حدد محمد كريم، رئيس شعبة الاقتصاد بكلية الحقوق في سلا الخبير لدى البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، في دراسة حديثة، قطاعات اقتصادية قد توفر أفضل إمكانات النمو وجذب المستثمرين الإسرائيليين والمساهمة في خلق فرص عمل لائقة بالمغرب وتسريع تحوله البنيوي، مرتكزا على ثلاثة قطاعات واعدة.
وشدد الأكاديمي والخبير الاقتصادي المغربي على أن “صناعة المواد الغذائية” و”التجارة والتوزيع” و”الطاقات المتجددة” هي قطاعات تحتاج إلى دعم واستثمار دولة إسرائيل باعتبارها منشئا كبيرا للقيمة المضافة والوظائف في المغرب، وتمارس تأثيرات غير مباشرة في الاقتصاد.
مقال الخبير الدولي كما توصلت به هسبريس:
خلال التسعينيات من القرن الماضي، قام المغرب بسلسلة من الإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية الرئيسية التي جعلت المغرب بلدا مستقرا؛ وهي الإصلاحات التي ساعدته على تحمل آثار الربيع العربي المزعزعة للاستقرار السياسي.
وقد نتج عن هذه الإصلاحات السياسية اعتماد دستور جديد في عام 2011، تلتها مبادرات لتحسين العدالة والإدارة العامة ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة والشفافية وتخليق الحياة العامة. كما شرعت الدولة المغربية في إضفاء الطابع الجهوي على السياسات العامة واللامركزية في الإدارة، لضمان تنمية محلية متكاملة ودائمة.
وقد أكد الملك محمد السادس زخم هذه الإصلاحات بشكل كبير، عندما شدد في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2019 على أن الهدف هو إعادة بناء اقتصاد قوي وتنافسي؛ من خلال تشجيع المبادرة الخاصة، مع إطلاق خطط استثمارية منتجة جديدة وخلق إنشاء فرص عمل.
تهدف هذه الدراسة الجديدة الى تحديد قطاعات الاقتصاد التي قد توفر أفضل إمكانات النمو وجذب المستثمرين الإسرائيليين والمساهمة في خلق فرص عمل لائقة بالمغرب وتسريع تحوله البنيوي مرتكزا على ثلاثة قطاعات واعدة جدا. كما تحدد مسارات لتسريع الاستثمار في المغرب. وتحدد فرص الاستثمار في مختلف القطاعات وبيئة الاقتصاد الكلي وأجندة الإصلاح.
ولاختيار القطاعات التي تتمتع بأفضل الفرص للاستثمار المتسارع والنمو، اعتمدنا على قائمة أولية تضم 20 قطاعًا إنتاجيا وعرضيا. وطبقنا من أجل ذلك منهجية قائمة على مضاعفات الإنتاج والشغل والطلب القطاعي في الاقتصاد المغربي، ومرونة النمو في التشغيل، والمساهمة القطاعية في إجمالي القيمة المضافة، وإنتاجية العمل، ومساهمة القطاع في إجمالي الصادرات، والاستثمارات الأجنبية التي تم جذبها خلال فترتين 2007-2012 و 2013-2018.
استنادًا إلى نموذج المدخلات والمخرجات، وقيم مرونة التوظيف، ومناخ الأعمال والاستثمار الأجنبي المباشر، وتنويع الصادرات، نحدد ثلاثة قطاعات موصى بها لمزيد من الدعم والاستثمار من قبل دولة إسرائيل، وهي: صناعة المواد الغذائية، والتجارة والتوزيع، والطاقات المتجددة.
إن هذه القطاعات الثلاثة المقترحة للمستثمرين الإسرائيليين تتميز بمضاعفات إنتاج عالية وإمكانيات عمل قوية. القطاعات الثلاثة هي منشئ كبير للقيمة المضافة والوظائف في المغرب، أي أنها تمارس تأثيرات غير مباشرة في الاقتصاد. كما أن قطاعي الصناعات الغذائية والتجارة يظهران إنتاجية عالية للشغل، علاوة على ذلك لوحظت جهود للتنويع منذ سنة 2012 في هذه القطاعات، والتي انعكست جزئيًا في معدلات التصدير المستدامة.
علاوة على ذلك، سيمكن للتقدم التكنولوجي المسجل في هذه القطاعات الثلاثة أن يكون بمثابة حافز للتحول الهيكلي وقد يساهم في إنشاء واعتماد وتحسين التقنيات في نمو الإنتاجية وخلق قيمة مضافة في صناعة الأغذية وقطاعات الطاقة المتجددة على وجه الخصوص.
أيضًا، تتكامل هذه القطاعات الثلاثة بشكل كبير مع بعضها البعض. في الواقع، يعتمد النمو المتوقع لصناعة الأغذية في المغرب على الوصول إلى طاقة عالية الجودة وبأسعار تنافسية في المغرب، غالبًا ما تشكل الطاقة أول أو ثاني أعلى النفقات في صناعة الأغذية.
