يرى الكاتب سمير بنيس أنه، حينما نقوم بتحليل موضوعي لنزاع الصحراء من منظور القانون العرفي وأخذا بعين الاعتبار اتساق ممارسة مجلس الأمن والدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال مواقفها وتصريحاتها بخصوص النزاع، نستنتج أن مجلس الأمن، أهم هيئة في الأمم المتحدة، “لم تعد تذكر الاستفتاء منذ اعتماد القرار 1754 عام 2007. كما أن هذا المفهوم غائب تماماً عن كل القرارات المعتمدة منذ ذلك الحين، باستثناء حينما تتم الإشارة إلى صفة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء”.
ومنذ 13 عاماً، يضيف المستشار الدبلوماسي بنيس في مقال له حول قانونية اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، “يشير مبدأ اتساق الممارسة الذي ينبني عليه القانون الدولي العرفي أنه من منظور مجلس الأمن، فإن الحل لن يتأتى إلا عن طريق المفاوضات والتوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين. وإن عبارة مفهوم من الطرفين كافية لتظهر بأن الاستفتاء لم يعد مطروحاً”.
وهذا نص المقال:
وأنا أشاهد حواراً بخصوص قرار دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، الاعتراف بمغربية الصحراء على قناة التلفزيون العربي أثار انتباهي تصريح لعبد الحميد صيام، الصحافي الفلسطيني ومراسل صحيفة القدس لدى الأمم المتحدة، حينما قال إن القرار الأمريكي لا يكتسي أية قيمة قانونية وأنه لن يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني للصحراء. وعلل كلامه بالقول بأن القانون الدولي “لا تصنعه دولة ولا تلغيه دولة”، وبأن “مجموعة معاهدات واتفاقيات وقرارات جماعية يتم اعتمادها بالإجماع أو شبه الإجماع، ويتقبلها المجتمع الدولي”.
كان حريا بالصحافي الفلسطيني أن يتمم العبارة لكي تكون صحيحة، إذ إن الدول لا تصنع ولا تلغي القانون الدولي لمفردها؛ لأن توافق القرارات أحادية الجانب سواء بالممارسة إيجابا أو سلبا تعد مصدرا من مصادر القانون الدولي. هذا علاوة على أن تكوين القانون الدولي لا يخضع لشرط الإجماع أو شبه الإجماع إلا في حالات نادرة يكون التنصيص عليها ضمن آليات صنع قرارات معينة تهم منظمات دولية أو اتحادات إقليمية. الأهم من كل هذا هو أن طرح الصحافي يشوبه النقص؛ نظرا لكونه تجاهل العرف الدولي الذي يكتسي مكانة محورية ضمن مصادر القانون الدولي تمنحه قوة قانونية نابعة من اتساق الممارسة (consistency of practice) بين الدول وانتظامها والشعور المعنوي بإلزاميتها بخصوص مواقفها من قضية أو وضع أو نزاع ما، وهو ما يسمى القانون الدولي العرفي.
الوقع القانوني لقرارات مجلس الأمن واتساق الممارسة
سيراً على نهج الجهات الداعمة للبوليساريو التي تعتمد في كتاباتها وترافعها على التضليل أو الإغفال، ربما تحاشى الدكتور الفلسطيني الإشارة إلى أن الممارسة المتبعة من طرف مجلس الأمن خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية أفرزت قانونا عرفيا لا يمكن تجاهل أثره على حاضر ومستقبل نزاع الصحراء.
وماذا نستنج حينما نقوم بتحليل موضوعي لنزاع الصحراء من منظور القانون العرفي وأخذا بعين الاعتبار اتساق ممارسة مجلس الأمن والدول الأعضاء في الأمم المتحدة من خلال مواقفها وتصريحاتها بخصوص النزاع؟ أولا ما نستنتجه أن مجلس الأمن، أهم هيئة في الأمم المتحدة، لم تعد تذكر الاستفتاء منذ اعتماد القرار 1754 عام 2007. كما أن هذا المفهوم غائب تماماً عن كل القرارات المعتمدة منذ ذلك الحين، باستثناء حينما يتم الإشارة إلى صفة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء.
