دعا مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، في مذكرة حول الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والترابية والثقافية للنموذج التنموي الجديد، إلى جعل الرعاية الاجتماعية أولوية أساسية، مؤكدا أن بناء سياسة اقتصادية قوية وفعالة وذات جودة يعتمد على رعاية اجتماعية أوسع.

واعتبر المركز المذكور، في المذكرة المقدمة مساء الخميس، أن مشروع التنمية الجديد يتطلب خلق نمو اقتصادي لا يقل عن 7 إلى 8 في المائة على مدى عشر سنوات وأكثر، بدون احتساب الفلاحة، داعيا إلى اللجوء إلى الاستثمار العمومي الأمثل، وتعزيز الاستثمار الاجتماعي، ودعم النظم الحيوية الترابية.

المصدر نفسه شدد على ضرورة ترسيخ مكانة وتموقع المغرب على المستوى الدولي، وذلك عبر تطوير المبادلات التجارية وتخليص الاقتصاد الوطني من العجز التجاري البنيوي المقدّر بنسبة 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام في المتوسط، وكسب نقاط في النمو عبر إحياء الاتحاد المغاربي، أو في حال تعذر ذلك الاتجاه نحو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو أي فضاء آخر للتعاون.

وشددت الوثيقة كذلك على ضرورة الزيادة في جهود الاستثمار في البحث والتنمية العامّين والخاصين، وكذا الاستثمار في القدرات البشرية؛ مبرزة أن “تهيئة بيئة مناسبة تسمح بالاستثمار المنتج الذي تكون له مردودية ونجاعة يوفر فرص العمل عبر ضمانات الدولة هو أمر ضروري لا محيد عنه”.

وفيما يحضّر المغرب لإطلاق النموذج التنموي الجديد، نبهت مذكرة مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية إلى ضرورة ترسيخ الحكامة الترابية الجيدة القائمة على التشاور والمشاركة والتنسيق بين الفاعلين، معتبرة أن هذه الآلية “تُعتبر حجر الزاوية اليوم في أي مشروع جديد لتنمية البلاد”.

واعتبرت المذكرة أن طريق التنمية المستقبلي، الذي يمر عبر الاعتراف بالمدينة كمحرك حاسم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، صار يتطلب رؤية مندمجة جديدة تقوم على مكافحة الفقر والتهميش.

وفي ما يتعلق بالنهوض بالقطاع الخاص، أشارت المذكرة إلى أن التحليلات أبانت عن ضعف مساهمة هذا القطاع في التنمية وركود حصته في الناتج الداخلي الخام، كما أنه يعاني من الهشاشة رغم الإمكانيات المهمة المتوفرة له، ولا يخلق مناصب شغل لائقة، “بحيث يتمركز حول المقاولات العاملة في قطاعات احتكارية أو محمية لا تظهر عليها علامات التنمية وخلق القيمة”.

وللخروج من الوضعية التي يوجد فيها القطاع الخاص، اقترحت المذكرة وضع حدود واضحة في ما يخص التمويل العمومي لمبادرات التنمية للقطاع الخاص، وضمان الحماية الاجتماعية وتحقيق الأهداف التنموية للخدمات العمومية، ووضع شروط صارمة لطرق استغلال الأموال العمومية لأغراض تنمية القطاع الخاص، منها شروط تهم حقوق العمال، والحوار الاجتماعي، ومسؤولية المقاولات.

وفي الجانب السياسي والمؤسساتي، أشارت المذكرة إلى أن الانفتاح المتزايد على العالم، وتعميم وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، والانتقال الديمغرافي الذي يعرفه المجتمع المغربي، وارتفاع معدل التحضر وتغيرات اجتماعية أخرى عميقة، عوامل أدت إلى ارتفاع مستوى الوعي السياسي للمجتمع.

وتضيف الوثيقة نفسها أن تزايد الحس النقدي تجاه السلطات بشكل عام وسلطة الدولة بشكل خاص، وانتشار ثقافة الاحتجاج وفق أنماط تقليدية وجديدة، “كلها نتائج منطقية لميلاد المواطن ولبروز ثقافة المواطنة في المغرب”، داعية إلى “الانكباب على وضع بنية أخلاقية تسهر على ألا يؤدي هذا البروز إلى تآكل الدولة”.

hespress.com