طفا مجددا نقاش الحريات الفردية في المغرب إلى السطح، بعد اعتقال سيدة بمدينة تطوان ظهرت في مقطع فيديو إباحي جرى تداوله على نطاق واسع عبر وسائط التواصل الفوري، حيث اعتبر البعض الاعتقال “انتهاكا للحريات الفردية”؛ بينما أيده البعض بداعي أن المعنية “انتهكت الأخلاق والآداب العامة”، واعتبر آخرون أن فيه “تمييزا” ضد المرأة.
المنتقدون لاعتقال صاحبة الفيديو، الذي تم تصويره قبل سنوات، وكانت حينها فتاة واليوم أصبحت أما لطلفيْن، في تعليقاتهم على الموضوع، أنها لم ترتكب فعلا يشكل خطرا على المجتمع، وأن اعتقالها لا يتناغم مع التطور الذي يعرفه المغرب على مستوى الحريات؛ غير أن هذا الرأي يقابله رأي آخر مؤيد لتطبيق مقتضيات القانون على ممارسي العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
وذهب مؤيدو هذا الطرح إلى اعتبار أن اعتقال “سيدة تطوان” ليس فيه أي تجنٍّ في حقها، طالما أن القانون واضح، ويجرم العلاقات الجنسية غير الشرعية، مع تسجيلهم لوجوب اعتقال الشخصين اللذين ظهرا في مقطع الفيديو، وليس الفتاة التي ظهرت بوجه مكشوف لوحدها.
ويجرم القانون الجنائي المغربي العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، حيث ينص الفصل 490 من القانون المذكور على أن “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.
وكان موضوع الحريات الفردية في المغرب مثار جدل واسع بعد الشروع في تعديل منظومة القانون الجنائي، حيث طالبت هيئات حقوقية، بما فيها الرسمية، الحكومة بإلغاء مقتضيات القانون الجنائي المجرّمة للحريات الفردية؛ وهو الطلب الذي رفعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مذكرة سنة 2019، حيث دعا إلى إلغاء تجريم العلاقات الجنسية بالتراضي بين البالغين.
وفي المقابل، تحاول الحكومة مسك العصا من الوسط إزاء هذا الموضوع الشائك، حيث يتمسك الحزب المتزعم للتحالف الحكومي بتجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، دون أن يكون للدولة الحق “في اقتحام الفضاء الخاص والتجسس والتلصص وكسر الأبواب على الراشدين الراغبين في ممارسة حميمياتهما”، على حد تعبير مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، في تصريحات سنة 2019.
تعليقا على هذا الموضوع، قال عبد الله عيد نزار، عضو منتدى الديمقراطية والحداثة، إن واقعة “سيدة تطوان”، من الناحية القانونية، “لا تتعلق بعلاقة جنسية خارج إطار الزواج، بقدر ما تتعلق بنشر صور لشخص دون موافقته”، معتبرا أن السيدة موضوع المتابعة هنا هي في الأصل ضحية وليس مذنبة، على حد تعبيره.
وعلل المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، موقفه بالقول: “القاعدة القانونية المتعلقة بالعلاقات خارج إطار الزواج تقتضي حالة التلبس، وهو ما لا يتوفر هنا أولا، وثانيا الدليل الذي يمكن أن يُستعمل ضدها لا يمكن أن يعتد به لأنه أخِذَ خارج إطار القانون، وهذا هو المنطلق الأساسي الذي نعتمد عليه في مطالبتنا بإطلاق سراحها”.
ويتجاذب موضوعَ الحريات الفردية في المغرب تيار يدعو إلى احترام الحياة الخاصة للناس، وتيار آخر، يبدو أنه يشكل الأغلبية، لا يزال يرفض هذه الحريات؛ غير أن عبد الله عيد نزار يرى أن الرفض الذي تبديه الفئة “المحافظة” من المجتمع إزاء العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج “يدخل ضمن إطار النفاق الاجتماعي الذي يجب أن نتجاوزه حتى يصبح مجتمعنا متجانسا مع قيمه الحديثة التي يمارسها عوض هذا التناقض بين القيم المعلن عنها والممارسات على أرض الواقع”.
وتساءل المتحدث ذاته “قضية العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وفي إطار التراضي هي قضية يعلم جميع المغاربة أن الأغلبية العظمى تمارسها، فما الغاية من وضع قانون لا يمكن أن يطبق على الجميع؟”.
وأردف: “وحتى عند تطبيق القانون فإن من يتم اعتقاله ومتابعته في هذا الإطار هم فقط أبناء وبنات الشعب الذين لا حول لهم ولا قوة؛ في حين أن الأحياء الراقية لا يقربها أحد”، مضيفا: “هنا، يصح أن نقول أن هذا القانون هو بنفسه قانون طبقي وتعسفي، وتطبيق القانون بصفة انتقائية يعد خرقا لحقوق الإنسان وتجاوزا”.