للتلقيح، عند المغاربة، تاريخ .. تاريخ يمتد عبر عقود من زمن المغرب الصحي. ويمتد في عمر الأفراد منذ الولادة. فلا أحد منا “سَلِم” من وخز إبرة الممرض/الممرضة. ولن يكون اليوم التلقيح بِدْعاً في مسار هذا التاريخ الممتد؛ حتى نشكك فيه، أو نعترض عليه. كما ليس هذا التلقيح إجراءا صحيا جديدا حتى نقول إن المغاربة يعادون الجديد، فيرفضونه. كما ليس المغاربة استثناءً يرزح تحت نيْرِ هذا الوباء الذي عَمَّ و طَمَّ. فالعالم بأسره في “الهوى سواء”. والجائحة لازالت تتمدد وتتمطَّط، وفي طريقها تحصد آلاف الأرواح عبر المعمور. والدول، كما الحكومات، في مَطَبِّ تدبير المرحلة تتخبط. والحلول أمامها معدودة إلى أقصى حد. ولا بد لها أن تدبر المرحلة بما يقلل من الخسائر في الأرواح التي هي مؤتمنة عليها.
فكان قرارها الأول في المواجهة مع هذه الجائحة أن فرضت حجرا صحيا عاما وشاملا على مواطنيها، ثم خففته تدريجيا، بعد أن طال ليله البهيم على الشعوب؛ طلبا لتعايش مع هذا الوباء قد يخلق مناعة جماعية تحد منه. لكن ما لبث سُعارُه أن اشتد، وامتداده الأخطبوطي الكاسح أنْ عَمَّ، حتى لم يبق من سبيل لاحتواء ظلاله الكالحة، إلا اللجوء إلى تحصين الشعوب بلقاح قد يقلل من زحفه المخيف.
و المغرب، كسائر بلاد المعمور، لم يشذ عن هذا الخيار الصحي الاستراتيجي، وما كان له أن يشذ؛ إذ قرر قراره الرسمي باعتماد هذه السبيل في الحد من انتشار هذا الوباء. وذلك بتطعيم المغاربة بلقاح مختار، كخطوة أولى للحد من انتشاره، وحصر تنقله إلى أقصى حد، في أفق إيقاف زحفه، والقضاء عليه.
أجل، هذا قرار الدولة المغربية، والذي تتحمل فيه مسؤوليتها الكاملة. والذي يعني، بمنطق السياسة والقانون، أنه لا يمكن، بل لا يعقل، للدولة المغربية، ملكا وحكومة، أن تتخذ قرارا قد يرهن مستقبل المغاربة الصحي إلى المجهول، بناء على تخمينات أو تقديرات عاطفية، كما يقرر الواحد منا في شأنه الخاص. بل هو قرار، بما يحمله من ثقل المسؤولية، مؤسَّس على مشاورات علمية، و دراسات، وبحوث، وتدقيقات، وتجارب سريرية متقدمة،… ما يجعله جديرا بالثقة بمن أشرفوا على حيثيات اعتماده، حَرِيًّا بالاطمئنان إليه. وهو الأمر الذي يجب أن يعِيَهُ الشعب المغربي، ويتجاوب معه، بدل أن يسقط فريسة الإشاعة، و ضحية التشكيك من أجل التشكيك، والذي تولَّى كِبْرَه جماعة من المتطفلين على العلم، المدعين الغيرة على صحة الأمة والشعب، ولا شيء في جعبتهم ليُقنعوا به هذا الشعب، سوى كلام يطلقونه على عواهنه، لاستدرار الإعجابات، والتعليقات، والمشاركات، في الفضاءات الاجتماعية، وما يستتبع ذلك مما يعلمه الجميع !!.
فبالله على المغاربة، ماذا كان سيحصل، لو شككنا في اللقاحات التي توالت علينا عقودا من الزمن، ضد أمراض كانت تفتك بالآلاف كل عام؟؟.. ماذا كان سيقع لو رفضناها، واستمرَّيْنا في جحودها؟. كيف كانت ستصير حياتنا مع أمراض السل، وبوحمرون، والحصبة، والعواية، وشلل الأطفال، والجدري…؟؟ ! . لقد كنا نُقبِل على التلقيح، بدون فلسفة، ونتوكل على الشافي عز وجل، ولازلنا. و لم يحدث، أبدا وقط، أن سمعنا عن هلاكٍ حلَّ بنا جراء تلقيح، لا نعلم مكوناته، ولا مصدره حتى.. كل ما كنا نسند إليه ظهورنا، إيماننا بالله تعالى، الشافي الذي دعانا للتداوي، وأخذ الأسباب، وثقتنا بالدولة المغربية التي أسلسنا لها قياد صحتنا خلال سنوات عجاف مرت على المغاربة مع أمراض معدية كانت تُسقِط المئات، بل الآلاف، كل عام. فكيف بنا نحتاط ونرتاب اليوم، والعالم بأسره ينحو نفس النحو، ويعتمد ذات الوسيلة في التحصين والحماية من وباء حيَّر الجميع، وأخاف الجميع، وما عاد يحتمل تسويفا ولا تماطلا في اتخاذ القرار المناسب.
فالدولة المغربية، كغيرها من دول المعمور، تبادر إلى اعتماد هذه الوسيلة القديمة / الجديدة بعد تجارب سريرية متقدمة أثبتت ألا خوف من استعمال هذا اللقاح على حياة المواطنات والمواطنين (راجع عرض السيد وزير الصحة بمجلس النواب حول: “الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد كوفيد – 19” الثلاثاء 15 دجنبر 2020). وحسبه، أكثر من هذا، إن لم يكن له من نفع، أنه سيرفع مناعة (معنويات) المُلقَّحين إلى مستوى سيجعل أجسادهم أقوى على مواجهة هذا الداء. وقد بدأت، بالفعل، ارتسامات مواطنين، في مقابل تخوفات آخرين، تعبر عن ارتياحها لهذا التلقيح الذي تعتقد أنه سيخلصها من “فوبيا” الوباء الذي لازمها لشهور، وأسقط في يدها حتى ما عادت تطيق الحياة، وكلها رجاء في أن يعيد لها الأمل في حياة طبيعية بدون كِمامات، ولا تباعد، ولا تعقيم، ولاعمل عن بعد،…
آمال وأمنيات ، نرجو أن تتحقق بفضل الله تعالى وقوته. وما ذلك عليه بعزيز..
حفظنا الله جميعا من شر هذا الوباء، وجعل في هذا التلقيح البلسم المفقود، والدواء الواقيَ المنشود.. إنه ولي ذلك ومولاه !.
دمتم على وطن.. !!