تبذل الحكومة جهودا لتوسيع نطاق رقمنة المعاملات الإدارية. وارتفع مستوى انخراط المؤسسات العمومية في هذا الورش خلال الأشهر الأخيرة، بعدما أظهرت جائحة فيروس كورونا المستجد أن الرقمنة أصبحت خيارا لا محيد عنه.
وفيما ينحصر النقاش المواكب لورش رقمنة الإدارة المغربية ومعاملات المؤسسات العمومية في الجانب المتعلق بجدوى وفعالية هذه الآلية، فإن جانبا آخر على درجة عالية من الأهمية لم يُسلّط عليه الضوء إلى حد الآن بما فيه الكفاية، ويتعلق بمدى تحصين المؤسسات لمعاملاتها الرقمية من اختراقات القراصنة.
الإقبال الكبير من طرف عدد من الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة على رقمنة العديد من الخدمات الإدارية “يجب أن يواكبه تحصين هذه الخدمات بما يلزمن من تدابير أمنية رقمية”، حسب سعيد سلمياني، الخبير في المجال المعلوماتي، متسائلا: “هل تهتم الوزارات بالأمن الرقمي في ظل الإقبال الكبير على الخدمات الرقمية؟”.
وأوضح سليماني، في تصريح لهسبريس، أن مخترقي المواقع الإلكترونية، بمن فيهم “الهاكرز”، يتربصون بالعديد من المواقع التابعة للوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والخاصة، مبرزا أن القراصنة “تمكنوا في مرات كثيرة من اختراق العديد من الخدمات التي تقدمها هذه المواقع بكل سهولة”.
السهولة التي يخترق بها “الهاكرز” الخدمات الرقمية في المغرب، كما أوضح سليماني، تتجلى في الرسائل التي يتركونها على واجهة المواقع المخترقة، والتي تنطوي على كثير من التهكم بسبب هشاشة تحصينها، إذ يدبجون عبارات من قبيل: “حصّنوا مواقعكم. سنعود بعد قليل لنرى هل صحّحتم أخطاءكم أم لا”.
ونبه سليماني، انطلاقا من خبرته في المجال المعلوماتي، إلى أن سرقة المعلومات من طرف قراصنة الأنترنيت تزداد سهولة مع مرور الأيام بفضل تطوير مهاراتهم، لافتا إلى أن ما يزيد من تعقيد جرائم الأنترنيت وتوسع نطاقها أنها في كثير من الأحيان لا تتطلب خبرة فائقة، إذ إن مقترفي كثير من هذه الجرائم هم من فئة الشباب.
وجوابا عن سؤال حول الخسائر التي يمكن أن تتكبدها المؤسسات التي يستهدفها قراصنة الأنترنيت، قال سليماني إن الخسائر الناجمة عن جرائم القرصنة مرتبطة بنوعية المؤسسة المستهدفة وطبيعة الخدمات التي تقدمها؛ وعموما، يردف، فإن الخسائر تكون في أغلب الأحيان فادحة.
وأوضح المتحدث أن “قراصنة الأنترنيت يعمدون، مثلا، إلى إنشاء مواقع إلكترونية وهمية بواسطة بطاقات بنكية مسروقة، ويشترون عنوانا إلكترونيا مماثلا، إلى حد كبير، للعنوان الإلكتروني للمؤسسة أو الشركة التي يريدون خداع عملائها، وذلك عن طريق بث رسائل تستهدف زبائن هذه المؤسسة، الذين يعتقدون، حين يتواصلون مع القراصنة، أنهم يتواصلون مع مؤسستهم الأصلية؛ وهكذا يحصل “الهاكرز” على المعلومات التي يريدون بمنتهى السهولة”.
وأكد الخبير في المجال المعلوماتي، أن المؤسسات التي يستهدفها القراصنة تتكبد خسائر متعددة؛ “ففضلا عن الاستيلاء على المعلومات الخاصة بها، فإنها تَفقد أيضا ثقة عملائها، وقد تتكبد أيضا خسائر مالية كبيرة”.
“عملية القرصنة التي تتعرض لها المؤسسات تؤدي إلى تدمير سمعتها، إذ تخضع، ولفترة طويلة، لعمليات تفتيش ورقابة مضنية، وقد تضطر لدفع غرامات وتعويضات مالية كبيرة لتسوية الدعاوى القضائية التي تُرفع ضدها من قبل عملائها”، يقول سليماني.
وأردف المتحدث ذاته بأن تحديات الأمن الرقمي ما فتئت تتطور، وجديدُها اليوم ما أصبحت تعرف بـ”المساومة الرقمية”، وهي “الموضة الجديدة في القرصنة الإلكترونية، حيث يرسل القرصان ملفات خبيثة إلى شركة أو مجموعة من الشركات، وفي حال نجاح خطته بفتح الملف المرسل يقوم بتشفير كافة البيانات التي يحتويها القرص الصلب لحاسوب الجهة المستهدفة، ويكون على صاحب الشركة دفع ‘فدية’ مالية للحصول على مفتاح فك شيفرة بياناته”.