قيل إنهم أربعة صحبة خامسهم أو ما دون ذلك لا أدري عنهم، لكن ما هو مؤكد أنهم بمفهوم القرن الماضي من بقايا الحرب الباردة والأيديولوجيات المتهالكة. تغير العالم وهم لم يتغيروا. وقد فاتهم الركب وكلفوا أنفسهم برفع دعوى أمام محكمة النقض للطعن في قرار استئناف المغرب علاقاته الرسمية مع دولة إسرائيل. هؤلاء القوم منهم من دخل عقده السادس ومنهم من تجاوزه إلى عقده الثامن وندعو لهم بالسلامة العقلية في ما تبقى لهم من أعمار يقضونها بعيدا عن مرض “ألزايمر” وإن كانت الآفة آتية لا ريب فيها، فملامحها كما نراهم فيها بادية للعيان.
1 ـ يقال عن هؤلاء الناس أنهم رجال قانون. وما داموا كذلك يفترض فيهم أن يكونوا قد استندوا في دعواهم على نصوص قانونية. وبعد أن تعذر عليهم، راحوا يفتشون عنها في الخارج لعلهم يعززوا بها التماسهم أمام محكمة النقض بخصوص إلغاء كافة القرارات المتخذة من قبل المدعى عليهم أي الدولة المغربية في علاقتها مع ما يسمونه بالكيان الإسرائيلي على أساس أن تلك القرارات مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولاتفاقية فيينا والقانون الدولي وللشرعية الدولية لحقوق الإنسان.
كل هذه المبررات التي وردت في الملتمس لا تشكل أرضية ولا أساسا يساعد على دحض القرار السيادي للمغرب. فجميع ما استأنسوا به في ذلك الادعاء مردود عليه بحجة أن كل تلك المواثيق والاتفاقيات رحبت بإسرائيل لتكون لها العضوية الكاملة في المنظمات التي ترعى وتسهر على تلك المواثيق. فهي عضو في الأمم المتحدة وعضو فاعل في اتفاقية فيينا بعد أن صادقت على قوانينها الأساسية كما لها علاقات ديبلوماسية مع مختلف دول العالم. وما دامت هذه المنظمات والاتفاقيات حاضنة لإسرائيل ولم تطعن في وجودها، فكيف للمحامين الأجلاء وعلى رأسهم الأستاذ الكبير عبد الرحمان بنعمر والأستاذ عبد الرحيم بن بركة والزمرة المتبقية منهم أن تغيب عنهم هذه المعطيات إن هي بالفعل غابت عنهم أم هم عنها غافلون. هذه الدعوى التي تستند على مبررات واهية لا يمكن أن تجد لها تفسيرا إلا في واحد من ثلاثة أمور أو مجتمعة: إما أن الجماعة قد أصابها ما أصابها من خرف أو أنها رقصة الديك المذبوح أو عناصر الجماعة لهم ما لهم من ارتباطات مع الخارج وبالتالي فإن ساعتهم ليست مضبوطة على التوقيت المغربي.
كما يتبين من أول وهلة أن الموقعين على ما يعتبرونه بالتماس ليسوا جادين في رفع هذه الدعوى لقناعتهم بأنها لا تستقيم على أساس ومعرفتهم المسبقة بأنها ليس فيها ما يمكن أن يحمل الهيئة القضائية على المتابعة بسبب عدم الاختصاص وفي أحسن الحال رفض الدعوى لعدم التأسيس وهو رفض في الموضوع عندما تكون الوقائع الموضوعية غير مستندة إلى أساس قانوني أي وجود قصور أو انعدام المواد القانونية التي تدعم الوقائع، وهو ما يفضي إلى أن المتقاضي ليس له من الأصل الحق في رفع الدعوى.
ومن المؤكد أن هؤلاء الناس لا تغيب عنهم هذه المعطيات، ليتبين لنا أن الغاية من رفع تلك الدعوى هو تسجيل موقف بعيدا كل البعد على أن يكون ذلك بنية التقاضي. ولأنهم غير متيقنين من جدوى ومتابعة ما قاموا به ولا أن يكون لذلك أي صدى إعلامي، استعانوا بتصوير أنفسهم وهم خارجون من مقر محكمة النقض وأدلوا بتصريحات جوابا على الأسئلة التي طرحوها على أنفسهم وأطلقوها في قنوات التواصل الاجتماعي. ليقولوا لنا بأنهم مازالوا أحياء يرزقون ولو أنهم في أرذل العمر. وعليهم أن يدركوا أنه لم يعد مسموحا لهم أن يقرروا في المستقبل بعد أن باتوا جزءا من ذلك الماضي المنسي. وطبيعي أن يكون لكل مغرب رجاله، ومغرب اليوم هو مغرب جيل جديد فلا يمكن أن يحكم هذا الجيل بعقلية القرن الماضي.