ومنذ 13 عاماً، يشير مبدأ اتساق الممارسة الذي ينبني عليه القانون الدولي العرفي إلى أنه من منظور مجلس الأمن، فإن الحل لن يتأتى إلا عن طريق المفاوضات والتوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين. وإن عبارة مفهوم من الطرفين كافية لتظهر بأن الاستفتاء لم يعد مطروحاً.
وقد زكى مجلس الأمن هذه الممارسة بشكل أقوى منذ اعتماد القرارات 2440 و2468 و2494 و2548. كما أن الأمين العام للأمم المتحدة أشار، في تقريره الأخير، في الفقرة 77، بشكل واضح إلى أن أساس الحل السياسي هو القرار 2440 وما تلاه من قرارات.
كما أنه بناءً على مبدأ اتساق الممارسة، فإن مجلس الأمن رحب في القرارات الثلاث عشرة التي اعتمدها منذ 2007 بمخطط الحكم الذاتي المغربي ولم يقم سوى بالأخذ علماً بمخطط البوليساريو، باستثناء عام 2016 حينما اكتفى بالأخذ علما بالمقترحين معاً. كما أن التقارير السنوية التي قدمها الأمين العام إلى مجلس الأمن لم تتضمن أية فقرة يدعو فيها إلى التوصل إلى حل لهذا الأخير عبر الاستفتاء. ولم يقم الأمين العام السابق أو الأمين العام الحالي بالإشارة إلى هذا المبدأ إلا في سياق الإشارة إلى صفة البعثة الأممية أو في سياق الحديث عن موقف البوليساريو من النزاع وتأكيده على تشبته بالاستفتاء.
الأهم من ذلك هو أن الدور الذي يلعبه مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين يعطي طابعاً إلزامياً للقرارات التي يعتمدها، ليس فقط بالنسبة للدول الأعضاء في المجلس؛ بل كذلك لباقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وإن كان بعض المتخصصين يقولون إن الطبيعة الإلزامية لقرارات مجلس الأمن تنحصر على القرارات التي يعتمدها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن هذه القراءة مبنية على تأويل مقيد للميثاق وتتغاضى عن الفقرة الرابعة والعشرين منه التي “تمنح مجلس الأمن الإذن بالتصرف نيابة عن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين من خلال تطبيق الصلاحيات المشمولة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر”.
وهناك توجه في القانون الدولي يقول إن الدول الأعضاء ملزمة بالقرارات التي يعتمدها مجلس الأمن، بغض النظر عما إذا كان اعتمدها تحت الفصل السابع أو الفصل السادس. وإن ما يعطي طابع الإلزامية لهذه القرارات هو اللغة المستعملة في الفقرات التي تدعو الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه، وإلى الالتزام بجميع القرارات المعتمدة منذ عام 2007، وكذا قبول الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بسلطة تلك القرارات والتزامها بمقتضياتها في سلوكها اللاحق.
عدم اعتراض الأمم المتحدة على القرار الأمريكي
أضف إلى ذلك، أنه، وبعد قرار الرئيس ترامب، لم تخرج الأمم المتحدة بأي بيان يعارضه أو يرفضه أو يقول إنه يتعارض مع الوضع القانوني للصحراء. أكثر من ذلك هو أن المتحدث الخاص باسم الأمين العام قال، في تصريحات أدلى بها يوم 10 و11 دجنبر، إن مرجعية النزاع هي القرارين 2440 و2548.
كما أدلى المتحدث باسم الأمين العام بالتصريح نفسه عقب اجتماع مجلس الأمن ليوم الاثنين الماضي، حيث أكد أن مرجعية النزاع هي التفاوض تماشياً مع قرارات مجلس الأمن؛ فهو لم يقل إن المرجعية هي قرارات الجمعية العامة أو أن الاستفتاء هو الحل، بل قرارات مجلس الأمن.
