب متعددة باستعمال موقفها منه، و بالرغم من أن المغرب يتحكم بثمانين في المائة من مساحة الأقاليم الصحراوية و يفرض سيادته عبر سياسة الأمر الواقع عليها، إلا أنه لم ينجز بعد الحسم التام للملف، نظرا لافتقاره الى الاعتراف الدولي لسيادته على الصحراء، و لكونه ترك منطقة عازلة خارج الجدار الرملي تحت الإشراف الإسمي لبعثة الأمم المتحدة، لكنها فعليا تحت تصرف البوليساريو التي تقيم بها تحركات عسكرية و فعاليات شعبية.
انطلاقا من المعطيات المذكورة، تتحدد السيناريوهات البديلة الواقعية لحل المشكل بشكل تام ونهائي لصالح السيادة المغربية على كل المستويات: العسكرية، السياسية والبشرية في حالتين، يضمن من خلالهما المغرب حيازة الأرض وولاء السكان وامتلاك الشرعية الدولية.
السيناريو الأول: أن يقوم المغرب بالتخلي عن خيار المفاوضات، ويعمل على تحقيق الحسم الميداني عبر عملية عسكرية كبرى يتم فيها غزو معاقل الانفصاليين ومطاردتهم أينما فروا، ومواجهة الجيش الجزائري وتحقيق انتصار عليه مهما طالت المواجهة، فوحدها الهزيمة هي من يمكن أن تفرض على النظام الجزائري التعهد بالتخلي عن دعم الانفصاليين بل وتسليم كوادرهم، لكن هذا السيناريو لن يتحقق إلا بشرطين:
أولا: تحقيق التفوق العسكري للجيش المغربي على الجيش الجزائري على كل الأصعدة الاستراتيجية والتكتيكية والتسليح النوعي، مع تغيير العقيدة العسكرية للجيش المغربي من الدفاع الى الهجوم.
ثانيا: تحقيق التوافق الدبلوماسي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي مما يسمح للمغرب بالعمل العسكري بدون نتائج عكسية، واستثمار ذلك الانتصار في المعركة القانونية بفرض واقع جديد ينتهي بشطب الملف من دوائر الأمم المتحدة، والاعتراف التام بسيادة المغرب على صحراءه.
واقعيا، يستبعد تحقيق هذا السيناريو، نظرا للقناعات السياسية للدولة المغربية التي تنبذ الحروب وتفضل التعقل والحلول السلمية حتى وإن قدم تنازلات قانونية، كالقبول بمبدأ الاستفتاء رغم إيمانه بمغربية الصحراء، وأيضا لتواتر المصاعب الاقتصادية للحكومة المغربية التي تحول دون توفير الاعتمادات المالية الكافية بالميزانية العامة الكفيلة بتحقيق التفوق العسكري.
السيناريو الثاني: أن يغير المغرب آليات إدارته للإقليم، فكل الآليات الحالية لم تنفع في كسب ولاء جل الصحراويين، بل تزايد نشاط انفصاليي الداخل أكثر من ذي قبل، إلى درجة تأسيس هيئة لكفاح ما يسمونه بالاحتلال المغربي، ولتجاوز هدا الواقع يجب على المغرب إطلاق استراتيجية متعددة المحاور تسمح بكسب الولاء الكامل للسكان عبر تفكيك الأطروحة الانفصالية لدى الجناح الموالي للبوليساريو بالداخل والخارج، ومدى نجاح هذا المخطط يحدد للسلطات العليا نسبة حظوظ الخيار الوحدوي في أي استفتاء مستقبلي.
تتضمن الاستراتيجية الجديدة العمل المتكامل بين الإدارات على حسن إدارة الإقليم والتقدم في مسار النزاع لكسب ولاء الساكنة كونه المفتاح الأساسي لحلحلة المعضلة، ويتم ذلك عبر تنفيذ المحاور التالية:
تأثير الخطاب الديني: تشجيع أي خطاب دعوي معزز للتكامل والوحدة الترابية ونبذ التفرقة بين المسلمين وإشاعة روح التسامح ونسيان الماضي خدمة لمصالح الأمة وعزتها، سواء أكان الخطاب رسميا أو عبر الجماعات الدينية الصوفية والسلفية الدعوية.
