لم يعد الأمر سرّاً يُحرج الرّباط، فقد قرّرت الأخيرة السّير مع تيار ريح دولية تميل إلى تجاوز مرحلة التّردد والانفتاح على الدّولة الإسرائيلية، والدّفع بالعلاقات مع تل أبيب إلى مستويات متقدّمة؛ ذلك أنّ المملكة لها من الإرثٍ التاريخيّ والهوّياتي ما يمكّنها من إنجاح هذه “العودة” حتّى تمرّ في أجواء سلسة وغير مكلفة.
وإذا كان المغرب سلكَ توجّها مغايراً في علاقاته مع إسرائيل بخلاف باقي الدّول العربية، فإن ذلك راجعٌ إلى وجود أصوات داخل تل أبيب ظلّت تنادي بإخراج العلاقات بين البلدين من “المنطقة الرّمادية”، وإعلان عودة الاتصالات الدّبلوماسية رسمياً.
واستبق مسؤولون مغاربة وإسرائيليون عودة الاتّصالات الرّسمية بين البلدين بجرد منافع هذه العودة، من حيث تأثيراتها المحتملة على بعض القطاعات الحكومية، خاصة على المستوى السّياحي، إذ من المرتقب أن تستقبل المملكة 200 ألف يهودي في عامٍ واحد، بالإضافة إلى ملفّات الأمن والدّبلوماسية والثّقافة.
وبعد إعلان استكمال العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وبهدف إعداد الظروف الملائمة ليقبل الرّأي العام هذه الخطوة، خرجت الكثير من التّصريحات عن مسؤولي الأطراف الثلاثة تتحدث عن الأرباح والمكتسبات التي من شأن هذا التّقارب بين البلدين أن يحقّقها.
ومن وجهة نظر المحلّل السّياسي إلياس الموساوي فإنّ “هذه الآراء تهدف بالأساس إلى إضفاء صبغة اقتصادية واجتماعية على هذا الاتفاق أكثر من الحمولة السياسية التي تعلو بكثير على الطموحات الاقتصادية والتنموية؛ حتى إن مناقشة هذا الأمر هو سابق لأوانه بحكم عدم وضوح الرؤيا حول طبيعة العلاقات التي ستجمعُ الرباط بتل أبيب”، وفق تعبيره.
ويرى المحلّل المتخصّص في العلاقات الدّولية أنّ “هذا الاتفاق سيساهم في لم الشّمل بين اليهود الموجودين في إسرائيل ووطنهم المغرب”، مردفا: “صحيح أيضا أن هذا الأمر سيساهم في إنعاش السياحة الوطنية، نظرا للرحلات المباشرة التي ستكون بين إسرائيل والمغرب”.
“ويبقى الفوز الأكبر للمغرب سياسيا”، يقول الموساوي، مضيفاً: “إنه اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، والأمر نفسه بالنسبة لإسرائيل التي تقاربت مع دولة لها وزن كبير في إفريقيا من حجم المغرب”.
ومن النّاحية الثّقافية، يورد المحلل ذاته أنّ “المغرب وانطلاقا من تركيبته الهوياتية المتنوعة، وبهدف منع إقصاء أي مكون، عمل على سن ضمانات تمكّن الجميع من ممارسة قناعاتهم بكل حرية، حسب منطوق الفصل الثالث من الدستور”.
كما قال الموساوي إنّه “مع هذا التقارب مع إسرائيل الذي يتوقع منه أن يرفع عدد السياح بالمغرب، من المؤكد أنه سيتم ترميم وتحديث الآثار والمعابد اليهودية الكثيرة في البلاد؛ كما يتوقع أيضا العمل على إدخال خصوصية هذا المكون في المناهج الدراسية حتى تتمكن الناشئة من التعرف عن قرب على الروافد المختلفة للهوية المغربية المتنوعة”.