ولزيادة ربحيتها، ستحتاج صناعة الأغذية إلى خلق المزيد من القيمة المضافة بمواد خام أقل. ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن تركز على تقنيات معالجة أكثر تطورًا، ولكن أيضًا على معدات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
على سبيل المثال، يسمح تحديث وحدات تجفيف المانجو بمجففات حديثة مختلطة التهوية تعمل بالطاقة الشمسية والغاز لوحدات الإنتاج بتقديم منتجات عالية الجودة تعمل على مدار السنة، وتنويع مجموعة المنتجات المجففة (جوز الهند، الطماطم، البابايا والأعشاب العطرية وما إلى ذلك)، بعبارة أخرى، تعد الطاقة عامل تنافسية لقطاع تصنيع الأغذية المغربي.
في قطاع الغذاء، تجب الاشارة إلى أن وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي وقّعت على ثماني اتفاقيات في 11 نونبر 2020 لتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 620 مليون درهم ستمكن من خلق 1630 منصب عمل جديدا وخلق فرص عمل جديدة. حجم مبيعات إضافي يزيد عن 914 مليون درهم بحلول عام 2023. وتتعلق هذه المشاريع بتطوير وحدات صناعية لتجهيز الأغذية الزراعية، ولا سيما في هذه الحالة، في “قطاع صيد الأسماك و”صناعة الألبان” و”صنع الحلويات” و”تجهيز الحمضيات” و”الفواكه والخضروات الأخرى”.
إضافة الى ذلك، حدد الصناعيون الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد هذه الدراسة على مجموعة واسعة من الاستثمارات المحتملة، لتشمل على سبيل المثال إنتاج الجبن المطبوخ والبسكويت ومنتجات الحبوب المختلفة.
هناك أيضًا فرص في معالجة الفواكه المجففة ومعلبات الطماطم والصلصات وعصائر الفاكهة والخضروات المضغوطة. وبالمثل، هناك طلب استثماري على مرافق الإنتاج للزيتون والكبر المعلب وزيت الزيتون والبيتزا المجمدة.
أما بخصوص قطاع التجارة والتوزيع، فهو يعد أحد دعائم الاقتصاد المغربي، حيث يحتل المرتبة الثانية من حيث توفير الوظائف على المستوى الوطني بعد الزراعة. تمثل 13٪ من السكان العاملين في المملكة أي 1.56 مليون نسمة من حيث تكوين الثروة. ويأتي قطاع التجارة والتوزيع في المرتبة الثالثة من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة مضافة حُددت لعام 2017 بنحو 84.2 مليار درهم.
هناك العديد من الفرص الاستثمارية في هذه القطاعات؛ بما في ذلك، على سبيل المثال، تحديث التجارة المحلية من خلال وضع العلامات على مستوى عالمي، ووحدات الشراء المركزية، وشبكات التجارة والتسويق.
حاليا، في المغرب يوجد طلب استثماري كبير للاستثمار في المتاجر الكبيرة والمتوسطة (السوبر ماركت) وبناء مراكز التسوق الحديثة، وكذلك منافذ المصانع والمبيعات للطبقة المتوسطة المتنامية.
وتشكل مضاعفات الطلب تطبيقًا تقليديًا لنظرية المدخلات والمخرجات. تم استخدام سلسلة من جداول المدخلات والمخرجات المغربية بالأسعار الثابتة للأعوام 2007 و2012 و2018 لتقدير تأثير التغييرات في أحد المكونات أو الأخرى للطلب النهائي.
يوضح المضاعف تأثير الإنتاج (أو العمالة) في القطاع المعني، حيث يتم الاستثمار (التأثير المباشر)، وتأثير الإنتاج (أو العمالة) الناتج في القطاعات الأخرى ذات الصلة بنفس الاستثمارات (التأثير غير المباشر).
أما القطاعات ذات أعلى مضاعفات للإنتاج هي التجارة والتوزيع وكذا الصناعة الغذائية، أما تلك التي لديها أعلى مضاعفات العمالة هي صناعة الأغذية والقطاع المالي والتأمين.
إن القطاعات غير المعرضة للمنافسة الدولية أو المحمية لا يجب الاستثمار فيها؛ لأنها تضر بالاقتصاد وليس بالمستثمرين الذين يهمهم الربح السريع.
وبسبب السياسة الحكومية الحالية (العقارات والتجارة والتوزيع والخدمات)، تستطيع هذه القطاعات توسيع هوامش الربح عن طريق تعديل الأسعار صعودًا استجابةً للنمو في الطلب المحلي والتوسع في الائتمان. وقد ضاعفت بعض البرامج العامة هذه الفرصة من خلال منح مزايا وإعانات لهذه القطاعات.
في مجال العقارات، بلغت الحوافز الضريبية الممنوحة لمروجي الإسكان الاجتماعي واحدا في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما جذب عددًا كبيرًا من المستثمرين إلى القطاع (وزارة الاقتصاد والمالية، 2015)، وهذا الفارق في هوامش الربح بين المحمية، وسمحت القطاعات المكشوفة للمستثمرين بالانسحاب المنطقي من القطاعات المعرضة للتنافسية نحو القطاعات المحمية، حيث إن الربح مضمون فيها على المدى القصير.