سدّدت مشاهد اقتحام أنصار للرئيس الأميركي دونالد ترامب مقر الكونغرس، الخميس، ضربة قاسية لصورة الولايات المتحدة كمنارة للديمقراطية، فأثارت صدمة وذهولا الحلفاء، فيما سارع الخصوم إلى استغلال أعمال العنف.
اعتاد العالم على رؤية الدبلوماسيين الأميركيين يهرعون لإصدار بيانات تنديد عند قيام مجموعة أنصار للسلطة باقتحام برلمان في العالم للمطالبة بإلغاء نتائج انتخابات.
لكن مع الفوضى التي عمت مبنى الكابيتول، الأربعاء، انقلبت الأدوار وأصدرت عواصم العالم هذه المرة دعوات إلى الهدوء، لا بل تحذيرات إلى رعاياها، ومنها أستراليا التي حذرت مواطنيها من “احتمال وقوع عنف” في الولايات المتحدة.
هذا الوضع يشكل مفارقة لبلد يتغنى منذ أكثر من قرن، وعند قيام أي محنة أو أزمة، بميزات نظامه الديمقراطي الذي وصفه الرئيس السابق رونالد ريغن بأنه “مدينة مشعة على تلة”.
لم تعد هذه الصورة موضع إجماع منذ وقت طويل. لكن بعد أربع سنوات خالف فيها ترامب كل المعايير، كانت بضع ساعات من الفوضى والعنف كافية لتفقد الولايات المتحدة مكانتها تماما وتبدو ديمقراطيتها هشة كما في سائر الدول التي كانت تنتقدها.
وحملت الأحداث الرئيس السابق جورج بوش على تشبيه الأحداث بالوضع في “جمهورية موز”، منتقدا زملاءه الجمهوريين لتأجيجهم “العصيان”.
واستشهد البعض في العالم بأحداث تاريخية سعيا لتوصيف الاقتحام غير المسبوق لأبرز رموز الديمقراطية في الولايات المتحدة.
تعالٍ وسخرية
شبه وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أعمال العنف في العاصمة الفدرالية الأميركية بإحراق مقر الرايخشتاغ، البرلمان الألماني، خلال الحقبة النازية، فيما قارنت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية بين الأحداث و”الزحف على روما” بقيادة بينيتو موسوليني.
وأبدى كثيرون مخاوف من الضرر الذي ستلحقه هذه الأحداث بشكل دائم بصورة أكبر قوة عظمى في العالم.
وقال بين رودز، المستشار الدبلوماسي السابق لباراك أوباما، متحدثا لوكالة فرانس برس: “على الأميركيين ألا تساورهم أوهام. صور اليوم، على غرار رئاسة ترامب، ستؤثر بشكل دائم على النظرة إلى الولايات المتحدة في العالم”.
وتابع: “ما هو مأسوي، أن هذه الإساءة إلى الديمقراطية تحصل في وقت تتصاعد فيه الشعبوية في جميع القارات”.
وإن كان بعض الحلفاء أبدوا تعاطفا مع الولايات المتحدة في هذه المحنة، فإن دولا أخرى رأت في أعمال العنف مناسبة لتسوية حساباتها مع هذا البلد، معتمدة نبرة متعالية أحيانا، وساخرة أحيانا أخرى.
وفي اقتباس لنبرة البيانات التي تصدر عادة عن واشنطن، أعرب وزير الخارجية الفنزويلي، خورخي أريازا، عن “قلقه” بعد أعمال العنف، داعيا الولايات المتحدة إلى سلوك طريق “الاستقرار والعدالة الاجتماعية”.
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فرأى في الأحداث دليلا على أن الديمقراطية الغربية “هشة وضعيفة”.
وغداة حملة توقيفات في أوساط المعارضين المطالبين بالديمقراطية في هونغ كونغ لقيت تنديدا من واشنطن، كتبت صحيفة “غلوبال تايمز” القومية الصينية ساخرة أن “فقاعات (الديمقراطية والحرية) انفجرت”.
يصعب “إعطاء دروس”
حذر النائب الجمهوري عن ويسكنسن مايك غالاغر، “إن كنا نظن أن الدول الأخرى لا تراقب ما يجري الآن وأن الحزب الشيوعي الصيني لا يجلس مسترخيا ضاحكا، فإننا واهمون”.
وحاول بعض حلفاء الولايات المتحدة، مثل وزير الخارجية الإيرلندي سايمن كوفني، التخفيف من خطورة الحدث بالتأكيد أن المشكلة تكمن في دونالد ترامب ولا تعكس صورة الديمقراطية الأميركية.
وقال كوفني: “يجب أن نقول الأمور كما هي: إنه هجوم متعمد على الديمقراطية نفذه رئيس حالي وأنصاره”.
لكن حتى الذين يؤمنون بقدرة الولايات المتحدة على التعافي سريعا من عهد ترامب، يبدون مخاوف من أن تكون هذه الأحداث قوضت بشكل نهائي قدرة واشنطن على نشر قيم الديمقراطية ودولة القانون في العالم.
وكتب الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد هاس في تغريدة: “سنحتاج إلى فترة من الوقت، ليس لاستعادة قدرتنا على الدفاع بمصداقية من جديد عن دولة القانون فحسب، بل كذلك لإقناع حلفائنا بأن بوسعهم الاعتماد علينا، أو تلقين دروس لآخرين بأنهم لا يتمتعون باستقرار كاف لامتلاك السلاح النووي”.