- لورا بليت
- بي بي سي – الخدمة الإسبانية
قبل 23 دقيقة
سلط تفشي فيروس كورونا الضوء على أهمية جهاز المناعة لدينا؛ هذه الشبكة المعقدة من الخلايا والأنسجة والأعضاء التي تمثل السلاح الرئيسي الذي يدافع عن أجسادنا ضد الأمراض وعدوى الإصابات الفيروسية والبكتيرية.
ومثل أي جزء آخر من الجسم، يشيخ الجهاز المناعي بمرور السنين، مما يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بجميع أنواع الأمراض.
وهذا هو أحد الأسباب – فضلا عن وجود حالات مرضية سابقة – وراء اعتقاد الخبراء الطبيين أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً هم أكثر عرضة للإصابة بوباء كوفيد 19 وتطوير شكل أكثر خطورة من المرض.
ومع ذلك، فإن شيخوخة جهاز المناعة لدينا لا تتزامن بالضرورة مع عمرنا الزمني.
يقول شاي شين-أور، اختصاصي المناعة في معهد “تقنيون” الإسرائيلي، لبي بي سي: “يمكن أن يكون لأشخاص في الثمانين جهاز مناعي يشابه الجهاز المناعي لمن هم في الـ 62 من العمر أو العكس تماماً”.
والخبر السار هو أنه يمكننا إبطاء عملية الشيخوخة هذه عن طريق اتباع سلسلة من الخطوات البسيطة. ولكن قبل أن نستعرضها، دعونا نتذكر كيف يعمل جهاز المناعة لدينا؟
كيف يعمل جهاز المناعة؟
للجهاز المناعي فرعان، يتكون كل واحد منهما من أنواع مختلفة من خلايا الدم البيض، تلك الخلايا التي تشارك تحديداً في الدفاع عن أعضاء الجسم.
إن الاستجابة المناعية الطبيعية (الفطرية) تمثل خطنا الدفاعي الأول، فهي تنشط، في الغالب، مباشرة بعد اكتشاف وجود كائن غريب في أجسامنا.
تتألف هذه الاستجابة من “كريات بيض تسمى “العدلات” (neutrophils)، التي تهاجم بشكل أساسي البكتيريا؛ وكريات بيض تسمى “الوحيدات” (monocytes) تساعد على تنظيم جهاز المناعة وتنبيه الخلايا المناعية الأخرى إلى وجود عدوى. وثم تأتي الخلايا الطبيعية القاتلة، التي تعمل على مكافحة الفيروسات أو الخلايا السرطانية. وهذه الخلايا الثلاث لا تعمل بشكل جيد عندما نتقدم في السن” كما توضح جانيت لورد، مديرة معهد الالتهاب والشيخوخة في جامعة برمنغهام في بريطانيا.
ثم يأتي دور الاستجابة التكيفية (المكتسبة)، المكونة من الخلايا الليمفاوية التائية “خلايا تي” والبائية “خلايا بي” التي تقاوم مسببات أمراض معينة. وتستغرق هذه الاستجابة بضعة أيام لكي تظهر، ولكن بمجرد حدوثها، ستتذكر العامل المسبب للمرض في المستقبل وتقاومه مرة أخرى إذا ظهر ثانية.
وتضيف: “كلما تقدمت في السن، فإنك تصنع عدداً أقل من الخلايا الليمفاوية الجديدة، لكنك تحتاجها لمحاربة عدوى جديدة مثل سارس-كوفيد2”.
“وحتى تلك التي أنتجها جسمك في الماضي لمكافحة الالتهابات الأخرى لا تعمل بشكل جيد أيضاً مع تقدمك في السن”. أي أن الشيخوخة تسبب انخفاضاً في جميع وظائف جهاز المناعة.
