نشرة تحذيرية من سقوط جماعي


سعيد بن عائشة


السبت 9 يناير 2021 – 23:50

بغض النظر عن حكاية السرير العائم، أو عربات الترامواي المحاصرة وسط السيول، أو الفأرة التي وجدت في نعال يطفو فوق الماء آخر قشة تربطها بالحياة.. فقد كانت المشاهد المصورة عشوائيا من مدينة الدار البيضاء وغيرها من المدن بئيسة بما يكفي لتعميق جراح الشعب الذي مازال يعاني الويلات تحت وطأة الجائحة التي لا ترحم.. بل إن فيلم الرعب المكون من مشاهد حقيقية وممثلين حقيقيين، لم يكن ليكتمل دون مشاهد لانهيار بعض المنازل..

كل الغش الذي مارسناه طيلة سنين، وكل الأصوات الانتخابية المزورة، وكل مؤامرات بعض الأحزاب، وبعض جمعيات الأحياء، وبعض رجال السلطة، كانت تنهار فوق رؤوس الوطن، أمام أنظار العالم، خلال الأسبوع الأخير.. نعم إنه المغرب الآيل للسقوط فوق رؤوسنا، وفوق رؤوس الأجيال المقبلة، فبعض المدن ليست في الحقيقة سوى أكوام من الإسمنت المغشوش، والبنايات العشوائية.. والمواطنون إما مغلوبون على أمرهم، أو مشاركون في المؤامرة، ولكن السقوط لا يميز بين الأشرار والأخيار..

كل لحظة تمر علينا اليوم قد تكون بداية للعد العكسي نحو الانفجار الكبير، سواء استمرت الأمطار في التهاطل أو توقفت.. فما بني على باطل فهو باطل، وقد يكون في أحسن الأحوال آيلا للسقوط، وإذا لم يسقط الركام فوق رؤوس الآباء فسيسقط حتما فوق رؤوس الأبناء، وفي أحسن الأحوال سيسقط فوق رؤوس أبناء الأبناء.. هي رسالة جيل لجيل.. وتركة سوداء ينبغي التخلص منها في أقرب وقت..

لقد آن الأوان من أجل مسيرة لبناء الوطن، وبناء مدن جديدة، ليس هذا فحسب، بل إن المغرب في حاجة إلى نهضة معمارية على مستوى الأحياء السكنية لمواكبة الأوراش الكبيرة.. لا يعقل أن يكون عندنا أعلى برج، وأكبر مسرح، وأسرع قطار في إفريقيا.. بنفس البنية التحتية البائدة، ونفس العقلية الانتهازية التي ميزت تدبير الوعاءات العقارية أيام زمان..

الغش في الانتخابات، والغش في الأساسات، والتلاعب في مواد البناء، وانتهاء مدة صلاحية بعض الأحياء وبعض الأحزاب.. كلها عوامل تفرض علينا التفكير في مغرب آخر، ليس على مستوى السكن الوظيفي أو السكن التجاري أو المدن الذكية أو البنايات الإيكولوجية..، بل على مستوى السكن المخصص للفئات الهشة، الغير قادرة على الدفع.. حيث تجتمع عشرات الأسر في “مساكن موقوتة”، قابلة للانفجار في أية لحظة..

كل شيء له مدة صلاحية، بما في ذلك الغش، حيث يجب التخلص منه، في أقرب محطة، لكي يواصل قطار النمو سيره دون حوادث مؤسفة، وحتى لا يتم تهديد مستقبل الأجيال المقبلة بخراب وشيك، يستعصي التستر عليه بمناورات سياسية وإعلامية.. فكلنا مسؤولون، وأبسط أركان المسؤولية هو المساهمة في إعادة بناء هذا الوطن، كل من موقعه..

الأمطار الترامواي الدار البيضاء السرير العائم

hespress.com