يعيش حزب العدالة والتّنمية على وقع تصادم داخلي غير مسبوق، أفرزته مجموعة من التّجارب المتراكمة والتي وضعت “البيجيدي” في قلب أزمة سياسية وأثرت في أدائه واستقرار مؤسّساته البنيوية؛ وهو ما دفع بعض أعضاء حزب “المصباح” إلى التّلويح بورقة “الحوار” وعقد مؤتمرات داخلية لتجاوز الأزمات المتتالية.
وطفت دعوات داخل الحزب تطالب بإجراء “تقييم حقيقي لتجربة عشر سنوات من المساهمة في الحكم من موقع رئاسة الحكومة وتصدر البرلمان وتسيير الجماعات؛ وذلك من أجل معرفة إلى أين يتجه الحزب، وما هي أطروحته المؤطرة لوجوده السياسي في المرحلة المقبلة”.
وسيكون الحزب الإسلامي أمام جبهاتٍ كثيرة ومعقّدة في طريقهِ إلى تشريعيات 2021؛ فعليهِ، أوّلاً، خلق استقرار داخليّ في ظلّ تصاعد الغضب ضدّ القيادة الحالية التي لم تحقّق طموحات أعضائه ومنخرطيه، باعتبارهِ قدَّمَ تنازلاتٍ كثيرة لخصومهِ، ولا يعطي الانطباع بأنّه متحكّم في مجرى الأمور.
أمنة ماء العينين، القيادية في حزب العدالة والتنمية، أكدت أنّ حزبها “كبير ومتميز بمساره وتنظيمه وخصوصيته، لا يضيره اليوم أن يجري نقدا ذاتيا حقيقيا وهو يعيش مخاضا وإن كان مؤلما وطبيعيا لمن يمتلك أدوات التحليل الموضوعي، فإنه في الوقت نفسه يظل مفيدا لو عرف كيف يستثمره في اتجاه البناء والتصحيح والتصويب”.
وشدّدت المسؤولة الحزبية على أنّ “ثقافة الحركات الإسلامية في عمومها لا تتسامح كثيرا من النقد الذاتي، وتعتبر المختلف من داخلها خارجا عن الجماعة وجانحا نحو التنازع الذي يقود إلى الفشل و”ذهاب الريح”. هذا المنطق بدأ يتغير ولو ببطء، بالنظر إلى التحولات التي تقودها وسائل التواصل الاجتماعي وآليات التواصل الجديد المتسمة بالهيمنة والقوة والقدرة على الاجتياح وكسر الأنماط التقليدية التي كانت تتحكم في التواصل وتوجهه من طرف كل أشكال السلط”.
وأقرّت ماء العينين بأن “حزب العدالة والتنمية كغيره من الأحزاب يعيش مرحلة انتقال بين جيلين، وأن بوادر صعوبة الانتقال بدأت تظهر إن لم يتم ضخ ما يستلزمه الأمر من السلاسة والتفهم والقدرة على التحليل والاستشراف”.
واعتبرت القيادية الحزبية أنّ “العدالة والتنمية يعيش بوادر ولادة جديدة تبدو قسرية، وما يضفي عليها طابع الصعوبة والتعقيد هو هذا الانحسار المخيف للنقاش النظري المؤطر لتحولات جارفة لا يصنعها الحزب ولا قبل له بالتحكم فيها، منذ أن خاض تجربة تدبير الشأن العام والشأن الترابي لمدة عشر سنوات، علما أن خصوصية هذا التدبير ومرجعيته لا تستوعبها دائما خلفية الحزب النظرية التقليدية”.
وقالت ماء العينين بأن “حزب العدالة والتنمية يحتاج، اليوم، إلى نقاش واسع وعميق بدون عقد أو مركب نقص أو استحضار لنظرية المؤامرة أو توجس من الخصوم والمتربصين وهم متعددون بلا شك”، مبرزة أنّ “الحزب يحتاج إلى جرأة كبيرة في التقييم والنقاش والتجديد الفكري والنظري، والتخلص من عقدة الخوف من قلق السؤال وحيرة الفكر لدى أبنائه وشبابه؛ لأنه حزب قام على فكرة، والفكرة لا تخشى السؤال والنقد، ولا تقاوم التغيير والمراجعة، كما لا تتعايش مع الضبط أو الاحتواء بدون إقناع”.
ودعت القيادية في الحزب الإسلامي إلى “تجاوز منطق إطفاء الحرائق والنقاش المجتزأ تحت ضغط الوقائع والأحداث؛ لأنه سيظل حبيسا لمنطق التبرير أو منطق الهجوم والرفض العاطفي. أما إن استحضرنا تأطير النقاش بهواجس التنظيم، فسنسقط حتما في المزايدة وتصفية الحسابات الشخصية أو التنظيمية”.
واعترفت ماء العينين أن “ما عطَّل نقاشنا الداخلي وجعله سطحيا في المرحلة الأولى هو نشوتنا بانتصارات انتخابية تبين أنها كانت أكبر من حجمنا وسابقة على استعداد بنيتنا الفتية سياسيا وفكريا، وهي البنية القادمة من مجال “الدعوة” السائد داخل الحركة الإسلامية”.
واسترسلت المتحدثة ذاتها: “أما ما عطل نفس النقاش المؤجل في المرحلة الثانية، فهو الخلاف السياسي والتنظيمي القوي الذي انطلق مع إعفاء بنكيران، والذي لم يستطع الحزب تجاوزه، فأصبح هاجسا مؤطرا لكل نقاش أو تساؤل أو نقد، فتحول عمليا إلى عقدة صار لزاما التخلص منها للاستمرار”.