وتُنتج الاستجابة الطبيعية (الفطرية) عدداً أكبر بقليل من الخلايا ولكنها لا تعمل بشكل جيد، أما الاستجابة التكيّفية فتنتج عدداً أقل من الخلايا الليمفاوية البائية (التي تُنتج في نخاع العظام والمسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة) وعدداً أقل من الخلايا اللمفاوية التائية (التي تًنتج في الغدة الزعترية و تحدد وتقتل مسببات الأمراض أو الخلايا المصابة).
ويرجع الانخفاض في الخلايا التائية إلى حقيقة أن “الغدة الزعترية تبدأ في الانكماش في سن العشرين وتصبح أصغر رويداً رويداً، وعندما تصل إلى سن الـ 65 أو 70 ، تبقى منها نسبة 3 في المئة فقط (في الجسم)، وفقاً لما تقوله لورد.
ويؤدي فقدان الخلايا التي تخزن ذاكرة عن مسببات الأمراض إلى فقداننا ليس فقط للقدرة على الاستجابة للعدوى، فحسب بل والاستجابة أيضا للقاحات التي تمنعها مع تقدمنا في العمر.
ويوضح الخبير شاي شن-أور، أنه في حالة لقاح الإنفلونزا “فإن 40 في المئة من البالغين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وأكثر، لا يولّدون استجابة للقاح”.
وثمة مشكلة أخرى هي أن الشيخوخة تولد المزيد من الالتهابات في الدم والأنسجة، وهو أمر يشير إليه العلماء بكلمة “إنفيليميجينغ” (كلمة مركبة تعني الالتهاب والشيخوخة).
وتوضح البروفيسورة لورد: “بالإضافة إلى عدم عملها بالشكل الأمثل، تميل خلايا الجهاز المناعي إلى التسبب في الالتهاب، مما يؤدي إلى العديد من الأمراض”.
ويقول إنكارناشن مونتيسينو، الباحث في جامعة كاليفورنيا، لبي بي سي: “كل هذه التغييرات التي تحدث مع تقدمنا في العمر تجعل التعافي من عدوى أو إصابة ما أكثر صعوبة بالنسبة لنا، كما يمكن لبعض هذه الأمراض أن تصبح مزمنة”.
ويضيف أن “عدوى أمراض كانت تحت السيطرة، مثل الهربس النُطاقي (مرض فيروسي يتسبب بطفح جلدي وبثرات في منطقة معينة من الجسم) أو السل، يمكن أن تظهر مرة أخرى. وهذا يزيد من قابلية الإصابة بمسببات الأمراض الجديدة وفي حدوث السرطان”.
المسألة لا تتعلق بالعمر دائما
ولكن على الرغم من أننا جميعاً نعاني من التدهور الذي يمكن توقع مساره مع مرور السنين، إلا أن ما يختلف بشكل كبير هو معدل حدوثه لدى كل فرد.
وتتأثر هذه العملية بالوراثة، ولكن أيضاً إلى حد كبير بنمط الحياة. وحتى وقت قريب، لم يكن من الممكن تحديد عمرنا المناعي.
لكن تمكن شين-أور وفريقه، بالتعاون مع جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، من التوصل إلى طريقة للحصول على هذه المعلومات، والتي يمكن أن تكون حاسمة لنجاح العلاج.
ويوضح شين-أور: “من خلال تحليل مكونات 18 نوعًا من خلايا الجهاز المناعي والمواد التي تدل على الجينات في عينة الدم، يمكننا تحديد مرحلة الشيخوخة التي يمر بها الجهاز المناعي للشخص”.
ويرتبط الاختلاف في سرعة عملية التدهور بجنس الشخص أيضاً.
ويقول مونتيسينو من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “بينما يمر كلا الجنسين بالشيخوخة ، فإن بعض المعايير تتقدم في العمر بمعدلات مختلفة لدى الرجال والنساء بسبب التأثيرات المحددة للهرمونات الجنسية”.