قوة الإعلام وفعالية العلاقات العامة: اعتماد خطاب إعلامي مكثف ومتنوع، لا يتكتم على الرأي الانفصالي بل يناقشه بهدوء، ويدحض دعايته ومكوناته الداعية إلى التفتيت في عصر التكتلات، ويعيد الواقعية إلى العقل الصحراوي بتفكيك وإعادة تركيب المشروع المجتمعي لديه.
تقوم المقاربة الإعلامية أيضا على تفكيك محفزات الانفصال النفسية والاقتصادية، بمعنى دعم الواقعية في خيال وفكر الصحراويين بتفنيد هذه المحفزات الطوباوية؛ فالنظام العالمي لا يسمح بتفتيت البلدان إلا تحقيقا لمصالحه في إضعافها من أجل التحكم بها ونهب ثرواتها. كما يجب أن تقوم الاستراتيجية الإعلامية على كشف حقيقة الجزائر وطموحاتها التوسعية في الهيمنة على الإقليم عبر استعمال الصحراويين كوقود لتحقيق مآربها.
حكمة الإدارة الأمنية: اعتماد مقاربة أمنية تكتيكية عوض المقاربة الأمنية الإجرائية، فاذا كانت القوات العمومية تطبق القانون بمنع التظاهرات و الوقفات التي لا تحترم اللوائح و القوانين التنظيمية، فهي في حالات معينة تساعد العناصر الانفصالية في حرب البروباغندا القائمة على المظلومية والاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان؛ فعندما يتم استفزاز السلطات الأمنية من قبل نساء ومراهقي الأطروحة الانفصالية، ترد قوات الأمن بالحزم المألوف، لكن كاميرات الدعاية الانفصالية توثق الأمر بالصوت والصورة، وتستعمل تأثير الصورة في كسب التعاطف الحقوقي الدولي، وينقلب المشهد من تنفيذ شرعي للقانون ، ليصوره الخصوم إلى اضطهاد “شعب محتل”.
كما يجب تلقيح المقاربة الأمنية بالجانب الحقوقي عبر تنفيذ تام للقوانين، والسماح لمن يريد التظاهر بذلك، شرط الالتزام باللوائح التنظيمية مع تغريم من يحمل الأعلام الانفصالية بغرامات ثقيلة كإجراء ناعم للحد من المظاهر الانفصالية في المشهد العام.
متانة الالتزام الحقوقي: يجب إيلاء حقوق الانسان مكانة مهمة في التدبير اليومي للإقليم، ولا مشاحة في السماح للانفصاليين كما الوحدويين بتنظيم التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وتوسيع هامش حرية التعبير والعمل المدني في الميادين وعبر وسائل الإعلام، فالفكرة تواجه بالفكرة. وينبغي على القيادات الإدارية والأمنية أن تتصرف بثقة وحكمة، لأن المنع والتضييق لا ينتج إلا العناد والتصادم لدى العناصر الانفصالية، وتنفيذ المقاربة الحقوقية مع العمل الدعائي المقارن بين المجال الحقوقي المغربي والانفصالي في المخيمات، يعد هدفا مؤثرا في إدارة المعركة.
شفافية الحكامة الإدارية: يفرض المنطق أن إدارة أقاليم لم تحسم قضية السيادة عليها بعد، أن تختلف عن إدارة الأقاليم الخاضعة للسيادة التامة المعترف بها دوليا، لذا يجب تغيير آليات الإدارة الترابية بما يضمن أكبر قدر من الفاعلية والحكامة في تدبير الشؤون العامة للساكنة، مع البدء في تطبيق مقررات الجهوية واللامركزية بشكل تدريجي يقوم بإشراك الصحراويين في إدارة الإقليم في ظل السياسات العامة المسطرة التي تضمن السيادة المغربية. كما يجب محاربة الفساد والريع والاغتناء غير المشروع، فهي تزيد من الحنق الشعبي المحلي على الإدارة، وتفسح المجال أمام الأطروحة الانفصالية للتمدد والترسخ في الحياة الاجتماعية للساكنة.
حيوية العمل المدني: تقوم جمعيات المجتمع المدني بعقد الندوات والجلسات الحوارية مع الأطراف الانفصالية وتساهم عبر برنامج صناعة المحاور الوطني) يتم عرض تفاصيله في مقال لاحق( في تثقيف وتنوير الساكنة الوحدويين منهم والانفصاليين بحقيقة القضية، بما يسمح بتعزيز القناعات الوحدوية، أو استبدال القناعات الانفصالية بقناعات وحدوية تعزز مغربية الصحراء.