كما أن الأمم المتحدة لم تعبّر قط عن معارضتها لفتح قنصليات دول أجنبية في الصحراء، ولم تقل إنها تتعارض مع الوضع القانوني لهذا الاقليم أو مع القانون الدولي. كما لم تقم أية دولة من أعضاء مجلس الأمن بإصدار أية بيانات بهذا الخصوص.
ماذا نستنتج من ذلك؟ نستنتج أنه أخذا في عين الاعتبار الطبيعة الإلزامية للقرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2007 وتماشياً مع مبدأ اتساق الممارسة في القانون الدولي العرفي، فإن تأكيد كل من مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة على أن قرارات مجلس الأمن هي مرجعية حل النزاع، فقد وقع تغير في الوضع القانوني للصحراء.
وبما أن القوانين ليست ثابتة وتتغير مع مرور الوقت وظهور ممارسات وظروف أخرى، فلم يعد الوضع القانوني للصحراء كما كان من قبل، أي أن مرجع النزاع لم يعد هو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ولا مضامين اتفاق التسوية لعام 1991؛ بل قرارات مجلس الأمن، التي تؤكد على ضرورة التوصل لحل سياسي متوافق عليه وتقر بشكل ضمني بأهلية مخطط الحكم الذاتي المغربي في مساعدة أطراف النزاع على التوصل لحل سياسي متوافق عليه ومقبول من الطرفين، علماً أن الحكم الذاتي لا يتنافى مع مبدأ تقرير المصير، بل يعتبر بالإضافة إلى الانفصال والاندماج من بين الخيارات الثلاثة لممارسة هذا الحق.
اتساق ممارسة الدول الأعضاء
كما أنه وإذا طبقنا مبدأ اتساق الممارسة على الصعيد الثنائي، فسنخلص إلى أنه ينطبق كذلك على كيفية تعاطي الأغلبية الساحقة من دول العالم بشكل انفرادي مع هذا الملف من خلال التصريحات التي أدلت بها بخصوص النزاع خلال السنوات الماضية. والحالة هذه أن معظم دول العالم، بما في ذلك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، قد أكدت مراراً وتكراراً بشكل انفرادي أن مخطط الحكم الذاتي يعتبر أساساً يمكن البناء عليه للتوصل إلى حل سياسي متوافق. ولم يسبق أن قالت أية دولة من هذه الدول ولو مرة واحدة بأن المخطط المضاد الذي قدمته البوليساريو عام 2007 يمكن أن يشكل أرضية للتفاوض من أجل التوصل إلى حل سياسي. وقد ترتبت عن اتساق هذه الممارسة عبر السنوات الماضية واستمرار الدول في دعمها للعملية السياسية ولإمكانية البناء على مخطط الحكم الذاتي المغربي آثار قانونية بموجب القانون الدولي العرفي.
وحتى وإن كانت هناك دول مثل جنوب إفريقيا أو الجزائر أو بعض الدول الداعمة لهما ترفض المخطط المغربي وتدعو إلى تنظيم الاستفتاء، إلا أن ذلك لا يمنع من وقوع أثر قانوني على اتساق الممارسة بخصوص دعم المخطط المغربي، ما دام أن هذا الأخير حصل على دعم واسع النطاق من طرف الأغلبية الساحقة من الدول. فحسب القانون الدولي العرفي، فحتى يمكن لممارسة ما أن تصبح قانونا عرفيا دوليا، يكفي أن تلاقي قبولا واسع النطاق ولا يلزمها أن تحظى بقبول جميع دول العالم.