ويقول إن انقطاع الطمث لدى النساء ينتج عنه توازن في التأثيرات الوقائية للإستروجين، وهو هرمون معروف بتأثيره المفيد على جهاز المناعة لدى النساء.
كُن نشيطاً
الخبر السار، كما ذكرنا في بداية هذا المقال، هو إمكانية تبطيء عملية الشيخوخة، ومفتاح ذلك هو أن تظل نشيطاً بدنياً.
تقول لورد: “في يومنا هذا، يعد الجلوس لفترة طويلة بمثابة التدخين بالنسبة للجسم”.
“ففي الدراسات التي أجريت على الأشخاص الذين كانوا نشطين طوال حياتهم حتى سن الشيخوخة – مثل راكبي الدراجات الذين واصلوا قيادة دراجاتهم الهوائية لمسافات تتراوح بين 100 إلى 150 كيلومتراً في الأسبوع حتى بلوغهم سن الـ 80، كانت النتائج مذهلة”.
وتضيف: “كان لديهم الكثير من الخلايا التائية ولم تتقلص الغدة الزعترية”.
“وفي دراسة أخرى قامت على مراقبة عدد الخطوات يومياً، وجدوا أنه إذا قمت بإجراء 10000 خطوة يومياً، فإن الكريات البيض “العدلات” تبدو مثل تلك التي يمتلكها شخص يبلغ من العمر 20 عاماً”.
“وتقول لورد معترفة أنها في البداية “اعتقدت أن هذا الرقم اخترعه أشخاص لبيع أجهزة قياس الخطوات، لكن عندما أجرينا الدراسة فوجئت تماماً بالنتيجة”.
وكل هذا يتوقف على مستويات اللياقة البدنية الفردية، لكن الخبراء يقولون إن القيام بتمارين بسيطة مثل الوقوف على أطراف أصابع القدمين صعوداً وهبوطاً، وصعود السلالم ورفع بعض الأثقال هي بالفعل بداية جيدة.
وتقول لورد: “فقط قم بفعل أي شيء، أي شيء تقوم به فيه الكثير من الفائدة”.
كما أن العوامل الأخرى التي يمكن أن تساعد في هذا الصدد هي: اتباع نظام غذائي متنوع غني بالألياف مع الأطعمة المختمرة والقليل من اللحوم الحمراء للحفاظ على صحة الميكروبات المعوية (مجال أبحاث ما زال في بداياته) ، والنوم الأمثل ست ساعات ونصف أو سبع ساعات كل ليلة.
العودة إلى الماضي
إن إبطاء معدل الشيخوخة شيء، لكن عكس هذه العملية شيء آخر. فهل الأخير ممكن؟
ففي العام الماضي، نشر باحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس دراسة في المجلة العلمية “نيتشر” أفادوا فيها بأن مزيجاً من ثلاثة عقاقير شائعة (هرمون النمو واثنين من أدوية السكري) يقلل في المتوسط 2.5 سنة من العمر البيولوجي لمجموعة من تسعة متطوعين جميعهم من الرجال البيض الذين تتراوح أعمارهم بين 51 و 65 سنة.
وقال الباحثون إن الجهاز المناعي للمشاركين “أظهر أيضاً علامات على التجدد”، بما في ذلك أنسجة الغدة الزعترية المتجددة لدى سبعة من المشاركين التسعة.
وينوّه شين-أور، بدراسة عن عقار يعمل عليه هو وفريقه تُظهر نتائج تجربته، التي لم تُنشر بعد، أن عكس المسار بالنسبة للعمر المناعي (تقليل عمر الانسان المناعي) ممكن أيضاً.
ويقول: “لقد رأينا انخفاضاً في (العمر المناعي)، لكننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان سيتم الحفاظ عليه بشكل دائم”.
ولكن حتى مجرد إبطاء التدهور يمكن أن يكون خطوة حاسمة إلى الأمام بالنسبة لنظام المناعة لدينا.