النجاعة الدبلوماسية: استدركت الدبلوماسية المغربية بتميز واضح -بقيادة الوزير ناصر بوريطة- العجز السابق في المواجهة الدبلوماسية مع الجبهة الانفصالية، ما أدى إلى تراجع الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المزعومة؛ فبعد أن حظي الكيان الانفصالي باعتراف 84 دولة، تمكنت الدولة المغربية من دفع 56 دولة إلى تجميد أو سحب اعترافها (منذ حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي وحتى الآن)، وتعزز الاعتراف الدبلوماسي بمغربية الصحراء بفتح الكثير من دول العالم قنصليات لها في مدن الأقاليم الصحراوية.
فاعلية البحث العلمي: من الحسنات التي يمكن أن تقوي استراتيجية الإدارة الجديدة للأقاليم الصحراوية هو إشراك الباحثين في دراسة ورصد القضية، وتقديم تحليلات دقيقة وتوصيات قانونية، إدارية وحقوقية بالشؤون العامة للإقليم، خصوصا فيما يتعلق بدراسة النزوعات الذهنية والسيكولوجية والاجتماعية لمؤيدي الأطروحة الانفصالية وطرق علاجها وفق المناهج العلمية الأكاديمية، والعمل على تمكين الباحثين من الوثائق المرتبطة بالقضية بالوزارات المعنية، ودعم تفاعلهم الميداني مع مكونات الواقع الاجتماعي لساكنة المنطقة.
استقطاب اللاجئين في مخيمات تندوف ودول العالم: يقدر عدد الصحراويين بالمخيمات ودول العالم بحوالي نصف عدد الصحراويين الإجمالي، لذا يجب أن تقوم السلطات بإجراءات عملية تسهل على الراغبين في العودة الرجوع إلى الوطن، شريطة الالتزام والإقرار بالولاء للمغرب، وعدم المشاركة أو القيام بأي سلوكيات انفصالية، كما يجب أن تقوم البلديات والقنصليات ببرامج دعم هذه الفئة وتأهيلها وإدماجها في الحياة العامة بالبلاد، والهدف هو تحقيق مصالحة وطنية مع الاعتراف بانتهاكات حقوق الإنسان إن وجدت، وتعويض المتضررين منها، حتى يسهل على الملتحقين الجدد بدء صفحة جديدة في الانتماء الوطني.
الاستقطاب السياسي لمعارضي البوليساريو: لا يمكن أن تهزم عدوك بدون احتواء الشخصيات المؤثرة على جمهوره، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بدون القوة الناعمة عبر استراتيجية إعلامية تبرز تبعية الجبهة لمصالح الجزائر، وأن لا إمكانية واقعية لتحقيق وَهْم الدولة بدون الخضوع لمصالح الأخيرة ومعها القوى الكبرى، ما ينتج لدى الانفصاليين قناعة بأن الحل الواقعي والنهائي يتمثل في الرجوع إلى المغرب والنضال داخل مؤسساته من أجل حياة أفضل للجميع.
إن تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل علمي وفق معايير الأداء وآجال التنفيذ أمر لا مفر منه إن رغبت الدولة المغربية في إنهاء الملف بعيدا عن الحلول العسكرية المكلفة ماديا وبشريا، وحيث أن الابتزاز الأممي لن يتوقف عبر قرارات الأمم المتحدة غير البريئة، والتي لن تخدم إلا مصالح الدول الكبرى ومخططات تقسيم وتفتيت العالم العربي، فإنه من الضروري على المغرب أن يعتمد على ذاته و يعمل على التطبيق الفوري لكل الآليات الكفيلة بحل المعضلة سياسيا، إداريا، قانونيا واجتماعيا، قبل أن تتغير مواقف القوى الكبرى التي يمكن أن تفرض عبر قرارات مجلس الأمن واقعا يجبر فيه المغرب على التخلي عن إدارة الإقليم أو التضييق على صلاحيات إدارته له.
إن جوهر البدائل الكفيلة بحل المعضلة يتلخص في منطقين: إما أن يغير المغرب الأمر الواقع بالقوة أو يغير آليات إدارة الملف ليغير مكونات الواقع لصالحه، وهو أمر صعب للغاية نظرا لترسبات الماضي وتراكمات النزاع النفسية، الاجتماعية والقانونية، لكنها الحقيقة الحتمية التي لا مناص منها لحل معضلة الصحراء.