اتساق موقف الولايات المتحدة وتناسقه مع الممارسة الدولية
وإذا أسقطنا هذا المفهوم، على سبيل المثال، على قرار الولايات المتحدة الاعتراف بمغربية الصحراء، فإننا سنستنتج أنه، خلافاً لادعاءات بعض الداعمين للبوليساريو والجزائر- مثل المبعوث الخاص السابق كريستوفر روس ومستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، ووزير الخارجية السابق، جيمس بيكر- فإن القرار الأمريكي لا يعتبر بأي شكل من الأشكال خرقا للقانون الدولي، بل يعتبر تكريساً ملموساً لممارسة دأبت الولايات المتحدة على اتباعها منذ أن تقدم المغرب بمخطط الحكم الذاتي، وهي التأكيد بشكل مستمر ومتسق على أن هذا المخطط يعتبر أداةً للتوصل إلى حل سياسي لنزاع الصحراء.
ألم تكن هذه هي اللغة التي اعتمدتها الولايات المتحدة منذ عام 2007 بدون انقطاع، والمستمدة من لغة القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ ذلك الحين؟ ألم تكن هذه هي اللغة التي استعملتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عقب اجتماع القمة الذي جمع هذا الأخير مع الملك محمد السادس في أواخر شهر نوفمبر 2013؟ ألم تحافظ الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها على اللغة نفسها قبل قرارها الاعتراف بمغربية الصحراء؟ ألم يتم استعمال هذه اللغة بشكل مستمر من طرف معظم دول العالم بشكل مستمر ومنتظم؟ إن الاستعمال المتسق لهذه اللغة، سواء من طرف الولايات المتحدة أو معظم دول العالم، يعطيها قوة قانونية بموجب القانون الدولي العرفي. وبالتالي، فلا يمكن اعتبار القرار متنافياً مع القانون الدولي، حتى ولو حاولت الجهات الداعمة للبوليساريو تجاهل هذه الحقائق الموضوعية وإيهام الرأي العام الدولي وصناع القرار بأنه يتعارض معه.
الاستفتاء نتيجة ممارسة متسقة
وحتى يفهم الجميع أن القانون الدولي والقانون الدولي العرفي قابلان للتأقلم مع الزمان والمكان، فإن مبدأ الاستفتاء الذي تستعمله الجهات الداعمة للبوليساريو لم يعد أساساً للتسوية في وقت من الأوقات إلا بسبب اتساق الممارسة وبعد أن قبل المغرب حلاً للصحراء عن طريق الاستفتاء عام 1965، وأقرت بذلك معظم دول العالم بأنه هو الأمثل لإنهاء النزاع آنذاك. فقبل تلك السنة وقبل ظهور البوليساريو بثمانية أعوام، لم يكن مبدأ الاستفتاء من بين الخيارات المطروحة لإنهاء الوجود الاستعماري في الصحراء، بل طلبت الجمعية العامة من إسبانيا التفاوض مع المغرب حول الصحراء وسيدي إفني؛ غير أنه وبسبب حسن نية المغرب وسوء تقديره لنوايا إسبانيا، قبل بأن يكون الحل لنزاع الصحراء عن طريق الاستفتاء، ظناً منه أن الاستفتاء سيكون لصالحه، لأنه كان من المفروض أن يُنظم عام 1967، إلا أن إسبانيا لم تلتزم بقرارات الجمعية العامة ولا بالتزامها تجاه المغرب.
ومنذ ذلك الحين، وبسبب اتساق الممارسة، أصبح الحل للنزاع حول الصحراء هو الاستفتاء، ولعل ذلك هو ما أدى بمحكمة العدل الدولية إلى إصدار رأيها الاستشاري عام 1975، والذي يحمل العديد من التناقضات وكان ذات طابع سياسي أكثر من قانوني.
بناءً على ما سبق، ومهما حاول البعض الكذب على أنفسهم، فإن الوضع القانوني للصحراء قد تغير بسبب اتساق ممارسة الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، اتساق يذهب في صالح التوصل إلى حل سياسي مبني على المخطط المغربي للحكم الذاتي.