"خمسة وخميس"


سعيد ابن عائشة


الأربعاء 23 دجنبر 2020 – 23:10

كثر الحديث مؤخرا عن اللوبيات ودورها في تحريك الملفات الراكدة، إلى درجة أن طائرة قادمة من دولة إسرائيل حطت أمس في أجواء تحفها البهجة بمطار الرباط سلا؛ كما تابع المواطنون هنا وهناك الصور الاحتفالية طيلة مسار الطائرة من تل أبيب إلى الرباط ..

وطبعا لا تتعارض مهام اللوبيات مع “السلام”.. والمغاربة يقولون “السلام ديال الله”، لكن قليلا من المتتبعين فقط هم الذين انتبهوا إلى المشهد السريالي وفضيحة “الاستقبال البارد” الذي تورط فيه لوبي حزب العدالة والتنمية الذي يضم حركة التوحيد والإصلاح والجمعيات الموالية وخلايا الأحياء و”قناديل” في كل مكان..

من حيث الشكل، يقود حزب العدالة والتنمية الأغلبية المشكلة للحكومة منذ اليوم الذي نجح فيه في قطف ثمار حركة 20 فبراير، التي ارتكبت خطأ فادحا في تقدير الأوضاع؛ أما من حيث المضمون فإن الحزب لم يعد يمتلك أي شرعية في ما يتعلق بربط الخطاب بالممارسة السياسية، وكل ما يقدمه حتى الآن هو مبررات للبقاء في الحكومة وليس مشروعا سياسيا، إذ إن التاريخ يكاد يكرر نفسه من حيث تقليد مصير الاتحاد الاشتراكي، لولا المذهب “الدبخشي” الذي اخترعه هذا الحزب..

اليوم وصل حزب العدالة إلى أدنى درجات الشعبية في تاريخه، بعدما ساهم المنتسبون إليه في دفن رئيسهم الشعبوي بنكيران وهو على قيد الحياة، إثر عملية تصفية تنظيمية محكمة قادها وزراء “المصباح” بتنسيق مع رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، ليستنفد كل رصيد شعبي ممكن مع الكتلة الناخبة، التي لا تعكس بأي حال من الأحوال توجهات الشعب المغربي، المصطف وراء القرارات السيادية؛ إذ لا يمكن أن نتصور أن مليونا ونصف مليون ناخب صوتوا على الحزب هم الذين يمثلون توجهات 36 مليون مغربي..

أمس نزلت الطائرة الإسرائيلية في الرباط وهي تحمل شعار السلام، و”الخميسة”.. و”خمسة وخميس” على هذا الوطن من شماله إلى جنوبه، والشكر موصول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، الذي وقف وراء اعتراف أقوى دولة في العالم بمغربية الصحراء.

ولأن الأمر يتعلق بالمغرب، أقوى بلد في شمال إفريقيا، فإنه لم يفرط في القضية، والقضية هي فلسطين، حيث اشترط على الجميع هذه الفقرة التي تقول: “…هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط”.

بالتأكيد لم يقدم حزب العدالة والتنمية أي إضافة للقضية الوطنية، ولكنه يحاول من جديد قطف ثمار “السلام”، وكما وجد بعض منتسبيه رصيدا من الشعبوية للتغرير بالمواطنين في إطار التفرقة المزعومة بين الدعوي والسياسي، فقد يجدون اليوم المبررات لرد السلام على إسرائيل، ورفع شعارات مناهضة للتطبيع في التوقيت نفسه؛ لكن مغاربة 2021 ليسوا بالتأكيد مغاربة 2011، والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.

hespress.com