“كانت تصله كلّ أنواع المأكولات، يجلسُ مع رئيس حي “د” داخل غرفة فاخرة.. وهبه اللّه قلباً رحيماً ويعد صاحبَ كلمة. أعطاني 200 درهم، وأصْلح من ماله الخاص مصابيح الحيّ وطلب من الحرّاس أن يطلوا جدران الحيّ.. كنت أطبخ له “بوزروك” داخل السّجن، وكان هناك سجين يدعى “البهجة” يطبخ لنا مأكولات مراكشية لذيذة”…
من وحشة “الزّنازين” تخرجُ الكلمات دافئةً مسترسلةً من أفواهِ من ضاقت بهم الأرض، يحكون عن “مغامرات” الدّيب، الإمبراطور الذي “دَوّخ” سكّان الشّمال، والوزّاني الملقّب بـ”النّيني” الذي كان يخرج ليلاً من الزّنزانة إلى العالمِ الفسيحِ، ومنير الرّماش، الذي كانت يدهُ بيضاء تغيثُ المحتاجين داخل السّجن وخارجه.
قبل أن يتفوّه بكلمة، يحاولُ السّجين السّابق “فهرون” أن يثبّت الكاميرا حتّى تكون الصّورة واضحة للجمهور، بعد ثوانٍ من تدقيق المواضيع وترتيب الكلمات، تنطلق رحلة السّرد “الشّيق” بمعانيه وتوصيفاتهِ الدّقيقة، ينثر المعتقل السّابق في السّجن المركزي بالقنيطرة الكلام على سجيّته، ويجعل المشاهد يدخل عوالم “السجن” بخيالاتٍ “ممكنة”.
يحكي “فهرون”، الذي قضى سنوات في السّجن، كما الكثير من المعتقلين السّابقين، الذين حوّلوا “يوتوب” إلى منبر للسّرد والبوح، عن يومياتهِ وعلاقاتهِ السّرية مع بارون المخدّرات المعروف في الشّمال منير الرّماش، ابن مدينة تطوان.. “كنّا نعيشُ معاً في حي “د” بالسّجن المركزي القنيطرة.. قبل وصولهِ إلى السّجن بأيّام بدأت عمليات الإصلاح والجلبة تعمّ المكان”.
“كان يرتدي “لاكوست” زرقاء.. كان يبدو عليه الخجل ويتحدّث بلغة أهل الشّمال.. حتّى هنا، لم نكن نعرف من الشّخص الذي يجلسُ وحيداً وسط “السّيلون”، ولم نكن نعرف سبب اعتقاله ولا من يكون. في تلك اللّحظة، نادى عليّ مدير المعقل الذي كان يتواجدُ معه الرّماش وقال لي بالحرف: سيتمّ نقلك إلى حيّ الأمل”.
يحكي المعتقل السّابق الذي باتت فيديوهاته تحصد آلاف المشاهدات على “يوتوب”: “من كلّ الغرف السّجنية المتواجدة في حيّ “د” اختار الرّماش أن يستقرّ بالغرفة التي أتواجد بها لنظافتها وحسن مظهرها”. كما يقول “فهرون”: “قصدني الرّماش في البداية وقال لي: ‘سمحلي الخوا نهدر معاك. أنا بغيت نجلس هنا’.. كان لباسه يُوحي بأنه من الشّمال، كان يريد الاستقرار بحيّ “د”. طلبتُ منه طلبين مقابل ترك الغرفة؛ “نرجع السّكن ديالي، ونرجع مكان العمل ديالي داخل السّجن”. ‘سألبّي طلباتك’، قال لي بلغة حازمة”.
بعد مرور دقائق على هذه الحادثة، يقول المعتقل “فهرون”، “جاء إليّ حارس وطلب منّي جمع أغراضي إلى مسكني القديم في حيّ الأمل. وأنا ذاهب إلى غرفتي الجديدة شاهدتُ “الرّماش” يتجول في السّجن، يحملُ هاتفاً، لا أحد يتكلّم معه. كان ممنوع استخدام الهاتف داخل السّجن.. وحتّى في زيارة رئيس المعقل له كان الرّماش يحمل هاتفه”.
“وكان للرّماش صديق يدعى “البهجة”.. طلب هذا الأخير من “البارون” يوماً أن يأتيه بآلة “العود”؛ كان مغرماً بأغاني عبد الوهاب، ويحب الاستماع لأغاني الطّقطوقة و”كناوة”. وهكذا، لم يعد الرّماش يخرج إلى السّاحة.. كلما أحسّ بالضّجر كان ينادي على البهجة”، يحكي “فهرون”.
ويسرد المعتقل السّابق في فيديوهاته أنّ “نيني” كان أقلّ ذكاء من الرّماش؛ لأن الأول كان ينوي الهروب من السّجن بكلّ الوسائل، بينما الرّماش كان يتقبّل السّجن ولم يكن يسعى إلى المشاكل؛ بينما “الدّيب” كان دائما يرافقه أكثر من عشرة أشخاص من خدمه، يتمتّعون بمعاملة خاصة.
“وقد كان “الدّيب” طيّبا في تعامله مع باقي المعتقلين..’كان لي يدخل يخرج خاشي يدو في الجيب’. وداخل حي “د” بالسّجن المركزي كان يتوصّل بمعيّة “أجعو” وعبد السلام برزمة من “الحشيش”.. كان من أغنياء المغرب، وكانت يده بيضاء على المساجين.. قام ببناء قاعة الزيارة بأثاثها وكلّ مستلزماتها، كما قام ببناء مسبح داخل السّجن قبل أن يتم هدمه”، يروي المتحدث ذاته.
معتقل سابق يدعى السّلاوي هو الآخر لجأ إلى “يوتوب” ليكذّب بعض الإشاعات حول الرّماش والنيني، موردا أنهما لم يستفيدا من الغرف الفاخرة، كما لم يكونا من صنف السجناء فوق العادة؛ بينما يؤكّد أن الغرف التي ولجها أباطرة “الحشيش” في الشّمال كانت مزيّنة بالزّليج الرّفيع وأبواب خشبية عادية لا تغلق ليل نهار، وشاشات تلفزيون وحمام خاص.
خلال عام 2003، التقى السّلاوي لأول مرة “الرّماش”، بعدما تمّ اعتقاله بمعيّة عناصر من الجمارك وأمنيين وقضائيين لهم علاقة بالبارون الشّمالي.. “كنت أعيش بجانب زنزانة الرّماش.. لم يكن سوى حصيرٍ بالٍ يغطّي جنبات الأرض العارية.. بدون تلفاز وديكورات.. تحدّث إليه وقلت: كيف أنت إمبراطور وتعيش هذا الوضع؟..بعد هذا الحديث ‘ضبّرت على تليفون وعطيتو لرماش’. كان يتم تفتيشنا ثلاث مرّات في اليوم، وكنت أخفي الهاتف داخل ‘طاسة ديال التّيد’. وقد طلب الرّماش أن أتوسط له مع موظّفي المندوبية من أجل تخفيف الحراسة عنه”، يحكي السّلاوي.