تشرق الشمس خلال الأيام الجارية قبيل أو بعيد الثامنة والنصف صباحا، بحسب الاختلاف الطفيف في مواعيد الشروق بين مناطق المغرب، وهو التوقيت الذي تنطلق فيه أولى الحصص الدراسية الصباحية بأغلب المؤسسات التعليمية بربوع المملكة، مما يفرض على المتعلمين بمختلف أعمارهم التواجد بالفصول الدراسية قبل الساعة الثامنة والنصف بدقائق.
ظلام وانخفاض في درجة الحرارة
حرصُ المتعلمات والمتعلمين بمختلف مستوياتهم الدراسية على الوصول إلى مؤسساتهم التعليمية في الوقت المحدد يجبرهم، بوتيرة يومية تقريبا، على الاستيقاظ من النوم مع أذان صلاة الصبح الذي يُرفع حوالي الساعة السابعة فجرا، وبالتالي قطع المسافات بين المنازل والفصول الدراسية تحت جنح الظلام.
تزداد المشقة حدة خلال الأيام المتسمة بانخفاض درجة الحرارة التي تتراجع أحيانا إلى ما دون الصفر، إضافة إلى التساقطات المطرية التي تعيشها البلاد خلال الأيام الجارية، مما يتسبب في إلحاق أضرار نفسية وصحية بالتلاميذ المجبرين على الالتزام بالتوقيت المحدد من طرف وزارة التربية الوطنية عبر مصالحها المركزية والجهوية والإقليمية.
تفاعلا مع هذه الأوضاع، لجأ عدد من الآباء والأمهات، في الآونة الأخيرة، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التعبير عن معاناتهم اليومية جراء اضطرارهم إلى الاستيقاظ باكرا وإعداد أبنائهم للخروج من المنازل وسط الظلام الدامس، تفاديا للوصول إلى المدارس في وقت متأخر وتفويت فرصة التحصيل الدراسي اللازم.
الساعة الإضافية في فصل الشتاء
وطالب المشتكون والمشتكيات، عبر التعليقات والتدوينات والصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري، بضرورة إعادة النظر في مواعيد التحاق المتعلمين بالمؤسسات التعليمية في الفترات الصباحية، رأفة بنفسية الأطفال والآباء والأمهات على حد سواء، وحتى تحقق المدرسة أهدافها التربوية والوجدانية بالشكل المطلوب.
وربط المعلقون المعاناة المذكورة بالساعة الإضافية التي كانت موسمية وصارت رسمية طوال السنة، مشيرين إلى أن نتائجها السلبية تظهر بحدة خلال فصل الشتاء، حيث تصبح ساعات الليل أكثر من ساعات النهار، ويصير اعتماد “غرينيتش+1” كابوسا حقيقيا حين لا تتم إعادة النظر في مواعيد الدراسة الصباحية.
وسارت تعليقات أغلب المتفاعلين مع الموضوع في اتجاه اقتراح الساعة التاسعة أو التاسعة والنصف صباحا للالتحاق بالمدارس عوض الثامنة والنصف المعتمدة منذ بداية الموسم الدراسي الجاري، مشيرين إلى أن تغيير التوقيت سيمكن المتعلمين، بالوسطين الحضري والقروي، من الاستيقاظ والتنقل إلى المؤسسات بعد طلوع الشمس وفي ظروف مقبولة.
رأي أخصائي نفسي
هشام العفو، أخصائي نفسي مدير المرصد الوطني للدراسات النفسية والاجتماعية، قال إنه “يمكن الانطلاق من بعض الدراسات الأجنبية حول الآثار الجسدية أولا للساعة الإضافية، من بينها دراسات علمية نشرتها مجلة Open Heart الأمريكية سنة 2014، تؤكد أن الإصابة بنويات قلبية ترتفع بنسبة 25% بسبب الساعة الإضافية، وقد حذرت هذه الدراسات من استمرار العمل بها نظرا للخطورة الكبيرة على صحة المواطنين بشكل عام”.
وأضاف الأخصائي النفسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “هنا نذهب في الاتجاه نفسه، ونؤكد بشكل كبير هذا التوجه بسبب الضغط النفسي الذي تتسبب فيه هذه الساعة الإضافية، حيث تشكل عائقا نفسيا وتتحول إلى منغصات للعيش، وبالتالي تؤثر على التوازن البيولوجي للطفل المتعلم خصوصا، وقد ترفع احتمال ارتفاع التوتر والقلق عند المتعلمين، وتعتبر أيضا من الأزمات الصحية”.
وعن استيقاظ الأطفال باكرا بسبب الساعة الإضافية، أكد مدير المرصد الوطني للدراسات النفسية والاجتماعية “خطورة هذا الوضع على التوازن البيولوجي والهرموني، مما قد يؤدي إلى اختلال الوظائف العضوية الحيوية كالقلب والدماغ، وهما عضوان حيويان إذا تأثر أحدهما سيختل الجسم بكامله، خصوصا أن الطفولة تتميز بسرعة النمو والتغيرات الهرمونية، ومن الضروري أن ينعم التلميذ والتلميذة بمسار نمو تطوري طبيعي”.
الساعة الإضافية والآثار النفسية
وأكد هشام العفو ضرورة “النظر إلى الجوانب السلبية للساعة الإضافية، خاصة على المستوى النفسي، لأن ما خلفه استمرار العمل بهذه الساعة انعكس بشكل سلبي وكبير على الحالة النفسية للتلاميذ والتلميذات، والأطر التربوية أيضا”، مشيرا إلى أن “الحديث الآن عن تغيير إلزامي في الساعة الطبيعية للأطفال، ومهما جرت المحاولة للتأقلم إلا وكانت على حساب الراحة والصحة النفسية عموما”.
ونبّه الأخصائي إلى “الآثار النفسية السيئة جدا ولو من خلال المعاينات والملاحظات للحالات أو الشعور العام، خاصة في فصل الشتاء باعتباره فصلا باردا، يضطر فيه التلاميذ والطلبة إلى الخروج باكرا وفي البرد القارس وفي ظروف نفسية صعبة تجعل تمثلهم لذواتهم وللواقع والمدرسة سلبيا، وبحالة نفسية يسودها الإحباط والألم النفسي، لهذا نشاهد ارتفاع مشاهد العنف ومشكل التحكم في السلوك والمشاعر”.
وأوضح هشام العفو أنه “لا يمكن تجاهل العلاقة القائمة بين ما هو نفسي وما هو عضوي، وهذا ما يسمى في علم النفس المرضي بالتأثير السيكو-سوماتيكي أو النفسي-الجسدي؛ إذ إن اختلال جانب يؤثر في وظيفة الجانب الآخر، وبالتالي ينهار منسوب اللياقة النفسية والجسدية للمتعلمين، وتنهار معه باقي القدرات الذهنية والمعرفية والعاطفية أيضا، وهنا تتأثر المردودية بسبب الضغوط النفسية التي يواجهها المتعلم”.
وشدد مدير المرصد الوطني للدراسات النفسية والاجتماعية على أن “المشكل المذكور صنفته منظمة الصحة العالمية في ارتفاع الضغط النفسي، حيث يؤثر على الصحة النفسية للتلاميذ، ثم تتأثر بعد ذلك المردودية التعلمية للمتعلمين الذين يضطرون للخروج في جنح الظلام، محملين بمشاعر الخوف والرعب والبرد القارس وفي ظروف صعبة، وبالتالي تنعكس هذه الظروف على صحتهم النفسية”.