هذا التحرك المريب يثير تساؤلات خطيرة منها، هل عناصر هذه الجماعة تضع نفسها في خندق واحد مع النظام الجزائري، الذي يتخذ موقفا هو الآخر معاديا للمغرب في علاقته مع إسرائيل، بمعنى وجود حملتين معاديتين واحدة من الداخل والأخرى من الخارج. ثم ألا يعني أن هذه المواقف المعادية تلتقي على قاسم مشترك وهو ضرب مصالح المغرب وخاصة قضيته الوطنية التي دخلت مرحلة الخط المستقيم نحو خط النهاية؟ على إثر اعتراف أمريكي وبعد استئناف المغرب علاقته مع إسرائيل. فدعوتهم لإلغاء القرار السيادي فيها نوع من الدس يراد به تغيير قواعد اللعبة مع واشنطن وهذا ما يعول عليه النظام الجزائري بعد أن حشر في الزاوية وفي عزلة غير مسبوقة. فالجماعة يقدمون خدمة لهذا النظام. فسواء كان ذلك عن وعي أو عن غير وعي، فهم في جميع الأحوال يتخذون موقفا متخاذلا كي لا نقول شيئا آخر.
وليس في الأمر تحامل أو نوع من المبالغة أو المزايدة حينما نقول إن تلك الدعوى تضع الشعب المغربي هو الآخر موضع اتهام بدليل أن إرادة ملك هي إرادة شعب ولسنا هنا أمام حالة جديدة، فتاريخ المغرب هو تاريخ تلاحم بين الراعي والرعية. وقرار استئناف العلاقات مع إسرائيل حظي بمباركة شعبية واسعة ومن قبل هيئات سياسية وحزبية من مختلف المشارب. فبعد هذا كله، نتساءل مع الجميع ألم يكن هذا الإجماع كافيا حتى يذهب بعض الخارجين عن الصف إلى محكمة النقض لمقاضاة الدولة المغربية؟ ونؤكد لهم من الآن أن السلام بين المغرب وإسرائيل هو سلام أكثر من أن يكون بين مؤسسات رسمية في هذا البلد أو ذاك. فهو أول سلام سيتميز بشعبية عارمة، سلام دافئ لأن المغرب في علاقته مع إسرائيل بلد مميز لأن له رصيدا تاريخيا في التسامح والتعايش بين أبناء الطوائف الدينية. ولذلك ليس من الصدفة أن يتم الاتفاق بين البلدين على تنظيم رحلات طيران مباشرة ما لم تكن مربحة. فالمغاربة سيتوافدون على إسرائيل وكذلك الإسرائيليون، وخاصة اليهود المغاربة سيحظون بكل الترحاب في المغرب. هذه هي الحقائق التي كان على أصحاب الدعوى أن يستحضروها عوض أن ينساقوا نحو تسجيل موقف، وأي موقف هذا الذي ما فتئ يظهرهم كل مرة في عزلة تامة كخرجاتهم الأخيرة أمام البرلمان التي “زردتهم” عن القمح كحبات طفيلية نسميها نحن أهل البادية “بالكحيلة”.
2 ـ بالتأكيد ليس هناك وازع وطني من وراء هذا التحرك. لو كان لما ذهب هؤلاء الناس في اتجاه معاكسة مصالح المغرب والبحث عبثا بالقول لا بالفعل عن مصالح قضية لها أهلها. فلا هم قضوا حاجة غيرهم ولا هم تخلوا عن التشويش في تحقيق مصلحة المغرب والمغاربة. أين كان هؤلاء وأين هم اليوم لما تعسف النظام الجزائري بحقوق المغاربة حينما طرد 350 ألف مغربي عام 1975، في أبشع صور لا تليق بآدمية الإنسان بعد أن تم اقتحام البيوت في ليلة ما وأفسد فرحة عيد الأضحى بتفريق الأب عن أبنه والزوج عن زوجته في عتمة الليل، فوجدوا أنفسهم صباحا في العراء على الحدود المغربية الجزائرية. تشتت الأسر وتركت أموالها وأملاكها عرضة للضياع. كل هذه المأساة الإنسانية ألم تكن تعني لكم آنذاك واليوم أي شيء. ألم يستحق هؤلاء المغاربة الذين قهرهم النظام الجزائري أية التفاتة منكم من قبيل مقاضاة ذلك النظام أمام المحاكم الدولية. هل قضيتهم لا تستحق منكم ذلك الاهتمام الذي تظهرونه في قضايا الآخرين، وقضايا إخوانكم المغاربة لا تحرك فيكم ولو شعرة واحدة. وهل مقاضاة الدولة المغربية على علاقاتها مع إسرائيل لها أولوية في سلم اهتماماتكم وأجندتكم أكثر من مقاضاة النظام الجزائري على جرائمه ضد البشرية. أنتم المحامون ومنكم النقيب السابق والفقيه في القانون والمناضلون في مجال حقوق الإنسان أريد منكم أن تحددوا موقفكم من قضية المغاربة المطرودين، أليست هذه القضية على صلة وثيقة بحقوق الإنسان أم أن تلك الحقوق لا تبدو لكم سوى في الشعب الفلسطيني وإن كنا لا ننكر عن هذا الشعب حقه هو الآخر في الحياة وفي إنشاء دولة بجوار دولة إسرائيل.
وأخشى ما أخشاه أن يكون غباش مزمن قد أصابكم وجعلكم تنظرون إلى النظام الجزائري نظرة القدوة ولا ترفعوا ضده شكاية ولو فعل ما فعل بالمغرب والمغاربة. وأتمنى أن ينفجر فيكم ينبوع الوطنية وتسارعوا إلى فتح ملفات قضائية ضد النظام الجزائري وتعسفاته التي لها صلة بالمجال الحقوقي لا بتلك القضايا التي تخصكم وتندرج في حساباتكم السياسية. ولعل قول الله سبحانه خير ما يمكن أن ينطبق عليكم “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.