صلاح الدين الأيوبي هو الذي حرر فلسطين، تاريخيا، وسعد الدين العثماني هو الذي وقع أكبر اتفاق للتعاون بين أمريكا وإسرائيل والمغرب بصفته رئيس حكومة، لكن الظروف شاءت أن يكون هناك خطأ في الترجمة أثناء تقديم مراسيم التوقيع، فعاد اسم صلاح الدين ليذكر، حيث لم يكن متوقعا ذكره، والواقع أن اسم “صلاح الدين الأيوبي” ليس صحيحا بالمناسبة، وما هو إلا لقب مختصر..

داخل أسوار “تواركة” بدا العثماني مرتبكا، مثل ارتباك المترجم، وبدا وكأنه يوقع على قرار نهايته السياسية عندما وقع عن الجانب المغربي إلى جانب مئير بن شبات باسم إسرائيل، وجاريد كوشنير باسم الرئيس الأمريكي؛ وقد بدا واضحا أنه توقع بشكل استباقي “الإرهاب” الذي سيتعرض له عقب خروجه من القصر، داخل تنظيمه، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فقد ظل شعار رفض التطبيع طيلة سنوات أحد الأصول التجارية السياسية لحزب العدالة والتنمية، وحركته الدعوية التوحيد والإصلاح..

من حيث الشكل، تدخل عبد الإله بنكيران لينقذ الحزب، ولكن من حيث العمق لم يزد الطين إلا بلة، وهو يقول في خروج إعلامي بالمناسبة إن حزبه حزب مؤسسات، بمعنى أن معاتبة العثماني يجب أن تكون داخل المؤسسات؛ وهو ما يعني عمليا محاصرته كأمين عام، أو التحضير لإسقاطه، بعد محطة المجلس الوطني التي تم إعلانها لاحتواء الأزمة الداخلية المزعومة.

الذين يعرفون الحزب من الداخل يعرفون جيدا طرق التنفيس، ويعرفون مسبقا أن المحطة المقبلة للمجلس الوطني، وإن كانت تأتي في سياق المطالبة بمؤتمر استثنائي، فلن تكون إلا تكريسا لشرعية العثماني، وفرصة للدعاية لمصلحة الدولة مقابل مصلحة الحزب، وهذا غير صحيح، فالعثماني نفسه لم يكن ليصبح أمينا عاما لولا اختياره من طرف “دار المخزن” ليكون رئيسا للحكومة.

فاقد الشيء لا يعطيه، وحزب العدالة والتنمية فقد ريشه كاملا في الحكومة، وليس من مصلحته العودة للمعارضة، وسيجد كل المبررات ليوقع مرة أخرى إلى جانب إسرائيل، والنموذج في ذلك غير بعيد، من حزب العدالة والتنمية التركي، إذ تنتقد تركيا تطبيع دول خليجية مع إسرائيل، والسفارة الإسرائيلية موجودة داخل تركيا، و”الفاهم يفهم”..

أما المغرب فلم يوقع صفقة القرن، وأصر على عدم تجاوز حقوق الشعب الفلسطيني، والعملية برمتها مقتصرة على إعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي، وهو مستوى أدنى من سفارة.. لكن بعض المنتسبين إلى حزب العدالة والتنمية لا يقبلون ذلك، بمن فيهم من يوجد داخل مواقع المسؤولية.

لكن التنظيم لا يمكن أن يختار بأي حال من الأحوال التخلي عن الحكومة.. هل يمكن أن نتصور مثلا خروج العدالة والتنمية إلى المعارضة نتيجة توقيع العثماني مع إسرائيل؟ هل يمكن أن نتصور أن بإمكان وزراء العدالة والتنمية التخلي عن امتيازاتهم الوزارية؟..

الجواب: قطعا، لا.. وقد كانت هناك فرصة لخروج العدالة والتنمية إبان “البلوكاج” الحكومي، ولكنه اختار الحفاظ على مناصبه الوزارية، ومناصب وزرائه، وأغلبهم اليوم باتوا يقطنون الفيلات، ومصلحة الوطن في نظرهم تعني بقاءهم في الحكومة بأي ثمن.. لكن هل ذلك في مصلحة الشعب؟.

hespress.com